سانتوريني... جنة معلقة تهمس في أذن البركان

جزيرة يونانية تعزف على أوتار الرومانسية

روعة الغروب في سانتوريني
روعة الغروب في سانتوريني
TT

سانتوريني... جنة معلقة تهمس في أذن البركان

روعة الغروب في سانتوريني
روعة الغروب في سانتوريني

سانتوريني الفاتنة مختلفة وفريدة ولا يجوز مقارنتها بأي جزيرة يونانية أخرى ولا يمكن حتى مقارنتها بأي مكان آخر على الأرض، أو حتى على سطح الماء.
انفجار بركاني له الفضل الأكبر في التحكم بجغرافيتها الحالية، إنها جزيرة، لكن شهرتها لا ترتكز كباقي جزر العالم على الشواطئ الخلابة؛ لأنها فريدة من نوعها وليست في حاجة إلى جذب السياح والزوار من اليونان وخارجها للتمدد على شواطئ رملية لأنها تقدم أكثر بكثير من مجرد رمال وجلسات بمحاذاة الشاطئ... إنها باختصار سانتوريني الجنة البيضاء المعلقة كحبات من اللؤلؤ على سفوح الجرف الأسود البركاني، وهي أجمل جزر اليونان وأجمل جزيرة في العالم لعام 2015 بحسب اختيار السياح.
فيرا Thira أو إيا Oia؟ هذا أول سؤال ستطرحه على نفسك عندما تقرر الذهاب إلى سانتوريني الواقعة في الوسط البركاني الحي والأكثر حركة في جنوب في بحر إيجه.
والسبب وراء هذا السؤال هو أن جزيرة سانتوريني تضم مدينتين فيهما أجمل الفنادق ويبقى الخيار لك، فبعد قراءة تقارير عدة عن الجزيرة، وآراء عدة لسياح قاموا بزيارة الجزيرة على مواقع سياحية موثوقة مثل «تريب أدفايزر» حطت رحالي في «إيا» التي تكتب «أويا» Oia ولسبب أجهله قرر إخواننا اليونانيون بلفظها «إيا» مع كسر الألف.
والآن وبعد زيارة سانتوريني يمكنني أن أشرح لكم الفرق ما بين «إيا» و«فيرا» ولكم الخيار.
«فيرا» وتكتب «Thira» هي الأقرب إلى مطار سانتوريني وهي القسم الشعبوي في الجزيرة، ولو أن الجزيرة كلها أنيقة وراقية وتجذب الطبقات المتوسطة والعالية من السياح، إلا أن «فيرا» تختلف عن «إيا» من حيث البوتيكات وما يعرض بها، فهي سياحية أكثر، على عكس «إيا» التي تنتشر فيها البوتيكات التي تبيع الماركات العالمية والمحال الصغيرة التي تبيع التحف والأثريات والمعروضات الفنية، إضافة إلى انتشار المحال التي تبيع الملبوسات التي تحمل توقيع مصممي أزياء يونانيين.
- سانتوريني والنظرة الأولى
رحلتي بدأت من لندن، ولحسن الحظ فهناك أكثر من شركة طيران محلية تسيّر رحلات مباشرة من العاصمة البريطانية إلى سانتوريني، لكن في حال كانت نقطة انطلاقك من مدينة أخرى فيمكنك السفر إلى أثينا ومنها إلى سانتوريني عن طريق شركات طيران اقتصادية، ولا تزيد الرحلة على 45 دقيقة جوا، وما بين 5 و8 ساعات بحرا.
بعد أقل من أربع ساعات من الطيران وصلت الطائرة إلى سانتوريني؛ فأثناء الهبوط تشعر وكأن الطائرة على وشك لمس الجرف القريب والجبال الصخرية الصغيرة... مطار صغير جدا، وإجراءات أمنية شبه معدومة على طريقة الدول المتوسطية.
سيارات الأجرة متواجدة عند المدخل، والرحلة من وإلى المطار لها تسعيرة خاصة، فاستغرقت المسافة نحو عشرين دقيقة إلى «إيا» بتلكفة 35 يورو.
ملاحظة: خدمة «أوبر» غير متوافرة على الجزيرة، لكن التنقل سهل بالحافلات أو سيارة الأجرة.
سانتوريني التي نراها في الصور التي تختصر بتلك البيوت البيضاء على سفح الجبال السوداء وزرقة البحر لن تراها عند وصولك ولا حتى في طريقك إلى «إيا»؛ لأن طبيعة الجزيرة جافة ويطغى عليها اللون الداكن البركاني وتعتمد اقتصاديا على السياحة وزراعة الطماطم والعنب.
فلا تقلق؛ لأنه بمجرد وصولك إلى مدخل المنطقة سوف يتحقق حلمك وسيصبح حقيقة؛ لأن سانتوريني السياحية هي بالفعل كما تراها بالصور وفي الإعلانات.
- الإقامة
بعد أن تكون قد اخترت مكان إقامتك سوف تقف عاجزا أمام الكم الهائل للفنادق المحفورة في الجبال، والتي تشبه بعضها بعضا، لكن الأسعار تختلف، وهذا يعني شيئا واحدا هو حجم الغرفة أو الجناح؛ لأن جميع الفنادق مهما كانت ميزانيتها تطل على المشهد الساحر نفسه، وعلى روعة الجزيرة، لكن الاختلاف يكون في حجم بركة السباحة أو بركة الجاكوزي.
وقع خيارنا على فندق «بيريفولاس» Perivolas الواقع عند مدخل «إيا»، تقف سيارة الأجرة عند أعلاه، وعبر ممر بأرضية من الحجر الأسود وأسوار بيضاء تصل إلى الغرف والأجنحة المحفورة في الجبل على شكل كهوف، وجميعها تضم بركة جاكوزي خاصة أو بركة سباحة، أو الاثنتين معا.
بيريفولاس يضم 21 غرفة وجناحا، وهو من بين أجمل أماكن الإقامة في «إيا»، ويبقى الجناح رقم 20 هو الأجمل لأنه يضم غرفتين وغرفة معيشة كبيرة الحجم وجاكوزي في الداخل، إضافة إلى بركة سباحة خاصة في الخارج تطل على أجمل المناظر الطبيعية التي تهمس في أذن البركان في الجهة المقابلة.
يوجد في الفندق بركة سباحة عامة للنزلاء وتحيط بها الطاولات التي يمكنك أن تتناول عليها الفطور اليوناني في الصباح، وفترة الليل تتحول المساحة المحيطة بالبركة إلى مطعم رومانسي مطل على أجمل غروب شمس.
اللافت في فنادق سانتوريني أنها جميعها محفورة في الصخر، وحتى الأسرة محفورة بالحجر، في بيريفولاس يطغي اللون الأبيض على كل شيء في الداخل، أما الإكسسوارات فهي تعتمد على اللون الزهري الغامق مما يعطي رونقا رائعا.
في الجناح رقم 20 الأرضية من الحجر الطبيعي الداكن، الجدران بيضاء مع فتحة في السقف يتسلل منها الضوء الطبيعي، وسرير في الغرفة الأخرى يطل على بركة السباحة التي منها ترى أجمل منظر قد تراه عيناك في حياتك.
يوجد بالفندق أيضا مركز صحي «سبا» يقدم علاجات عدة.
- نشاطات
عندما تصل إلى سانتوريني ستشعر وكأن الزمن توقف بهذه البقعة من الأرض، وهناك سبب وجيه لذلك؛ لأن الجزيرة تعرضت لانفجار بركاني أدى إلى حالها الجغرافي اليوم؛ مما أدى إلى انفصالها ليتكون اليوم ما يعرف بالـ«كالديرا» واستفاد أهالي الجزيرة من لعنة البركان التي تحولت إلى جاذب سياحي يقصده الزوار من كل بقاع العالم. ومن أهم ما يمكن أن تفعله في سانتوريني هو الالتحاق بإحدى الرحلات البحرية التي تنظمها شركات عدة، من بينها «سان سيت إيا» Sunset Oia، يمكنك حجز الرحلة على الشبكة الإلكترونية، لكن أنصحك بحجزها مباشرة عند الوصول من خلال الفندق أو الشركة حتى تتمكن من حجز الرحلة المناسبة لك.
اخترنا «Voyager 74» وهو مركز شراعي يتسع لنحو أربعين شخصا، وهنا أنصحك بحجز رحلة الغروب وليس رحلة الصباح؛ لأن أجمل ما يمكن أن تشاهده في سانتوريني هو منظر الشمس وهي تودع الجزيرة، فتنطلق الرحلة من منطقة «أمودي» عند نحو الساعة الثالثة بعد الظهر وتستمر على مدى أكثر من خمس ساعات، وتشمل الرحلة التي تبلغ كلفتها 95 يورو للشخص الواحد غداء على متن المركب على طريقة الباربكيو ومشروب مفتوح، وهناك ثلاث محطات من بينها السباحة عند قدم البركان والغطس في وسط البحر، وهذا أجمل ما يمكن أن تفعله، فبواسطة القناع الذي يقدمه الملاحون يمكن رؤية أرضية البركان تحتك، وهذا المنظر مريب جدا، وبخاصة عندما تفكر في أن هذا البركان حي، وقد يتحرك في أي لحظة من اللحظات، فآخر مرة انفجر فيها البركان في سانتوريني كان في عام 1965؛ مما جعل منطقتي «فيرا» و«إيا» على نفس المستوى.
ومن النشاطات الجميلة، المشي عند غروب الشمس عند الجرف المعروف باسم «كالديرا» والممتد على طول 9 كيلومترات تنطلق من بيريسا Perissa وتنتهي في كاماري Kamari، المشهد رائع لا تفوته.
في المساء اذهب إلى منطقة «فيرا»؛ فهي نابضة بالحياة، وفيها الكثير من المحال التجارية المحلية الأرخص سعرا بالمقارنة مع محال «إيا»؛ فجميعها يفتح حتى منتصف الليل، وتختلف عن «إيا» من حيث طابعها السياحي، لكن تذكر بأن الحذاء المريح هو أهم ما يمكن أن تصطحبه معك في هذه الرحلة تحديدا خلال زيارتك لـ«فيرا» لأن أرضية ممراتها من الحجر غير متساوي الحجم والشكل، كما أن سانتوريني بشكل عام ليست مناسبة للمعوقين جسديا؛ لأن المشي فيها ضروري ويتعين على الزائر تسلق السلالم أينما كان حتى في الفندق.
ومن المشاوير الجميلة، المشي في منطقة «إيا» إلى آخر نقطة فيها، وعبر السلالم تصل إلى نقطة رائعة مخصصة لالتقاط الصور، فالجبال يكللها البياض، ليس بياض الثلج وإنما لون البيوت الجميلة المحفورة فيها وعلى سفوحها، المشهد أشبه بالأعجوبة، وفعلا لا يمكن مقارنة سانتوريني بأي مكان آخر في العالم، وهذا ما جعلها وجهة الرومانسية الأولى والوجهة المفضلة لقضاء شهر العسل وإقامة الأعراس.
ولمحبي المتاحف، يمكنهم زيارة متحف «فيرا» الذي يعرض جداريات من العصر المينوي، وهذا المتحف مخصص للمعروضات التي تم إنقاذها بعدما تعرضت الجزيرة لثورة البركان.
وإذا كنت من محبي الشواطئ، لن أكذب عليك وأوهمك بأنك ستجد شواطئ الباهاماس والمالديف بانتظارك، فيجب أن تتذكر بأنك على أرض بركانية، وسانتوريني ليست وجهة الباحثين عن الشواطئ، ولو أن بحرها المتوسطي رائع للسباحة ونظيف ودافئ، إلا أن الشواطئ ليست جذابة، لكن توجد بعض الشواطئ التي تكسوها الرمال السوداء أو الحمراء البركانية، من بينها: بيريفولاس وفليهادا وبيريسا وكاماري (شواطئ برمال سوداء) وشاطئ بالقرب من أكاتوري (رماله حمراء).
- الأكل
في اليونان لن تشعر بالجوع؛ لأن مهرجان الأكل اليوناني يبدأ من فترة الفطور، فالفطور اليوناني ضروري وهو يحتوي على جبن الفيتا في كل الأطباق (العجة، البيض المقلي، السلطة، الفطائر...)، وهناك عدد هائل من المطاعم لا يمكن أن نحصيها كلها، وجميعها يطل على البحر والبركان. وعند آخر نقطة من «إيا» تصل إلى منطقة تعرف باسم Amoudi وفيها تنتشر مطاعم السمك بمحاذاة البحر مباشرة، يمكن الوصول إليها عن طريق المشي أو السيارة، لكن العودة لا بد أن تكون على ظهر الحمار؛ لأن الصعود إلى أعلى الجبل متعب.
جربنا مطعم «أمودي» وتذوقنا ألذ طبق سمك مشوي وأخطبوط بالليمون، تختار السمك بنفسك وتختار أيضا طريقة الطهي.
من الأفضل تناول الطعام في أحد مطاعم أمودي بعد الخامسة بعد الظهر؛ لأن منظر الغروب رائع ولا يفوت.
ومن الأماكن الجميلة Terpsi N Oai فيفتح حتى ساعة متأخرة من الليل، وخدمته ممتازة ومن الممكن تحضير الأطباق حتى ولو لم تكن موجودة على اللائحة.
وأجمل زيارة قد تكون إلى بساتين العنب في «دومين سيغالاس» Domaine Sigalas وهذا المكان رائع يبعد نحو خمس دقائق بالسيارة عن وسط «إيا»، وفيه تزور مزارع العنب وتتذوق المأكولات اليونانية مثل الدولما الطازجة والمأكولات البحرية، وهناك شرفة جميلة تطل على البساتين وتشهد على غروب الشمس وأنت ترتشف القهوة اليونانية أو «التركية»، ولو أن هذه التسمية ليست مستحبة في اليونان.
ولمحبي الأجواء الموسيقية الكلاسيكية أنصحهم بزيارة «فرانكوز بار» Franco’s Bar في منطقة «فيرا»، وفيه جلسات أشبه بكراسي البحر، ترتشف فيه العصير على أنغام بيتهوفن وعلى منظر البركان.
- أفضل وقت لزيارة سانتوريني
الموسم السياحي في سانتوريني يمتد ما بين نهاية الربيع حتى نهاية الصيف وأفضل وقت للزيارة يكون ما بين مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول) ففي نهاية الموسم تنخفض أسعار الفنادق، لكن يجب التنبه إلى أنه بعد ثالث أسبوع من سبتمبر (أيلول) تقفل الكثير من النشاطات المائية، لكن تبقى سانتوريني جميلة ومناسبة للباحثين عن الروعة والهدوء والرقي.
- قبل الإقلاع
عند مغادرتك سانتوريني ستشعر بالحزن؛ فهذه الجزيرة ساحرة حرفيا، ولا يمكن أن يمر بها السائح مرور الكرام، فهي تبقى محفورة بالذاكرة؛ لأنها لا تشبه سواها، فسحرها يكمن في هدوئها الذي ينتظر ثورة البركان.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».