في غرفة علوية بمبنى ملحق بدار سوذبي بلندن اجتمع عدد من خبراء الدار، يشتركون في خبرة واسعة في مجالات فنية مختلفة من الفن البريطاني المعاصر للفن الإسلامي الهندي والسجاد والمنسوجات. الحماسة أيضا جمعت بين الخبراء الأربعة، فكل منهم لديه كثير ليقوله حول المزاد المهم الذي تقيمه الدار في 24 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والذي تتنقل معروضاته بين شتى الأزمان والأساليب الفنية.
المزاد لمقتنيات الفنان البريطاني الراحل هوارد هودجكين الذي عرف عنه حبه لشراء القطع الفنية المختلفة ما حول شقته بحي بلومزبير بلندن لغاليري خاص بالفنان يضم في جنباته قطعا مدهشة تسرد فيما بينها قصصا من تاريخ الفن العالمي وتعكس صورة للفنان عبر الأشياء التي وضعها في جنبات بيته وانعكس تأثيرها على أعماله الفنية. المزاد يضم 400 قطعة تتراوح ما بين المفروشات واللوحات والمنمنمات الهندية إلى الفخار والسجاد.
من خلال صور فوتوغرافية لشقة هودجكن أجدني أتأمل تمازج الألوان والأشكال وتنسيقها حسب ذائقة فنية فريدة. يستعرض خبراء الدار صور الشقة ومحتوياتها بتقدير واضح، ويجب القول إن الصور تعكس شخصية الفنان واهتماماته وترتبط بأعماله الفنية بشكل مباشر وغير مباشر.
من الأشياء التي تجذب البصر للصور هي الألوان المختلفة التي تسيطر على المشهد، هودجكن استخدم الألوان بقوة في أعماله الفنية عبر ضربات فرشاته العريضة، وامتد ذلك العشق لكل ركن من أركان منزله، تناوبت قطع السجاد المعلقة مع رقع الفخار الملونة والأرضيات المطلية في نقل ما رأته عين الفنان لنا ولأي ناظر لمحتويات شقته.
فرانسيس كريستي رئيسة قسم الفن البريطاني المعاصر تشير لصور فوتوغرافية لشقة هودجكن مبسوطة أمامنا على طاولة خشبية، تقول: «تخيلي أنك في شارع لندني مترب تحاصرك الأمطار والهواء البارد وفجأة يفتح لك باب منزل تطالعك منه في أول خطواتك الحوائط الحمراء وقطع فنية ساحرة متناثرة على كل الأسطح، تدخلين لذلك العالم المدهش من الألوان والفنون الإسلامية والهندية والغربية وغيرها». تمضي كريستي في حديثها لتأخذنا في جولة افتراضية عبر حجرات المنزل وتصل بنا للطابق الثاني حيث تتناثر قطع السجاد الثمينة على قضبان السلم وعلى حافته تتدلى بطريقة جذابة وإن كانت محسوبة بدقة. تتداخل قطع السجاد مع قطع الفخار الملون. بالنسبة لخبراء الدار الذين زاروا منزل هودجكن كان الأمر بمثابة الاكتشاف: «كل تلك القطع والأساليب الفنية المختلفة من جميع أنحاء العالم تختلط ببعضها في تناسق طبيعي... كل هذا تم تنسيقه بعين الفنان». تقول كريستي، ويدخل بنيدكت كارتر الخبير في الفن الإسلامي في الحديث قائلا: «لم يكن هناك إحساس بالازدحام، كان هناك كثير من القطع ولكنها كانت منسقة بذكاء».
بين كل تلك القطع كان هناك عناصر مشتركة كثيرة حسب ما تشير جاكلين كولتر خبيرة السجاد بالدار: «وكأننا أمام لعبة بصرية ممتعة، نرصد موتييفات في إحدى القطع ما نلبث أن نجدها مرة أخرى في قطعة أخرى معلقة في مكان آخر. على سبيل المثال نرى مرآة ضخمة على الطراز الإنجليزي بها نقوش على هيئة أشجار النخيل، تتكرر الأشجار في قطعة سجاد على حائط مقابل ثم من خلال قطع فخار في مكان آخر. وكأن القطع تتحاور فيما بينها، الشرق يخاطب الغرب والقصص الصغيرة وراء كل منها تتنقل بينها».
من المنسوجات هناك أيضا قطع تبدو مقتطعة من خيمة كبيرة، تشير كولتر إلى أن «النقوش عليها وكأنها مثل كوات لوضع التحف، يتكرر ذلك الموتيف في مكان آخر في قطعة حجرية وضعت بالمطبخ».
يضم المزاد عددا من المقاعد بتصميمات مختلفة، تشير كريستي «كان يحب المقاعد!» وتفسر ذلك بقولها: «هودجكن أحب الناس وعكس ذلك الحب في لوحاته، وربما كان هذا الحب وراء افتتانه بجمع المقاعد»، تدخل كولتر في الحديث قائلة: «كان هودجكن يحب أن يدخل حجرة خالية ولكنها مليئة بـ(الناس)، أشخاص صامتون لكنهم مرافقون له في خلوته».
المثير في رؤية مقتنيات هودجكن في محيطها الطبيعي بمنزله هو الإحساس بأن العلاقات بين القطع انعكست في أعمال الفنان.
تشير كريستي إلى جانب آخر في المجموعة قائلة إن هودجكن كان يشتري القطع التي تجذبه من دون الحكم عليها فنيا، هناك تراتبية في الفنون، فمثلا اللوحة الزيتية تتفوق على اللوحة بالألوان المائية التي تتفوق بدورها على الرسومات، ولكن هودجكن لم يكن يهتم بذلك، كان أسلوبه في الشراء والاقتناء معتمدا إلى حد كبير على إحساسه بجمال القطع.
قطع الفخار المعلقة التي حرص هودجكن على تبطينها بقطعة من الخشب حتى يمكن تعليقها باستقامة على الحائط، وتحمل الكتابات العربية لها مغزى واضحا كما تشير كولتر: «أعماله الفنية تدور حول الشكل والمساحة وهي العناصر نفسها التي تميز فنون الخط العربي». قال دائما إنه لا يفهم معاني الكلمات المخطوطة ولكنه كان يحب ما يوحي به الشكل.
من الأشياء التي تلفت النظر في مجموعة هودجكن هو أنه جمع كثيرا من القطع غير المكتملة، لم يحاول الحصول على الأجزاء الناقصة، كان يبحث دائما عن الموتيفات والألوان والملمس، وربما تكون تلك الأجزاء الناقصة تحمل معنى الحرية، فهي مستقلة ولا تسعى لتكون جزءا من كل. يصادفنا هذا التوجه خاصة في الفخاريات ولوحات الخط العربي والسجاد. تشير كولتر إلى أن المجموعة تضم قطعا متميزة من السجاد من عصر الدولة الصفوية، منها قطعتان تعودان للوقت نفسه اجتمعتا بعد افتراق على حوائط منزل هودجكن. هناك أيضا قطعة مقتطعة من سجادة أوشاك ضخمة عرضها الفنان في بيته بصحبة قطع من فخار إزنيك إلى جانب جزء من سجادة من تبريز.
على حوائط منزل الفنان هوارد هودجكن... ألوان وخط عربي وسجاد
400 قطعة من مقتنيات الفنان البريطاني للبيع في مزاد لدار {سوذبي}
على حوائط منزل الفنان هوارد هودجكن... ألوان وخط عربي وسجاد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة