اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عصر أمس الجمعة، زيارة رسمية لليونان استمرت يومين، تلبية لدعوة من نظيره اليوناني بريكوبوس بافلوبلوس. وأكد ماكرون، خلال الزيارة، مواصلة جهود فرنسا لمساعدة اليونان في تعافيها من الأزمة المالية داخل منطقة اليورو، ووجه دعوة حماسية لإعادة بناء الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن أوروبا وحدها هي من لديها تقاليد في احترام حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية.
من جانبه، أعلن رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، أمس الجمعة، خلال اليوم الثاني من زيارة ماكرون إلى أثينا، أن الرئيس الفرنسي عبر عن رغبته بـ«تطوير الصلات الاقتصادية» مع اليونان، متحدثا عن فرصة للاستثمار «لا يجوز تفويتها». وقال تسيبراس إن بلاده «مستعدة ومصممة» على الخروج من برنامج الإنقاذ الدولي في أغسطس (آب) المقبل، وهو ما يضع نهاية لأعوام من الأزمة والشكوك.
ومن المنتظر أن ينتهي أجل ثالث حزمة إنقاذ مالي لليونان من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي في أغسطس 2018.
وقال تسيبراس، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي: «نحن مستعدون تماما ومصممون على المضي في هذا الاتجاه (تنفيذ الإصلاحات والخروج من الأزمة)، وأنا واثق بأن مقرضينا لديهم مثل هذا التوجه في تفادي الصعوبات والتأخيرات، إنه مهم ليس فقط لليونان، وإنما لأوروبا أيضاً... ستشكل نهاية الأزمة اليونانية علامة على عبور أوروبا إلى حقبة جديدة أقل ضبابية».
ويذكر أنه منذ أبريل (نيسان) 2010، تواجه اليونان أزمة اقتصادية تعرف باسم «الدين الحكومي اليوناني»، ورغم إقرار كل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي منذ 2010، ثلاث خطط متعاقبة لدعم اليونان ماليا، فإن الأزمة ما زالت مستمرة.
وعلى مستوى أكثر اتساعا، كان ماكرون أوضح خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس اليوناني، أن الحكومة اليونانية تحارب من أجل البقاء في منطقة اليورو رغم الضغوط التي تتعرض لها. وأضاف في هذا الإطار أن «فرنسا ستواصل الوقوف إلى جانبكم، والحكومة الفرنسية ووزرائي سيواصلون جهودهم من أجل الحفاظ على موقع اليونان في منطقة اليورو».
وأشار الرئيس الفرنسي إلى أن اليونان تمر بمرحلة صعبة، وشعبها يقدم تضحيات كبيرة، معربا عن ترحيبه بالإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة اليونانية، مشيرا إلى أن الأزمة الاقتصادية في اليونان ليست مشكلتها بمفردها، بل هي «فشل أوروبا بكاملها».
من جانبه، أكد الرئيس اليوناني أنه لا يمكن لمستقبل بلاده أن يكون خارج منطقة الاتحاد الأوروبي، وقال إن أثينا ستلتزم بمسؤولياتها في إطار حزمة الإنقاذ الاقتصادية. ودعا إلى ضرورة مناقشة محاور ثلاثة في أوروبا هي السياسة الداخلية، وتنمية أوروبا ومنطقة اليورو، والعدالة الاجتماعية للشعب الأوروبي عموما.
ومن الموقع نفسه الذي شهد ولادة مفهوم الديمقراطية في القرن الخامس قبل الميلاد وسط أثينا، طرح الرئيس الفرنسي ماكرون مشروعه الطموح من أجل «إعادة بناء أسس أوروبا» لتعزيز الديمقراطية فيها. ودعا الرئيس الفرنسي إلى «أوروبا منفتحة على المستقبل من خلال تطوير استراتيجية رقمية واستثمارية أكثر طموحا»، وأبدى تفاؤله بمستقبل اليونان، مؤكدا أنه لم يختر اليونان لتكون الدولة الأولى لزياراته الخارجية «بالمصادفة». وكان ماكرون قد استند في كلامه عن أوروبا، إلى رمزين في اليونان، مبنى الأكروبوليوس التاريخي وأزمة الديون.
وخلال كلمته التاريخية بجوار معبد الأكروبوليوس قال ماكرون، إن فقدان الاتحاد الأوروبي سيكون بمثابة «شكل من أشكال الانتحار السياسي والتاريخي»، معتبرا أن أوروبا قوية فقط ويمكنها حماية مواطنيها من التهديدات العابرة للحدود مثل التغير المناخي والإرهاب. لكنه أشار إلى أن أوروبا وحدها من لديها تقاليد في احترام حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتساءل الرئيس الفرنسي: «هل هناك قارة أخرى لديها مثل هذا الارتباط بالحرية والديمقراطية؟».
وشدد ماكرون على الحاجة إلى أوروبا أكثر من أي وقت مضى، مضيفا أن «أوروبا هي خيارنا الوحيد. إذا واصلنا إغفال أعيننا عن المشكلات، فسنكون الجيل المسؤول عن انتحار أوروبا»، وقال في خطابه: «ماذا فعلنا بديمقراطيتنا، ماذا فعلنا بسيادتنا؟ اليوم السيادة والديمقراطية والثقة في خطر». وأضاف: «أريد أن نستعيد جماعيا القوة لإعادة تأسيس أوروبا بدءا بدراسة نقدية بلا أي تنازلات، لهذه السنوات الأخيرة... أوحينا للجميع بأنه يمكننا العيش في أثينا كما في برلين. وهذا ليس صحيحا، الشعب اليوناني هو الذي دفع الثمن».
ومن بين الإصلاحات التي سوف يقترحها الرئيس الفرنسي بحلول نهاية العام، دعم «هذا الطموح الجنوني المتمثل في رغبة أوروبا في تبني ميزانية لمنطقة اليورو وبرلمان لها، وترشيح لوائح عابرة للحدود» للانتخابات الأوروبية المقبلة التي ستجرى في 2019، وما زالت ملامح هذا «النقاش التشاوري» غير واضحة، لكن «ماكرون ينوي عرضه على شركائه الأوروبيين في الأسابيع المقبلة» بعد الانتخابات التشريعية الألمانية التي ستجرى في 24 سبتمبر (أيلول) الجاري.
وقبل ساعات من هذا الخطاب، عبّر ماكرون عن موقف فريد بانتقاده اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لخطة إنقاذ اليونان، معبرا عن أسفه «لغياب الثقة» المتبادل بين الأوروبيين الذي أدى إلى طلب المساعدة من مؤسسة نقدية.
وعبر ماكرون عن الأمل في ألا يضيف صندوق النقد الدولي «شروطا إضافية» على برنامج إصلاحات اليونان الذي ينتهي في أغسطس 2018. وتحدث ببعض السخرية عن «الطابع المزاجي في بعض الأحيان» للنقاشات بين التكنوقراط حول هذا البلد.
وكانت السلطات اليونانية حظرت المظاهرات أثناء زيارة الرئيس الفرنسي في أنحاء واسعة من العاصمة أثينا، وحشدت أكثر من ألفي شرطي وضعفهم كان موجودا على أهبة الاستعداد للمشاركة إذا احتاج الأمر ذلك.
اليونان تتعهد الخروج من أزمتها المالية الصيف المقبل
ماكرون يؤكد دعم أثينا ويدعو لإعادة بناء الاتحاد الأوروبي
اليونان تتعهد الخروج من أزمتها المالية الصيف المقبل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة