قبل هزيمته في الموصل بأشهر... «داعش» أعاد تمركزه لخوض معارك جديدة

بدأ متشددو تنظيم داعش إعادة تمركزهم قبل شهور من إنهاء القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة حكمهم المرعب الذي استمر ثلاث سنوات في الموصل لينحوا حلم الخلافة جانبا ويعدوا العدة لمعارك مختلفة.
قبل أشهر قليلة قال مسؤولو مخابرات ومسؤولون محليون إنهم لاحظوا فرار عدد متزايد من القادة والمقاتلين من المدينة إلى تلال حمرين في شمال شرقي العراق التي توفر مخابئ وتتيح الوصول إلى أربع محافظات عراقية. واعترضت السلطات بعضهم لكن كثيرين أفلتوا من قوات الأمن وشرعوا في إقامة قواعد لعملياتهم الجديدة.
ما يأتي بعد ذلك قد يكون تحديا أكثر تعقيدا وصعوبة لقوات الأمن العراقية بمجرد الانتهاء من الاحتفال بالانتصار الذي تحقق بشق الأنفس في الموصل أكبر معاقل المتشددين في العراق. ويستعد مسؤولو المخابرات والأمن لنوع من التمرد المدمر مثل ذلك الذي خاضه تنظيم القاعدة عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 مما دفع العراق إلى أتون حرب أهلية طائفية بلغت ذروتها في 2006 و2007.
وقال لاهور طالباني المسؤول الكردي الكبير في مكافحة الإرهاب لوكالة رويترز إن المتشددين يتحصنون ويمكنهم الوصول إلى العاصمة بسهولة. ويشارك طالباني في طليعة الجهود الرامية إلى القضاء على «داعش» في إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وعبر طالباني عن اعتقاده بأن الأيام الأصعب آتية.
وتعود جذور بعض مقاتلي «داعش» إلى الحملة التي شنها «القاعدة» بسيارات ملغومة وتفجيرات انتحارية وكانت تودي بحياة عشرات الأشخاص يوميا ونجحت في تأجيج حرب طائفية. وعندما سحقت مبادرة عشائرية بتمويل أميركي تنظيم القاعدة أعاد الأكثر تشددا منهم تجميع صفوفهم في الصحراء بين العراق وسوريا. وعاودوا الظهور في شكل جديد تماما فاجأ العالم هو «داعش».
وبعد الاجتياح الخاطف للموصل تفوق «داعش» على وحشية «القاعدة» ونفذ عمليات قطع رؤوس وإعدام جماعية من خلال فرضه لفكرها المتشدد. وعلى عكس «القاعدة»، سيطر «داعش» على ثلث الأراضي العراقية واكتسب معرفة بالأرض التي باتت في متناوله وهو يصد هجمات قوات الأمن العراقية.
وانضم ضباط سابقون بجهاز المخابرات العراقي عملوا تحت حكم صدام حسين إلى تنظيم داعش في تحالف للمصالح. وتوقع طالباني ومسؤولون أمنيون آخرون أن هؤلاء الخبراء العسكريين الاستراتيجيين المخضرمين الذين كانوا ينتمون لحزب البعث سيمثلون الجيل الجديد لقادة «داعش». وبدلا من محاولة إقامة «دولة خلافة»، قال مسؤولون أمنيون عراقيون وأكراد إن قادة «داعش» سيركزون على حرب الشوارع التي يصعب كثيرا التكهن بها.
والسؤال المهم هو ما إذا كان الجيش العراقي، الذي يشعر بالارتياح أكثر كثيرا مع الحروب التقليدية، بإمكانه التعامل مع تمرد بخلايا نائمة ووحدات صغيرة من المسلحين الذين يخرجون من الصحاري والجبال وينفذون هجمات وسرعان ما يتوارون عن الأنظار. وقال ستيف تاونسند، قائد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للصحافيين: «سيحاولون الاختباء وسط السكان. ستكون خلاياهم أصغر بدلا من المجموعات والفصائل وسيتحولون إلى فرق وخلايا وستتخفى عناصر أصغر كثيرا وسط السكان». وأضاف: «على شركائنا من قوات الأمن العراقية خوض عمليات على غرار التصدي للتمرد عند مرحلة ما ونبذل جهودا بالفعل الآن لبدء تشكيل تدريبهم على أسلوب «داعش» الجديد».
ويشير التاريخ إلى أن التدريب قد لا يكون كافيا. فقد أنفقت الولايات المتحدة 25 مليار دولار على الجيش العراقي خلال فترة الاحتلال الأميركي الذي أسقط صدام حسين في 2003 وأثار تمردا بمشاركة تنظيم القاعدة.
ولم يجهزوا ذلك الجيش للتصدي لمقاتلي «داعش» الذين زحفوا على الموصل بعربات وأسلحة سرقت من القوات العراقية المتقهقرة.
ويمكن للقوات العراقية بالتأكيد الإشارة إلى الانتصارات التي حققتها في الموصل ومدينتي الفلوجة والرمادي بمحافظة الأنبار التي كانت ذات يوم في قبضة «داعش». لكن مسؤولين محليين يقولون إن هذه المدن لا تزال معرضة لهجمات من الصحراء مترامية الأطراف التي يعرف دروبها المتشددون. وقال عماد الدليمي المسؤول بالأنبار إن العمليات الأمنية ستكون بلا جدوى ما لم تسيطر قوات الأمن على الصحراء. وأضاف أن الصحراء باتت ملاذا آمنا لـ«داعش». وأضاف أن «داعش» غير موجودة كتنظيم في المدن لكنه ينفذ هجمات من خلال أفراد وسيارات ملغومة وانتحاريين، مشيرا إلى أن الناس تخشى عودة «داعش» وأن هناك هجمات يومية.
ويعبر طارق يوسف العسل، وهو قائد قوة عشائرية، عن نفس المخاوف ويشكو من عدم وجود تنسيق بين قوات الأمن المحلية الكثيرة. وقال إن هذه القيادات لا تملك خبرة القتال في الصحراء.
ولا يزال بعض المواطنين لا يشعر بالأمن رغم تحسن أداء الجيش العراقي. ولا يعتزم أحمد العيساوي أحد سكان الأنبار إعادة فتح مطعمه قريبا. وقال إنه يخشى تدميره بنفس الطريقة التي دمر بها خلال اشتباكات بين قوات الأمن والدولة الإسلامية في عام 2014، وأضاف: «أخشى وقوع أي هجوم في أي لحظة».
وقال المسؤول الكردي الكبير ووزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري إن فكرة «الخلافة» انتهت وإن الحلم تبدد، لكن المتشددين سيعودون إلى هجمات الكر والفر القديمة وكتلتهم الصلبة الأساسية ستواصل القتال.