مأساة عائلة نازحة عادت إلى مدينة الرقة... لدفن قتلاها

فيما يفر آلاف المدنيين من المعارك التي تشهدها مدينة الرقة، معقل تنظيم داعش في سوريا، اختارت آمال شيخ ويس السير عكس التيار والعودة مجازفة بحياتها لدفن جثث أفراد من عائلتها.
ومع وصولها برفقة والدتها وأحد أشقائها إلى حي الدرعية في غرب الرقة، حيث تدور معارك بين «قوات سوريا الديمقراطية» وتنظيم داعش، وجدت آمال نفسها أمام مشهد لم تتخيله يوماً، كما جاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من الرقة أمس. تقول الفتاة (17 عاماً) بعد دقائق من معاينتها لهذا المشهد: «وجدنا نصف جثة وأشلاء وقليلاً من الشعر». وأضافت بتأثر شديد للوكالة الفرنسية: «عرفت شقيقتي زهرة من سلسلة ذهبية كانت تضعها حول عنقها».
وتسببت المعارك التي تدور منذ أسابيع داخل مدينة الرقة، في شمال سوريا، بمقتل شقيقتها زهرة وشقيقها عبد الله وزوجته الحامل نور مع طفلتهما الصغيرة (18 شهراً).
وتابعت آمال بغصة: «لم نجد الطفلة»، متوقعة أن تكون جثتها الصغيرة قد اختفت بين الركام.
ويقول شقيقها وقد لف رأسه بشال تقليدي أبيض مزركش بورود ملونة: «لم يبق منهم شيء».
بالقرب منهم، يحاول مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» تهدئة الوالدة المنهارة وسط شارع تحيط به منازل مهجورة من الجانبين. ولا تكف الأم المفجوعة التي ترتدي عباءة سوداء وتغطي رأسها بحجاب أبيض عن الصراخ ومناداة ابنها «عبد الله عبد الله عبد الله».
وتعد عائلة شيخ ويس من العائلات الكردية القليلة التي بقيت في مدينة الرقة في ظل حكم «داعش». ومنذ سيطرة هذا التنظيم على المدينة في عام 2014، نزحت معظم العائلات من المكوّن الكردي الذي كان يشكّل 20 في المائة من سكان مدينة الرقة.
ومع دخول «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تضم فصائل كردية وعربية، إلى المدينة في السادس من يونيو (حزيران) بدعم من التحالف الدولي، اقتربت المعارك من حي الرميلة في شرق المدينة حيث كانت تقيم العائلة.
ونزحت العائلة حينها إلى حي الدرعية قبل أن يتفرق أفرادها. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن آمال ووالدتها فرتا إلى الطبقة، فيما اختارت زهرة وعبد الله وعائلته البقاء في الرقة. وبحسب زهرا، لجأ أفراد عائلتها إلى فرن كانوا يعملون فيه سابقاً قبل أن «يخرجهم الدواعش منه، ثم خيموا في أرض زراعية مع صاحب الفرن» في الحي ذاته.
في مدينة الطبقة حيث تقيم مع والدتها، سمعت آمال أنباء عن مقتل زهرة وعبد الله مع عائلته في الرقة. وفي الوقت ذاته، علم شقيقها اللاجئ إلى تركيا الأمر ذاته، فعاد على وجه السرعة إلى شمال سوريا.
وتوجه الثلاثة إثر ذلك إلى مخيم للنازحين في مدينة عين عيسى الواقعة على بعد أكثر من خمسين كيلومتراً شمال الرقة، حيث التقوا هناك والد نور، زوجة عبد الله، بعد تمكنه من الفرار من الرقة وباتت مخاوفهم حقيقة.
وتوضح آمال: «أبلغنا أنه ذهب ذات يوم لتفقدهم ووجد جثثهم» فعمل على «تغطية الجثث ووضع التراب حولهم لتحديد مكانهم». ومع عودتها إلى المكان الذي حدده، ظنت العائلة أنها ستجد جثثاً لدفنها قبل أن تُصدم بالمشهد الذي رأته وتعود أدراجها مذهولة.
لا تعرف آمال التي تتحدث حيناً بالعربية وحيناً آخر بالكردية، ماذا حدث لهم تحديداً. سمعوا من البعض أنهم قتلوا في قصف جوي للتحالف الدولي بينما كانوا يستعدون للهرب من المدينة. ورجح آخرون مقتلهم بقذائف هاون أطلقها مسلحو «داعش» خلال المعارك.
وحذّرت الأمم المتحدة في وقت سابق من المخاطر الكبيرة التي تواجه المدنيين خلال رحلة فرارهم من معارك الرقة، سواء جراء ضربات التحالف الدولي الذي يساند «قوات سوريا الديمقراطية» في تقدمها أو جراء استهدافهم من «داعش».
وإذا كانت آمال قد وجدت بقايا جثث أفراد عائلتها، إلا أن جثثاً أخرى لا تزال مرمية في شوارع الرقة في المناطق التي طردت «قوات سوريا الديمقراطية» مقاتلي التنظيم منها، يعود بعضها لأشخاص يُشتبه في أنهم من «داعش» وأخرى لمدنيين بينهم أطفال.