قبضة ليفي الحديدية تحكم صفقات الانتقالات في توتنهام

من بين جميع الإشادات التي انهالت على دانييل ليفي وأسلوبه في التفاوض الذي يبدو في ظاهره لطيفاً ورقيقاً بينما في حقيقته يعكس قوة وحزما كبيرين، يبقى ما قاله سير أليكس فيرغسون هو الأكثر التصاقاً في الأذهان. كان فيرغسون قد وصف تعامله مع رئيس نادي توتنهام هوتسبير بأنه «كان أكثر إيلاماً عن تجربة عملية استبدال مفصل الفخذ». إلا أنه تبغي الإشارة هنا أيضاً إلى أن فيرغسون حصل نهاية الأمر على ما كان يرغبه من ليفي، فرغم كل الضجة والألم نجح نهاية الأمر من ضم المهاجم ديمتري بيرباتوف إلى مانشستر يونايتد من توتنهام هوتسبير عام 2008.
بيد أنه في المقابل، يعجز الكثيرون داخل مجال كرة القدم من الحصول على ما يريدونه من ليفي. في الواقع، إن مجرد ذكر اسمه يثير أحياناً الشكاوى من الوكلاء واللاعبين، قبل أن ينطلقوا في سرد قصص حول مواقف كانوا يظنون أنهم خلصوا فيها إلى اتفاق ليفاجئوا بليفي يدخل تعديلات في اللحظات الأخيرة على مطالبه.
في الواقع، أثار ليفي حفيظة الكثيرين داخل الحقل الكروي منذ عام 2001، بما في ذلك الكثيرين داخل توتنهام هوتسبير. ورغم شخصيته الودودة التي سبق وأن وصفها مدرب توتنهام ماوريسيو بوكيتينو بأنها «شخصية حساسة وخجولة وذات حس فكاهي»، فإنه عندما يشرع ليفي في التفاوض، حتى مع أناس يروقون له، يبدو شخصا مختلفا تماماً وتفقد العلاقات الشخصية قيمتها تماماً، ويصبح جل اهتمامه منصباً على إدارة دفة التفاوض.
من الأقاويل المشهورة حول ليفي أنه في موسم الانتقالات، لا يبدأ في التحرك سوى في اليوم الأخير، ما يعكس عشقه للمجازفة والمغامرة وإنجاز الصفقات والاتفاقات في اللحظة الأخيرة. واليوم، يواجه ليفي سيلاً من القضايا والمشكلات والتي تتعلق واحدة منها بكيفية الحفاظ على الفريق الذي يقوده بوكيتينو ككيان واحد. والواضح، أن ليفي يواجه هذا التحدي برضا وثقة.
كان توتنهام هوتسبير قد وافق على بيع لاعب الظهير الأيمن كايل والكر إلى مانشستر سيتي مقابل 50 مليون جنيه إسترليني - بجانب مصاريف إضافية بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني. إلا أنه بخصوص صفقات شراء لاعبين جدد، بدا النادي هادئاً هذا الصيف، وذلك لسبب بسيط: الفريق الذي يقوده بوكيتينو بلغ ذروته على امتداد الموسمين الماضيين ونجح اللاعبون في تعزيز مكانتهم وسمعتهم لدرجة جعلت المدرب لا يرى أي لاعب في السوق بسعر مقبول يمكن أن يشكل إضافة قيمة لفريقه.
وتكمن الكلمة المهمة هنا في «سعر مقبول». يذكر أن ليفي أقر سقفاً للأجر الأسبوعي يبلغ 100.000 جنيه إسترليني، في وقت أمامه الاستاد الجديد الذي يسعى لبنائه والذي ارتفعت تكلفته إلى 800 مليون جنيه إسترليني. على سبيل المثال،
إذا ما رأى بوكيتينو تحسناً في أداء موسى ديمبلي أو ديلي ألي اللذين يتقاضيان أقل من 100.000 جنيه إسترليني أسبوعياً، فإنه لن يفكر في شراء لاعبين جدد.
من جانبه، يرغب ليفي وكيتينو في إضافة عمق إلى فريقه، وثمة حاجة واضحة لذلك بالفعل، خاصة مع الأخذ في الاعتبار رغبة النادي في استمرار موسى سيسوكو، وربما جورج كيفين نكودو مع الفريق.
أما لياقة إريك لاميلا فقضية أخرى. ويخوض الجناح الأرجنتيني، الذي غاب عن الملاعب منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بسبب شكواه من ألم في الفخذ، يخضع عملية إعادة تأهيل ومن المعتقد أنه سيغيب عن المشاركة خلال الأسابيع الأولى من الموسم الجديد على الأقل.
في وقت ليس ببعيد، كانت جماهير توتنهام تمارس ضغوطاً هائلة على مسؤولي النادي للإسراع نحو الاستفادة من موسم الانتقالات، وكانت لتضج أصواتها بالشكوى والتبرم إزاء عدم تحرك المسؤولين. أما اليوم، فيبدو الحال مختلفاً، الأمر الذي يكشف الكثير عن الفريق الذي نجح توتنهام في بنائه، ناهيك عن المجهود الرائع الذي بذله بوكيتينو.
أما ليفي، فقد تجلت براعته في الاستمتاع بأداء نخبوي رفيع المستوى من لاعبيه على امتداد فترة طويلة من الوقت مقابل أجور أقل من المستوى المعتاد في صفوف اللاعبين النخبة. على سبيل المثال، فاز هاري كين بجائزة «الحذاء الذهبي» في بطولة الدوري الممتاز على مدار الموسمين الماضيين. وعليه، فإنه يحق له الادعاء بأنه أفضل مهاجم على مستوى إنجلترا. ورغم أنه يأتي بالفعل على رأس قائمة أجور توتنهام هوتسبير، فإنه من المؤكد سيتقاضى أكثر من ذلك بكثير في أي ناد آخر - وكذلك الحال مع جميع الأسماء اللامعة بالفريق.
من جانبه، حرص بوكيتينو على تعزيز الروح الإيجابية بقوة في صفوف الفريق، ويبدو بالفعل أن اللاعبين مستمتعون بمشاركتهم في حلم خاص يجمعهم - وكذلك الجماهير. والواضح أن اللاعبين والجماهير تولي ثقة كبيرة إلى بوكيتينو. وعليه، فإنه حال عدم إنجازه صفقة كبرى هذا الصيف، لن يعرف القلق طريقه إليهم. ومع هذا، ثمة جانب سلبي وراء امتلاك ناد ما للاعبين يفوق أداؤهم مستوى الأجور التي يتقاضونها، ذلك أن الأندية المنافسة ربما تجد في ذلك فرصة سانحة لإغراء هؤلاء اللاعبين بالانتقال إليها مقابل ظروف مادية أفضل.
وهنا، يفرض موقف مانشستر يونايتد وإريك دير نفسه، فقد رغب النادي في ضم دير إليه وأبدى استعداده لزيادة أجره الأسبوعي البالغ 70.000 جنيه إسترليني لأكثر من الضعف. وبالفعل، شعر دير بالضعف تحت وطأة هذا الإغراء، خاصة أنه جرى التخلي عنه باعتباره الخيار الأول في مركز لاعب خط الوسط المدافع في توتنهام هوتسبير لصالح فيكتور وانياما، الموسم الماضي. وسبق وأن حدث مثل هذا السيناريو مع أسماء أخرى مثل ألي وكين وهوغو لوريس وكريستيان إريكسن، ومن المؤكد أنه سيتكرر من جديد.
إذن، ما الذي يتعين على ليفي عمله هنا؟ من الواضح أنه يمقت فكرة كسر هيكل الأجور الذي أقره، خاصة أن ذلك سيهدد التناغم داخل الفريق وسيتكالب عليه اللاعبون طلباً لزيادة أجورهم. في الوقت ذاته، ليس بمقدور ليفي منافسة العرض الذي قدمه مانشستر يونايتد لدير. وهنا، يتضح أن الأهمية الكبرى في تحقيقه توازنا في موقفه يضمن استقرار الفريق هذا الصيف وعلى امتداد مستقبله على المدى البعيد.
حتى الآن، نجح ليفي في تحقيق ذلك من خلال تقديم زيادات منتظمة وتدريجية لأفضل لاعبيه من حيث الأداء، مقابل إضافة مزيد من السنوات لتعاقداتهم مع النادي، ما مكنه من إبقاء جميع الأمور تحت السيطرة. بيد أنه بحاجة أيضاً لإبداء صلابة وعزم. وبالفعل، أوضح ليفي أمام الرئيس التنفيذي لمانشستر يونايتد، إد وودورد، أن دير ليس للبيع، وأن جماهير توتنهام هوتسبير ستشعر بالرضا حيال تشبثه بموقفه، خاصة حين يجري ربط ذلك بالأسلوب السحري لبوكيتينو في إدارة الفريق.
أما موقف والكر، فكان مختلفاً، ذلك أن كيران تريبير موهبة صاعدة واضحة في مركز الظهير الأيمن الذي يشغله والكر. ومقابل الحصول على الأموال التي يمكن استغلالها في تعزيز صفوف الفريق ككل، أبدى بوكيتينو انفتاحه على فكرة التخلي عن والكر. من جانبه، تمسك ليفي بالرقم الأساسي البالغ 50 مليون جنيه إسترليني من مانشستر سيتي، وبعد أسابيع من المحادثات، حصل بالفعل على ما أراده، الأسبوع الماضي. وانضم والكر بالفعل إلى مانشستر سيتي بهذه الصفقة شبه الخيالية.
الملاحظ أن ليفي اتخذ موقفاً تفاوضياً حازماً. وعند النظر إلى باو لوبيز، حارس المرمى الاحتياطي، الذي انتقل إلى توتنهام هوتسبير على سبيل الإعارة من إسبانيول الموسم الماضي، نجد أن ليفي كان أمامه خيار جعل الصفقة دائمة مقابل 7 ملايين يورو، لكنه ترك الاتفاق حتى انتهى سريانه. وبدلاً عن ذلك، عرض مليوني يورو فقط، علاوة على مليوني يورو أخرى كنفقات إضافية. والواضح إن مسؤولي إسبانيول غير راضين عن ذلك. إلا أن ما ينبغي الالتفات إليه هنا أن باول دخل عامه الأخير في تعاقده، وإذا وجد ليفي نفسه مضطراً للانتظار حتى يصبح اللاعب حراً، فإنه لن يتردد إزاء ذلك.
من ناحية أخرى، من المتوقع أن يقدم ليفي على بيع فيدريكو فازيو وكلينتون نجي إلى روما ومارسيليا على الترتيب، حيث شاركا على سبيل الإعارة الموسم الماضي. أما سيسوكو فقد ضاعف من أدائه السيئ خلال موسمه الأول باقترافه خطأ قاتل بإبدائه غضبه علانية تجاه بوكيتينو. من ناحيته، قال لاعب خط الوسط الذي كانت صفقة انضمامه إلى النادي أكبر صفقة في تاريخ توتنهام هوتسبير عندما انتقل إليه قادماً من نيوكاسل يونايتد مقابل 30 مليون جنيه إسترليني، في تصريحات لـ«لكيب» أواخر مايو (أيار)، إنه يرغب في أن يكشف بوكيتينو بوضوح وصدق ما إذا كان يتناسب مع خططه في اللعب. والواضح أن هذا التصريح من جانب اللاعب فجر رد فعل سيئا للغاية.
من جانبه، سيسعى بوكيتينو نحو دراسة ما إذا كان ثمة عناصر من خريجي أكاديمية ناشئي النادي بمقدورهم المعاونة في إضفاء عمق أكبر على الفريق، في الوقت الذي يطمح كل من جوش أونوماه وكاميرون كارتر فيكرز نحو الفوز بوقت أكبر من المشاركة خلال هذا الموسم. أيضاً، من المثير التعرف على كيف سيتمكن بوكيتينو من إيجاد مساحة لماركوس إدواردز، لاعب خط الوسط المهاجم البالغ 18 عاماً، داخل صفوف الفريق.
من جانبه، قال بوكيتينو إنه لن يقف عائقاً أبداً في طريق تصعيد أي ناشئ إلى صفوف الفريق الأول ما دام أنه يستحق ذلك، لكن في الوقت ذاته فإنه لن يتردد إزاء إنجاز صفقة ضم لاعب من ناد آخر إذا ما رأى حاجة لذلك.
وتكمن الأولوية هنا في احتفاظه باللاعبين الذين يرغب في الإبقاء عليهم. وبذلك، يتضح أن ثمة حاجة ماسة لتحقيق توازن في الخطوات القادمة من جانب إدارة النادي، وتقع المسؤولية الكبرى هنا على عاتق دانييل ليفي على وجه التحديد.