Ivan‪’‬s Childhood طفولة إيفان (1962) فاز بذهبية فينيسيا قبل 55 سنة

سنوات السينما

طفولة إيفان
طفولة إيفان
TT

Ivan‪’‬s Childhood طفولة إيفان (1962) فاز بذهبية فينيسيا قبل 55 سنة

طفولة إيفان
طفولة إيفان

بدأ المخرج أندريه تاركوفسكي أعماله السينمائية بهذا الفيلم، «طفولة إيفان»، وهو لم يكن من اختياره مباشرة بل كان من المفترض بالمخرج إدوارد أبالوف تحقيقه لكنه انسحب. ‬
أمسك تاركوفسكي بالرواية ومنحها الكثير من خصوصيّته. هكذا من البداية نجد أن معالم السينما الخاصة لتاركوفسكي موجودة، وأهمية ذلك تعود إلى أنها ترسم صورة حقيقية عن الفنان ممسكاً برؤيته ومختاراً عناصرها البصرية بكل عناية. لا. ليس البصرية فقط، بل أيضاً المنتسبة إلى الموضوع.
انصب اهتمام المخرج في «طفولة إيفان» الصبي إيفان، فبن الرابعة عشر من العمر، الذي تصبح الحرب مأواه وتترك علاماتها القاسية على طفولته٠
يفتح الفيلم بفلاشباك حيث إيفان لا يزال في الثانية عشرة في أوكرانيا. نحن في «فلاش باك» موحٍ وسعيد بحياة مضت. حلم يعاود إيفان بعد سنتين. هناك رصاصة تطلق وإيفان يصحو على واقع جديد.
بهذه النقلة، تركنا عالماً لم يكتمل، ودخلنا إلى عالم آخر لا نعرف عنه شيئاً. الفلاشباك الذي نراه هو حلم إيفان. إنه الصبي الذي كان يسترجع ماضيه حلماً. في العادة نحلم بحياتنا السابقة صغاراً ونحن مستيقظون.
نحن الآن في رحى الحرب العالمية الثانية. إيفان عين جاسوسية روسية في الخطوط الألمانية لصغر سنّه ولمعرفته بالمنطقة الحرشية التي تقع فيها الأحداث. لا يستطيع العودة إلى موقع رئيسه المباشر كاتاسونيتش، فيغيّر من خطّته ويصل إلى موقع روسي آخر يشرف عليه الضابط غالتسيف (إيفيني زاريكوف) الذي يقرر إرسال إيفان للمدرسة العسكرية بعيداً عن خطوط القتال. قبل أن يفعل ذلك تعزم القيادة إسناد مهمّة أخيرة لإيفان يسردها المخرج بعناية، فهو لا يريد سرد فيلم بطولات يسر خاطر السلطات الروسية، بل حكاية عما قد تفعله الحرب في النفوس.
عالم إيفان نفسه هو المحور وعلاقته بثلاثة مذاهب من التفكير بين ثلاثة قياديين في حياته (المسؤول الأول عنه، الضابط ومسؤول الضابط) وعن كيف يصبح هذا المحور موضع نقاش تفرضه الحاجة إلى إيفان جندياً في مقابل رغبة الضابط إبعاده تماماً عن الجبهة. إنه إيفان الذي يصر على البقاء كما لو أنه قبول بالمستقبل الداكن الذي سنكتشف لاحقاً بأنه ينتظره. تلك المهمّة الأخيرة تضمّه وضابطه وآمر الفرقة في رحلة إلى الشاطئ الآخر من نهر دنيستر حيث تكمن القوّات الألمانية. الغاية منها العودة بجثّتي جنديين روسيين تم شنقهما. الضابط وآمره يعودان من المهمّة سالمين. إيفان لا يعود، ولاحقاً ما تكشف أوراق وجدها الضابط أن إيفان مات مشنوقاً.‬
نهاية الفيلم هي حلم آخر لإيفان نراه يلعب مع فتاة من عمره. إنه تكملة لحلمه السابق الذي استيقظ منه. هذه المرّة لا يقظة من الحلم٠
النظرة التي يرسمها الفيلم هنا ذات وجهين: حانية وإنسانية من ناحية وداكنة ومفرّغة من الإنسانية تماماً من ناحية أخرى والناحيتين لا فصل بينهما يظهرهما المخرج واحداً. الفيلم ليس عن طفولة إيفان التي ضاعت فقط، بل عن مستقبله الذي ضاع أيضاً وقبل أن يبدأ.
هذا من أقل أفلام تاركوفسكي غموضاً، أدواته المستخدمة في سرد القصّة بسيطة. مفهومة ومقروءة من دون أن يكون الانتقال منها إلى صرح أعماله الأخرى انقلاباً بحد ذاته أو تغيير سلوك ومنهج بصري.
سيشكّل هذا الفيلم مستقبل تاركوفسكي نفسه: الطبيعة الموحشة في هذا الفيلم في المكان الأول هي الوعاء الذي تعيش فيه الشخصيات. أفلام تاركوفسكي جميعاً ستحتفي بالمكان على نحو خاص - حتى ذاك الذي في فيلمه الخيال - العلمي «سولاريس». ستحتفي بالماء وتطرح أسئلة أخلاقية حول الحياة وكيف نعيشها والأحلام وكيف نجهضها، وهذا كله في هذا الفيلم البديع.


مقالات ذات صلة

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.