محكمة هولندية تلزم الحكومة تمويل مدرسة إسلامية

أنصف القضاء الهولندي إدارة مدرسة إسلامية في العاصمة أمستردام، ومنع حرمانها من التمويل، في وقت تتعالى فيه الأصوات، منذ فترة، بتقليل التسامح مع انتشار المدارس الإسلامية في هولندا، بحجة أنها تعرقل عملية اندماج السكان المسلمين في المجتمع.
وأصدرت أعلى محكمة هولندية، أول من أمس الأربعاء، أمراً يُلزم الحكومة بتمويل مدرسة إسلامية في أمستردام، بعدما حاولت السلطات حظرها في إطار جدل بشأن دور الثقافة الإسلامية في المجتمع الهولندي. وأوقف ساندر ديكر، نائب وزير التعليم، تمويل المدرسة عام 2014، بعد وقت قصير من نشر أحد أعضاء مجلس إدارتها تدوينة على «فيسبوك» أعرب فيها عن تأييده لتنظيم داعش. وألغى مجلس الدولة القرار، وخلص إلى أنه «لا توجد أسباب قوية» لرفض التمويل، لا سيما بعد ترك الشخص محل الخلاف مجلس إدارة المدرسة الذي ندد علناً بالتدوينة.
واعتبر ديكر أنه لم يعد أمام الحكومة خيار سوى الالتزام بقرار المحكمة، رغم أن المدرسة «لا تصل إلى ما أراه مرغوباً من الناحية الاجتماعية». وستقدم المدرسة الثانوية الحكومية منهاجاً باللغة الهولندية، مع تركيز على مواد إسلامية لنحو 180 طالباً. وستكون ثاني مدرسة من نوعها في هولندا، وفق ما تقول على موقعها الإلكتروني.
وكانت مدرسة إسلامية هولندية أخرى أغلقت أبوابها في عام 2010، بعدما رأت إدارة التفتيش القومية على المدارس أن التعليم الذي تقدمه دون المستوى. ويمثّل المسلمون نحو 5 في المائة من سكان هولندا البالغ عددهم 17 مليون نسمة.
وأجرت السلطات الهولندية في يناير (كانون الثاني) الماضي تحقيقات للكشف عن ملابسات حادث إطلاق نار على مدرسة «الصديق» الابتدائية التي يدرس فيها طلاب مسلمون في العاصمة الهولندية. ولم يسفر الحادث عن وقوع أي إصابات.
وفي نهاية العام الماضي، بدأت تتعالى داخل هولندا أصوات تطالب بوضع حد للتسامح مع انتشار «المدارس الإسلامية»، وذلك بعد نشر مقطع فيديو يُظهر إماماً وهو يعلّم تلاميذ صغاراً في مسجد الصلاة. ويطالب الإمام التلاميذ الذين يُعتقد أن معظمهم ينتمون إلى عائلات مسيحية، بالركوع والسجود، بعد فصل البنات عن الأولاد، تمهيداً لتأدية الصلاة. ويشار إلى أن التلاميذ كانوا يزورون المسجد ضمن إطار برنامج التعليم الساري حالياً في هولندا، والذي يقضي بأنه ينبغي أن يتعرف المدرّسون والتلاميذ على ثقافات أقليات دينية تلعب دوراً ملحوظاً في حياة البلاد.
ورغم أن مقطع الفيديو تم تسجيله خلال العام الماضي، بحسب المعلومات الواردة، فإنه لم ينشر سوى في نهاية السنة، ديسمبر (كانون الأول) 2016. ورجّحت وسائل إعلام هولندية أن الفيديو صُوّر في مسجد بمدينة زفوله كان يتردد عليه سابقاً دعاة متطرفون، بينهم الباكستاني محمد أنس نوراني صديقي، الذي يحظى بشهرة سيئة في هولندا، لقوله إن تصرفات المواطنين غير المسلمين في هذه البلاد تشبه «تصرفات الكلاب والمومسات».
وأثار هذا الفيديو موجة انتقادات داخل المجتمع الهولندي، وطالب مئات المواطنين الغاضبين سلطات البلاد بإدخال تعديلات على برنامج التعليم بهدف حماية أولادهم من «الدعاية الدينية». وقال مراقبون إن شريط الفيديو لم يكن الحادث الأول من نوعه، محذرين من أن مثل هذه التصرفات من بعض المسلمين قد يعزز مواقع الأحزاب اليمينية في هولندا في الانتخابات البرلمانية. وبالفعل حصل حزب «الحرية» الذي يقوده السياسي المناهض للإسلام خيرت فيلدرز على المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية التي جرت في مارس (آذار) الماضي. ورغم هذا الفوز، فإن الأحزاب الأخرى الأساسية رفضت التعاون معه في أي ائتلاف حكومي.
وكانت الاعتراضات التي تصدر في المجتمع الهولندي تصب في الغالب على ما يمكن أن تحدثه المدارس الإسلامية من عرقلة الاندماج، ونشوء تفاوت كبير في مستوى التعليم بينها وبين المدارس الهولندية الأخرى. وأخضعت وزارة التعليم المدارس الإسلامية باستمرار للتفتيش، على غرار ما تقوم به مع المدارس الأخرى. وسحبت وزارة التعليم في السابق رخص بعض المدارس الإسلامية، وأغلقت أبوابها لأسباب متعددة، أهمها عدم الكفاءة في التسيير والتلاعب بالميزانية، أو عدم تأمينها عدداً كافياً من التلاميذ.
ويعيش نحو مليون مسلم في هولندا، وجاء الجيل الأول منهم في نهاية الخمسينات من القرن الماضي عمالاً، للمساهمة في إعادة بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية. ويشكّل المغاربة والأتراك النسبة الأكبر بين الجاليات الإسلامية في البلاد.