حتى عصر أمس، لم تكشف السلطات الأمنية في مدينة مرسيليا هوية الشخص الذي اقتحم بحافلته الصغيرة موقفين للحافلات «الباصات» في المدينة المتوسطية فأجهز على امرأة في الأربعينات من عمرها وأصاب رجلا بجروح خطيرة.
ونجح الرجل البالغ من العمر 35 عاما في الوصول بحافلته المسروقة إلى المرفأ القديم للمدينة الذي يبعد نحو 9 كلم عن موقع الحافلات الثاني والذي يعتبر نقطة الجذب السياحية الرئيسية لمرسيليا. وعلى أحد مداخل هذا الحي المكتظ بالناس، نجحت شرطة مرسيليا في إلقاء القبض عليه. من يعرف المدية المتوسطية التي اختارها الرئيس إيمانويل ماكرون وزوجته وجهة لقضاء عطلتهما الصيفية، يعي تماما أن مرسيليا نجت من مقتلة كبيرة ربما وصلت إلى ما عرفته مدينة نيس في يوليو (تموز) من العام الماضي. فالمرفأ القديم محاط بالمقاهي والمطاعم كما أنه المنطلق للبواخر السياحية التي تجول على الجزر القريبة من المدينة وعلى خلجانها الصغيرة والقرى المنثورة بعيدا عن ضوضاء المدينة. لكن سرعة الشرطة في توقيف هذا الرجل أنقذ مرسيليا من مقتلة جديدة عن طريق الدهس وهي الطريقة البدائية للأعمال الإرهابية التي أصبحت رائجة بشكل يثير قلق السلطات الأمنية لعجزها عن منع وقوعها. وما شهدته مدينة برشلونة ومنتجع كامبريلس ليل الخميس الماضي كاد أن يتكرر أمس في مرسيليا.
لكن الفرق بين الحادثين ليس فقط في أعداد الضحايا بل خصوصا في «طبيعة» العمل الإرهابي. ذلك أن مرتكب اعتداء مرسيليا، على ضوء المعلومات المتوافرة للأجهزة الأمنية والنيابة العامة، لا يملك «بروفايل» الإرهابي رغم أنه كان معروفا لدى الشرطة لمجموعة من الجنح كتهريب المخدرات وامتلاك أسلحة نارية غير مرخص لها والتهجم على رجال الأمن، لكن الأهم من ذلك وهو الحجة التي استند إليها مدعي عام مدينة مرسيليا لاستبعاد العمل الإرهابي هو أن الشرطة وجدت بحوزة الرجل المعني رسالة صادرة عن مصح للطب النفسي ما يعزز فرضية الرجل المختل عقليا أو المريض نفسيا.
وقال كزافيه تارابو أمس للصحافة إن «التحقيق يتجه إلى فرضية الاضطراب النفسي» مضيفا أنه «ليس هناك أي شيء يسمح حاليا بوصف هذا العمل بأنه عمل إرهابي». وأشار المدعي العام إلى أن الشرطة عثرت «مع سائق السيارة» على رسالة على صلة بمستشفى للطب النفسي، ونتجه إلى هذه الفرضية. وأفادت معلومات أمنية بأن اسم الجاني غير موجود على لوائح الأشخاص الراديكاليين الذين يشكلون خطرا على الأمن العام. وتأتي عملية الدهس الجديدة بعد أيام قليلة على عملية قام بها رجل جزائري الأصل في مدينة لوفالوا ــ بيريه الواقعة على مدخل باريس الغربي استهدف خلالها مجموعة من الجنود المكلفين السهر على أمن المنشآت الحساسة والأماكن العامة في إطار عملية «سانتينيل». وأسفرت العملية عن جرح ستة عسكريين. وحتى تاريخه لم يتوصل التحقيق إلى إقامة الرابط بين الجاني وبين تنظيمات إرهابية كداعش أو النصرة.
كان صباح أمس يشي بيوم مشمس جميل في المدينة الساحلية التي تستقطب سنويا مئات الآلاف من السائحين والزوار. ولم تكن الساعة قد تجاوزت السابعة والنصف «بالتوقيت المحلي» عندما انقض سائق حافلة صغيرة من طراو «رينو ماستر» على موقف للحافلات في الدائرة الثالثة عشرة من المدينة حيث أصيب رجل بجروح بالغة. واتجه السائق عقب ذلك نحو الدائرة الحادية عشرة «وهما بعيدتان عن مركز المدينة» وهناك انقض مجددا، وفق شهود عيان، على موقف آخر فدهس امرأة كانت تنتظر وحدها مرور الباص فدهسها بعنف ما أدى إلى مقتلها. وقال شاهد عيان إن الحافلة الصغيرة انطلقت بعد حادثة الدهس «الثانية» بسرعة فائقة.
بيد أن أحد المشاة نجح في تسجيل رقم لوحتها المعدنية الذي نقل للشرطة. وبفضل كاميرات المراقبة المنتشرة في المدينة، تم تتبع الحافلة وإيقافها والقبض على سائقها قريبا من المرفأ القديم. وعمدت الأجهزة الأمنية إلى فرض طوق على المرفأ القديم وطلبت من المصطافين والمواطنين الابتعاد عن المنطقة لإجراء التحريات اللازمة حول السيارة والتأكد من خلوها من المتفجرات. وأضافت مصادر الشرطة أن الرجل المعني لم يكن مسلحا. وأفاد شاهد عيان رأى مباشرة طريقة توقيفه بأن شرطيا بلباس مدنية كان يحمل رشاشا هو من أوقف الجاني وأمره بالخروج من السيارة وأن الأخير تردد نحو ثلاث دقائق قبل أن ينصاع. وبحسب تقارير صحافية، فإن الجاني ليس من سكان مدينة مرسيليا.
حتى أمس، بقيت مرسيليا بمنأى عن العمليات الإرهابية ولكن ليس بمنأى عن العنف. ذلك أنها تعاني من عنف مهربي ومروجي المخدرات ومن عمليات تصفية الحسابات الدائمة بين العصابات التي تتنافس على السيطرة على هذه التجارة الرائجة. ففي العام 2016 وحده، شهدت المدينة سقوط 34 قتيلا في شوارعها بينهم 29 ضحية بسبب المتاجرة بالمخدرات.
ومن جانب آخر، تعيش في المدينة جاليات مهاجرة كثيرة العدد في أحيائها الشمالية وغالبيتهم من شمال أفريقيا ومن أفريقيا السوداء. وتعاني هذه المناطق من العنف «اليومي» الأمر الذي يسمم أجواء المدينة ويوفر لليمين المتطرف مادة لإيديولوجيته العنصرية ولعدائه للإسلام والمسلمين. ورغم استبعاد العمل الإرهابي فإن الحادث حظي بمتابعة سياسية وإعلامية واسعة بسبب الأجواء العامة المخيمة على فرنسا والتي سقط فيها 239 قتيلا ومئات الجرحى بسبب الأعمال الإرهابية منذ مطلع عام 2015 وبعد عودة البرلمان لممارسة مهامه التشريعية في الأسابيع القليلة المقبلة، فإنه سيبدأ بمناقشة مشروع قانون خاص بتعزيز صلاحيات الأجهزة الأمنية على المستويات كافة تمهيدا لخروج فرنسا من حالة الطوارئ التي مدد العمل بها حتى الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفرضت حالة الطوارئ على البلاد منذ نحو العامين وتم تمديدها ست مرات. وسبق للرئيس فرنسوا هولاند أن أعلن الصيف الماضي رغبته في وضع حد لها إلا أن عملية نيس الإرهابية أثنته عن تنفيذ وعده.
عمليتا دهس جديدتان في مرسيليا والادعاء يستبعد عملاً إرهابياً
القبض على الجاني عن مدخل المرفأ القديم ونجاة المدينة المتوسطية من مقتلة واسعة
عمليتا دهس جديدتان في مرسيليا والادعاء يستبعد عملاً إرهابياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة