روني يرحل عن مانشستر يونايتد من دون أن تذرف جماهيره دمعة واحدة

تكمن غرابة مسيرة واين روني المتألقة داخل صفوف مانشستر يونايتد والتي استمرت 13 عاماً في أنه يرحل متجهاً إلى إيفرتون دون أن يثير خلفه عاصفة من الإشادة والثناء، وإنما يأتي رحيله مغلفاً بحالة من الصمت. ورغم سجله الذي يحوي الكثير من البطولات والإنجازات الشخصية، فإن ثمة شعوراً سائداً في صفوف مشجعي مانشستر يونايتد بأن الوقت المناسب لرحيله قد حان بالفعل.
ويمكن إيعاز ذلك إلى حقيقة أن روني لم يتبع قط نظام اللياقة البدنية اللازم للوصول إلى المستوى الرفيع المميز لنجوم مثل كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، بجانب الجلبة التي أثارها عندما أوشك مرتين في غضون ثلاثة أعوام على مغادرة النادي.
المعروف أن روني نجح الموسم الماضي في تجاوز سير بوبي تشارلتون باعتباره أكبر هداف في تاريخ مانشستر يونايتد بإجمالي 253 هدفاً. كما شارك روني في الفوز بخمس بطولات للدوري الممتاز وواحدة لدوري أبطال أوروبا وأخرى للدوري الأوروبي وكأس الاتحاد الإنجليزي وثلاثة بطولات كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة وبطولة كأس العالم للأندية. كما وقع عليه الاختيار مرتين كأفضل لاعب ناشئ للعام من رابطة محترفي كرة القدم وجرى اختياره أفضل لاعب لعام 2010 من رابطة محترفي كرة القدم والكتاب الرياضيين.
كان اللاعب قد بدأ تألقه في سن الـ18 وبدا مؤهلاً لأن يصبح نجماً من طراز عالمي. وقد سجل ثلاثية شهيرة في مرمى فناربغشة في سبتمبر (أيلول) 2004. ووصف سير أليكس فيرغسون هدف روني الشهير في شباك مانشستر سيتي بضربة خلفية مزدوجة كأفضل ما شاهده في مباريات مانشستر يونايتد على امتداد 26 عاماً ونصف العام قضاها بمجال التدريب.
إلا أن بداية النهاية جاءت في فبراير (شباط) 2011، بينما كان روني قد بدأ يسقط في أعين الكثيرين من مشجعي مانشستر يونايتد قبل هذه الملحمة بأربعة شهور. في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2010، أثار روني الشكوك حول طموحات مانشستر يونايتد عندما أعلن رغبته في الرحيل. وزاد الطين بلة عندما عرفت وجهته المفضلة حينها: مانشستر سيتي، الذي يعتبر الخصم الأول لكثير من جماهير مانشستر يونايتد. ومع ذلك، وفي غضون يومين فحسب، تحول موقف روني إلى النقيض تماماً بموافقته على عقد جديد مع مانشستر يونايتد وتقديمه اعتذاراً لفيرغسون وأقرانه بالفريق على سلوكه.
ومن هنا، بدأ الضيق يتراكم في نفوس مشجعي النادي الأوفياء إزاء روني، خاصة وأنه في ظل عقده الجديد تضاعف راتبه إلى 180 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً، جرى النظر إلى تصريحاته المشككة في قدرات مانشستر يونايتد باعتبارها مجرد محاولة خادعة للتأثير على المفاوضات الحالية بخصوص تعاقده والخروج بأفضل شروط ممكنة. من جانبه، تعهد روني بالعمل على إعادة بناء الثقة مع مشجعي النادي، لكن على مدار السنوات الست التي مرت منذ هذا الموقف ظل شعور بالتوتر وعدم الارتياح مسيطراً على العلاقة بين الجانبين، والتي اتخذت طريقها عبر منحنى هبوط تدريجي.
في صيف 2013، تسارعت وتيرة هذا التردي في أعقاب اعتزال فيرغسون التدريب في مايو (أيار). وقرب نهاية الموسم، كانت العلاقات بين روني والمدرب الجديد قد ساءت، ومن جديد أبدى اللاعب رغبته في الرحيل رغم تولي ديفيد مويز - الذي دربه من قبل في إيفرتون - مهام تدريب الفريق. هذه المرة أيضاً، كانت وجهته المقصودة خصماً آخر عتيداً لمانشستر يونايتد: تشيلسي. ورغم أنه في صيف 2010 كان المشجعون شديدي الولاء للنادي يرفضون رحيل روني، فإنه في هذه المرة اختفى الحب غير المشروط وحل محله قبولاً لفكرة أنه قد يكون من الأفضل لو أنه رحل بالفعل.
وعندما جرت تسوية هذا الموقف مرة أخرى ببقاء روني وموافقته في فبراير التالي على اتفاق جديد مغرٍ - تبعاً له، يتقاضى راتباً أساسياً يبلغ 250 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً - قتل ذلك أي حنين باق في نفوس الجماهير تجاهه. الملاحظ أن ثمة عاملاً آخر يقف وراء هذا الانحسار في العاطفة تجاه روني: الاعتقاد بأن قدرات روني ومهاراته تراجعت. في فبراير 2014، كان في الـ28 من عمره، السن المفترض أنها تشكل ذروة عطائه. ومع ذلك، أنهى ذلك الموسم بـ17 هدفاً فقط في الدوري الممتاز. وشهد الموسم التالي أكبر حصيلة أهداف له على مدار السنوات الثلاثة التالية - 12 هدفاً - بينما أحرز خلال الموسمين الأخيرين 8 و5 أهداف على الترتيب.
واليوم، أصبح من النادر الاستماع إلى أصوات تشيد بروني خارج دائرة الخبراء المتخصصين، وهو وضع يبدو مختلفاً تماماً عما كان عليه الحال في أغسطس (آب) 2004 عندما انضم روني لمانشستر يونايتد للمرة الأولى. في الواقع، من أكثر التعليقات اللافتة على هذا الصعيد ما ذكره مويز خلال فترة الـ34 مباراة بالدوري الممتاز التي تولى خلالها تدريب مانشستر يونايتد، عن أنه عندما كان يحاول إقناع روني بعدم الانتقال إلى تشيلسي: «قدم إلى منزلي وأخبرته أنه: إذا سألتني ما الذي تفتقده اليوم - أعتقد أنك أصبحت رخواً بعض الشيء».
وبالفعل، اتضحت صحة وجهة نظر مويز، ذلك أن روني خلال السنوات الأخيرة من مسيرته الكروية فقد الكثير من سرعة بديهته وأصابه نوع من الخمول. وفي ظل قيادة جوزيه مورينيو الموسم الماضي، جاء الصدام دراماتيكياً، ذلك أنه فجأة أصبحت قدما روني ثقيلتين واقتصر حضوره على دور المتفرج في الكثير من المباريات التي شارك بها. وقد يكون مورينيو قد اتخذ خطوة ماكرة بالفعل بعد أن حل محل فان غال في تدريب الفريق. وخلال مؤتمر صحافي، تعمد المدرب البرتغالي قتل أية فكرة بخصوص إمكانية عودة روني إلى وسط الملعب، معلناً أنه: «معي، لن يرتدي قط القميص رقم 6». وأصر مورينيو على أن روني لا يزال قادرا على وضع اللمسات النهائية على الكرة، وعلى مدار أول سبعة مباريات أشرف عليها مورينيو، سجل روني هدفاً واحداً. وأسقطه مورينيو من التشكيل خلال مواجهته مع ليستر سيتي في 24 سبتمبر والتي انتهت بفوز مانشستر يونايتد بأربعة أهداف مقابل هدف واحد. وقد أنهى ذلك مكانة روني كعنصر رئيسي في التشكيل الأساسي، وفي نهاية الأمر خسر قائد مانشستر يونايتد مكانه داخل المنتخب الإنجليزي ومعه شارة قائد المنتخب.
وللعثور على آخر لحظة تألق لروني في صفوف مانشستر يونايتد، علينا العودة إلى 15 مارس (آذار) 2015. وبعد ذلك استمرت الفترة المتقلبة التي تمر بروني داخل النادي مع تزايد الانتقادات الموجهة إليه من داخل وخارج النادي.
مرة واحدة وقد تكون الأخيرة، رد روني على الانتقادات بهدف رائع أثار في الأذهان سابق عهده المتألق وذلك في إطار فوز لمانشستر يونايتد أمام توتنهام هوتسبير بنتيجة ثلاثة أهداف دون مقابل. كان روني يطارد الكرة في وسط الملعب عندما تحول من جديد للقوة الضاربة التي كان عليها في سنواته الأولى ويسجل هدفاً ساحقاً لم يترك لحارس المرمى هوغو لوريس أدنى فرصة للتصدي له.
وتأتي الأنباء التي تواترت مؤخراً حول خسارة روني 500 ألف جنيه إسترليني بأحد نوادي القمار لتكشف أن حياته الخاصة لا تزال تفتقر إلى الانضباط الكامل. ومع هذا، من المؤكد أنه بمرور الزمن ستتلاشى جميع المواقف السلبية الصغيرة المتعلقة بروني من أذهان الجماهير، ولن يتبقى في ذهنها الجمعي سوى كيف أن اللاعب الذي دفع فيرغسون 27 مليون جنيه إسترليني مقابل ضمه من إيفرتون مكنهم من معايشة أفضل سنوات أكثر لاعبي هذا الجيل براعة وتألقاً وواحد من أفضل لاعبي مانشستر يونايتد على امتداد تاريخه.