فقاعة الدوري الإنجليزي تواصل النمو وعلاجها بات صعباً

إنفاق الأندية ببذخ على التعاقد مع المدافعين في مركز الظهير خلال الصيف الحالي يعكس القدرة المالية المتنامية للأندية، ويأتي نتيجةً مباشرة لنجاح أنطونيو كونتي التكتيكي مع تشيلسي الموسم الماضي، وسيكون من الرائع أن نرى كيف ستتعامل الأندية المنافسة مع هذا الأمر.
ويبدو أن هذا هو عصر «المدافعين في مركز الظهير» في عالم كرة القدم، بعدما كان الجميع يسخر من اللاعبين الذين يلعبون في هذا المركز، ويقولون إنهم لا يملكون حتى القدرات الدفاعية التي تؤهلهم للعب في مركز قلب الدفاع ولا يملكون القدرات الفنية التي تؤهلهم للعب في خط الوسط. وعن ذلك يقول مدافع ليفربول الدولي السابق والناقد الكروي حاليا جيمي كاراغر: «لا يوجد لاعب ناشئ يريد أن يصبح مثل المدافع غاري نيفيل»، لكن الصيف الحالي شهد إنفاق الأندية لمبالغ طائلة على التعاقد مع مدافعين في مركز الظهير.
وجاء نادي مانشستر سيتي في الصدارة بعدما تعاقد مع ظهير توتنهام الأيمن كايل ووكر، وجعله أغلى لاعب في التاريخ مقابل 50 مليون جنيه إسترليني، ثم تعاقد مع احتياطي له هو الظهير الأيمن في ريال مدريد البرازيلي دانيلو مقابل 26.5 مليون جنيه إسترليني، قبل أن يكسر الرقم القياسي لأغلى لاعب مرة أخرى ويحصل على خدمات الظهير الأيسر في موناكو البرازيلي بنجامين ميندي مقابل 52 مليون جنيه إسترليني.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على أندية الدوري الإنجليزي الممتاز فحسب، إذ أنفق برشلونة وريال مدريد أكثر من 26 مليون جنيه إسترليني على المدافعين في مركز الظهير، كما تعاقد ميلان الإيطالي مع مدافعين اثنين في مركز الظهير مقابل نحو 50 مليون جنيه إسترليني. لكن هذه الظاهرة تتركز في مانشستر سيتي، الذي قرر مديره الفني جوسيب غوارديولا عدم الاعتماد على مدافعيه الأربعة في مركز الظهير الذين يصل عمر كل منهم إلى 30 عاماً تقريباً، وقرر التعاقد مع مدافعين جدد لترميم الخط الخلفي للفريق. ويأتي ما فعله مانشستر سيتي نتيجة مباشرة لثلاثة أشياء: أولا نجاح تشيلسي - بقيادة مديره الفني الإيطالي أنطونيو كونتي - في اللعب بثلاثة مدافعين فقط في الخط الخلفي الموسم الماضي، وثانياً إنفاق الأندية الإنجليزية لمبالغ مالية كبيرة على الصفقات الجديدة، وثالثاً شعور مانشستر سيتي بالإحباط بسبب النتائج المخيبة للآمال التي حققها الموسم الماضي.
لكن الحقيقة هي أن أسعار انتقالات اللاعبين بصفة عامة باتت مذهلة، إذ انتقل مهاجم إيفرتون البلجيكي روميلو لوكاكو لمانشستر يونايتد مقابل 75 مليون جنيه إسترليني، ومهاجم ريال مدريد الإسباني ألفارو موراتا إلى تشيلسي مقابل 58 مليون جنيه إسترليني، ومهاجم ليون الفرنسي ألكسندر لاكازيت إلى آرسنال مقابل 46 مليون جنيه إسترليني، ولاعب خط وسط موناكو البرتغالي برناردو سيلفا إلى مانشستر سيتي مقابل 43.6 مليون جنيه إسترليني، ولاعب خط وسط موناكو الفرنسي تيموي باكايوكو إلى تشيلسي مقابل 39.7 مليون جنيه إسترليني، وجناح روما المصري محمد صلاح لليفربول مقابل 36.9 مليون جنيه إسترليني، وحارس مرمى بنفيكا البرتغالي إيدرسون إلى مانشستر سيتي مقابل 34.9 مليون جنيه إسترليني وقلب الدفاع السويدي فيكتور لينديلوف من بنفيكا إلى مانشستر يونايتد مقابل 31 مليون جنيه إسترليني.
في الواقع، هذه أسعار غير منطقية وغير طبيعية ولا تتماشى مع عملية التضخم المعتادة، وكما قال مالك نادي توتنهام هوتسبير دانيال ليفي فإنها غير قابلة للاستمرار. لقد ارتفعت أسعار اللاعبين بشكل جنوني للدرجة التي جعلت حارس مرمى مثل جوردان بيكفورد البالغ من العمر 23 عاما ولم يشارك في أي مباراة دولية ولم يلعب سوى 31 مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز (وإن كان قد أدى بشكل رائع في معظمها) ينتقل من سندرلاند إلى إيفرتون مقابل 25 مليون جنيه إسترليني، دون أن يشعر كثيرون بالدهشة من ارتفاع قيمة الصفقة بهذا الشكل.
لقد أصبحت الأسعار غير مبررة وغير أخلاقية، وأصبح من المعتاد أن نسمع عن صفقات بـ30 و40 و50 مليون جنيه إسترليني. لكن السؤال الآن هو: هل هذه مجرد فقاعة سوف تنتهي قريباً؟ هل يأتي اليوم الذي نتساءل فيه كيف تم دفع 50 مليون جنيه إسترليني في لاعب مثل كايل ووكر، وكيف كنا نقوم بذلك، ثم تنهار سوق انتقالات اللاعبين، ويتحقق ما حذر منه ليفي وآرسين فينغر؟
وفي الحقيقة، ثمة أسباب تدعو للقلق، حيث غيرت شبكة «سكاي» قائمة قنواتها الرياضية بعد تدني أرقام المشاهدة الموسم الماضي، بسبب مشاهدة المباريات بطريقة غير مشروعة على مواقع إلكترونية، وهو ما يمثل مشكلة كبرى، للدرجة التي جعلت أكثر من نصف مَن شملهم استطلاع أجراه اتحاد أنصار كرة القدم في يوليو (تموز) الماضي يعترفون بأنهم يشاهدون المباريات على مواقع إلكترونية تذيع المباريات بطريقة غير قانونية، وكان عدد من يفعلون ذلك يفوق عدد مشتركي قناة «بي تي» الرياضية. ومع ذلك، من المتوقع أن تزيد عائدات البث التلفزيوني في الصفقة الجديدة التي تدخل حيز التنفيذ في موسم 2019 - 2020 عن عائدات البث التلفزيوني الحالية، ويعود السبب في ذلك إلى الزيادة الكبيرة في حقوق بث المباريات بالخارج.
ربما يكون لدينا مسابقة الدوري التي نستحقها الآن. وقد تميزت كرة القدم الإنجليزية في العشرينات من القرن الماضي بالابتكار والبراغماتية بعد أن أعطى تدفق الرياضيين لإنجلترا بعد الحرب العالمية الأولى فرصاً إدارية لفئة من الناس الذين كانوا قد استبعدوا من هذه المناصب، والذين كانوا يهتمون بتحقيق الفوز بصورة أكبر من اللعب بطريقة صحيحة، لأن ذلك هو ما يضمن لهم الدخل. وكانت النتيجة الاعتماد بصورة أكبر على مصيدة التسلل، وفي نهاية المطاف ونتيجة لذلك، حدث تغير تاريخي في قانون التسلل. أو ربما تكون هزيمة إنجلترا أمام المجر بستة أهداف مقابل ثلاثة عام 1953، ثم أزمة قناة السويس أو «العدوان الثلاثي» كما يُعرَف في العالم العربي بعد ثلاث سنوات، قد خلق شعورا بتدهور الإمبراطورية البريطانية وأدى إلى التأمل وانطلاق موجة من الإبداع في ستينات القرن الماضي طور خلالها المدير الفني الإنجليزي ألف رمزي طريقة 4 - 4 - 2 وفاز خلالها أيضاً المنتخب الإنجليزي بكأس العالم.
تعد كرة القدم جزءاً من الثقافة، وانعكاساً للعالم الأوسع - وهذه الصورة ليست مريحة. لكن في مجتمعنا أدت «اللعبة الشعبية» إلى إثراء غير عادي لقلة قليلة، ندفع لها ثمن تذاكر حضور المباريات واشتراكات الأقمار الصناعية، وهو ما يجعلنا نمنح المزيد والمزيد من المال إلى هؤلاء المليارديرات. ويبتهج عدد قليل من الجمهور بهذه السخافة التي تحيط بكل شيء الآن في عالم كرة القدم، والأكثر من ذلك أن هناك شعوراً غريباً لدى بعض المشجعين بأن هذا هو الجزء الأكثر متعة من الموسم، بسبب جو الإثارة والترقب الذي يحيط بسوق انتقالات اللاعبين، والذي يجعل النقطة الأبرز في مسيرة لاعب مثل مسعود أوزيل مع آرسنال هي لحظة انتقاله للفريق وليس الأداء الذي يقدمه. لقد أصبحت الروايات التي يحبكها وكلاء اللاعبين والشائعات والتوقعات تسيطر على اللعبة أكثر من كرة القدم نفسها، ويبدو أن الـ90 دقيقة التي تلعب خلالها المباراة لم تعد كافية للاستحواذ على انتباه الجمهور.
لقد أصبح هذا الموسم غنيّاً بالوعود، وعقدت الأندية عددا هائلا من الصفقات، ونجح الدوري الإنجليزي الممتاز في تحويل تلك الصفقات إلى أمر يستحق المتابعة والمشاهدة في حد ذاته. ويضم الدوري الإنجليزي الممتاز أبرز المديرين الفنيين على مستوى العالم، وهو ما يضيف له قوة كبيرة للغاية، لكن الموسم الماضي لم يشهد نجاحا كبيرا لمديرين فنيين بارزين مثل المدير الفني لمانشستر يونايتد جوزيه مورينيو الذي لم ينقذ موسمه سوى الفوز ببطولة الدوري الأوروبي، والمدير الفني لمانشستر سيتي جوسيب غوارديولا الذي أنهى فريقه الموسم الماضي في المركز الثالث في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو ما يعني أن مورينيو وغوارديولا قد فشلا في ترك بصمة واضحة على فريقيهما في أول موسم لهما، حيث كان يعاني مانشستر يونايتد مع عقم هجومي واضح، في حين كان مانشستر سيتي يعاني من مشكلة دفاعية كبيرة. وإذا لم يحقق المديران الفنيان النتائج المرجوة خلال الموسم المقبل، خصوصاً بعد التدعيمات الكبيرة التي قام بها كل منهما، فقد يتم إقالتهما من منصبهما.
ومنذ قيادته لنادي بورتو البرتغالي، كان مورينيو يفوز بالدوري المحلي في ثاني موسم له مع الفريق، لكن ما قدمه المدير الفني البرتغالي مع مانشستر يونايتد الموسم الماضي لا يبشر بأنه سيفوز بدرع الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسم الحالي ويصبح رابع مدير فني يقود مانشستر يونايتد للفوز بالدوري الإنجليزي. وقد يساعد تعاقد النادي مع روميلو لوكاكو على تدعيم خط هجوم الفريق وإحراز الأهداف أمام الفرق الصغيرة التي عانى أمامها كثيراً مانشستر يونايتد الموسم الماضي، لكن المشكلة تكمن في أن البعض يرى أن مورينيو نفسه قد بدأ يفقد قوته وبريقه ويعاني من أجل مواكبة التطور في كرة القدم، وأن عددا قليلا من المديرين الفنيين هم من نجحوا في البقاء في القمة أكثر من عقد من الزمان.
ويواجه غوارديولا أيضاً ضغوطاً كبيراً بعد فشله في تحقيق النتائج المرجوة الموسم الماضي. وبالنسبة للمدربين الآخرين: هل ينجح المدير الفني الألماني لليفربول يورغن كلوب بفلسفته التي تعتمد على الإيقاع السريع في قيادة ليفربول للحصول على درع الدوري الإنجليزي الممتاز في ثاني موسم له مع الفريق؟ وهل يستمر آرسين فينغر لموسم آخر مع آرسنال؟ وهل يستطيع المدير الفني لتوتنهام ماوريسيو بوكيتينيو الحفاظ على لاعبيه الشباب رغم أن بعضهم قد يحصل على خمسة ملايين جنيه إسترليني إضافية على الأقل في الموسم في حال انتقاله إلى نادٍ آخر؟ وماذا عن نادي إيفرتون في ظل قيادة مالكه المليون الإيراني فارهاد موشيري؟
وبالطبع هناك المدير الفني لتشيلسي أنطونيو كونتي، الذي يبدو محبطاً من التعاقدات التي أبرمها النادي في فترة الانتقالات الصيفية الحالية، الذي تفوق على الجميع الموسم الماضي وقاد البلوز للحصول على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد تغيير طريقة اللعب إلى 3 - 4 - 2 - 1 وأثبت أن المدافعين لهم نفس أهمية المهاجمين في كرة القدم، وهو الأمر الذي دفع مانشستر سيتي لإنفاق 130 مليون جنيه إسترليني لتدعيم خط دفاعه بعد الأداء السيئ الذي قدمه الموسم الماضي.
ورغم ذلك يؤمن كونتي بأن فريقه حامل لقب الدوري الإنجليزي بحاجة لضم لاعبين جدد للتعامل مع متطلبات التنافس في دوري أبطال أوروبا. وحذر المدرب الإيطالي لاعبيه بأنه سيتعين عليهم بذل جهد أكبر مما فعلوه عند التتويج بلقب الدوري في الموسم الماضي. وتعاقد تشيلسي، الذي حقق اللقب المحلي في أول موسم لكونتي لكنه كان غائبا عن المنافسات الأوروبية، مع أربعة لاعبين من بينهم المهاجم ألفارو موراتا القادم من ريال مدريد. وانضم الحارس ويلي كاباييرو إلى تشيلسي في صفقة انتقال حر من مانشستر سيتي بجانب لاعب الوسط المدافع تيموي باكايوكو والمدافع أنطونيو روديجر.
وقال في تصريحات إعلامية: «أعتقد أن هذه صفقات جيدة لنا ومن المهم أن نعزز صفوفنا لأننا سننافس في بطولة إضافية هذا الموسم». وأضاف: «سنلعب في دوري الأبطال وهذا ليس سهلاً، ومن المهم جدّاً أن نجد حلولاً، وأن ندعم التشكيلة لرفع الكفاءة قبل بداية الموسم».
لم يشكك أحد في أن الأندية المنافسة في الدوري الإنجليزي الممتاز ستكسر الرقم القياسي السابق البالغ 1.2 مليار جنيه إسترليني (1.56 مليار دولار) للتعاقد مع لاعبين جدد في الموسم الجديد، وكان ذلك يتوقف على مدى توافر الأموال وتحديد أسماء اللاعبين ووجهتهم المقبلة.
ومن المبكر الحديث عن الفريق صاحب أفضل صفقات في أكثر سوق انتقالات جنوناً، لكن القليل من الوجوه الجديدة جاءت بسجلٍّ مرموق مثلما فعل زلاتان إبراهيموفيتش مع يونايتد في الصيف الماضي فيما جاء البعض الآخر بمقابل مبالغ فيه.
وأنفقت أندية الدوري الممتاز البالغ عددها 20 فريقاً أكثر من مليار جنيه وهو رقم قابل للزيادة خاصة مع دخول الفترة الجنونية لسوق الانتقالات التي تنتهي يوم 31 أغسطس (آب).
وعلى سبيل المثال وليس الحصر قال موقع «سبورتنج إنتلجينس» إن واتفورد دفع 50 مليون جنيه إسترليني حتى الآن وهو يفوق بأربعة أضعاف ما دفعته أندية الدوري الاسكوتلندي مجتمعة.