«لقاءات قريبة من النوع الثالث»
Close Encounters of the Third Kind
(1977)
إذ تنطلق عروض هذا الفيلم في السابع من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل لتواكب مناسبة مرور 40 سنة على إنتاجه، وذلك في صالات ومدن محددة حول العالم، يمكن لهواة أفلام المخرج - المنتج ستيفن سبيلبرغ استعادة الفترة التي بدأ فيها سبيلبرغ كما لو كان إضافة حقيقية إلى أسطول هوليوود من المبدعين.
في تلك المرحلة، كان المخرج قد حقق فيلمين من قبل (لجانب أفلامه المنتجة تلفزيونياً وإن عرضت خارج أميركا في صالات السينما كما حال Duel سنة 1971) هما «ذا شوغرلاند إكسبرس» (1974) وJaws الذي أسس النجاح الجماهيري الكبير لسبيلبرغ (1975). وهو سوف يعود إلى الخيال - العلمي بعد خمس سنوات ليقدم «إي تي» بالمعالجة الخفيفة نفسها. بينهما فشله الأول للاستعارة من الحرب العالمية الثانية كوميديا هازلة بعنوان «1941» (أنجزها سنة 1979).
مثل «ذا شوغرلاند إكسبرس» وما سمي عندنا بـ«الفك المفترس» (Jaws) هناك لب اجتماعي مهم في هذا الفيلم الذي كتبه سبيلبرغ بنفسه يقف خلف حكاية الرجل روي (رتشارد دريفوس) الذي ينفلت من عقال العائلة ويستجيب لدعاء خفي يدفعه للتوجه إلى جبل (اسمه «برج الشيطان») يقع في ولاية وايومنيغ، حيث ستحط مركبة فضائية تحمل مخلوقات تبحث عن لغة تواصل مع البشر. في فيلميه السابقين التوتر العائلي بين الأب والأم وارد كما هو الحال هنا عندما تستولي الفكرة على روي فتقرر زوجته مغادرة البيت مع أولادها الثلاثة. سوف يتعرف على أرملة (ميليندا ديلون) وإبنها النابغة وسيشتركان في الهوس الناتج من تلك الرؤى التي يدركان خلالها أنهما «مُـختاران» للتوجه إلى ذلك الجبل، حيث سيحط الغرباء عن الأرض.
آنذاك، وحتى سنوات كثيرة لاحقة، عالج سبيلبرغ أفلامه الترفيهية، كهذا الفيلم، بإيقاع سريع يكاد لا يتوقف. هنا لا يرتاح الفيلم عن اللهاث منذ أن نلتقي بروي. في أقل من نصف ساعة يكون روي قد شهد أول لقاء محتمل بينه وبين مركبة فضائية حرقت أشعتها نصف وجهه، عاد إلى البيت وأخذ يبني نموذج الجبل الذي سيذهب إليه. ترك زوجته وأولاده. انتقل من ولاية إلى أخرى سعياً وراء تجسيد ما تراءى له. تعرف إلى امرأة تشاركه الوسواس وأفلت من طوق ضربه الأمن حول منطقة الهبوط، وكان من «المختارين» الذين قدر لهم التمتع بتلك الرؤى واللقاء بالوافدين.
المشاكل تتراكم نوعياً مع تقدم الفيلم وتنبثق عن مخلوقات تتواصل مع أهل الأرض بالموسيقى وأحد العلماء الآدميين (قام به المخرج الفرنسي فرنسوا تروفو) يقود هذا التواصل بالأنغام. هذا مسل وقد يكون مثيراً، لكن إذا كان من غير المطلوب أن يكون لمخلوقات الفضاء شخصيات مدروسة، فإن مخلوقات الأرض عليها أن تعكس شيئا ما حول نفسها لكي تستقطب الإعجاب. في تلك السرعة التي ينجز بها المخرج انتقال روي من مجرد إنسان عادي إلى إنسان مُـختار منذ أن تحوم فوقه مركبة توعز له بذلك، استغناء غير محمود عن عمق تلك الشخصية المفترض. لذلك؛ يبقى روي خيالاً جانحاً وغير قابل للتصديق أو المؤازرة.
نعم، هو فيلم مسل حتى اليوم، لكن هذا الوضع ذاته هو ما جعل الفيلم ذكرى بأسرع من سنوات الضوء. هناك من وجد فيه علامات ورموز يهودية وماسونية، وهو أمر محتمل، ولو أنني لن أخوض فيما لا علم لي فيه. لكن الإيحاءات واضحة والعلاقة بين أهل الأرض ومفهوم ديني مبني في الفيلم منذ مشاهده التمهيدية الأولى.