حذف 2900 فرع دراسي يهدد مستقبل كبرى جامعات إيران

تأثرت كبرى جامعات إيران، جامعة آزاد الإسلامية (الحرة) بالتوتر السياسي الحالي الذي تشهده البلاد بين التيارات السياسية، وتغيرت أحوالها بعد فترة وجيزة من رحيل الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، مؤسسها ورئيس مجلس أمنائها لسنوات طويلة.
فبعد فترة قصيرة من الجدل حول الرئيس والرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الأمناء، أعلنت وزارة التعليم العالي حرمان الجامعة من قبول طلاب في 2900 فرع دراسي أغلبها في مرحلة الماجستير مما دفع آثار قلق واسع بين الكوادر العلمية والإدارية وطلاب الجامعة من فقدان نحو ثلاثين في المائة من ثقل الجامعة في الساحة العلمية الإيرانية.

منافسة حادة مع الجامعات الحكومية

تأسست جامعة آزاد في أغسطس (آب) عام 1982 تحت شعار «الطموح الإيراني للعالمية». وسرعان ما تحولت الجامعة إلى منافسة للجامعات الحكومية، بعد أقل من عقد على الانطلاقة، حتى باتت اليوم أثرى وأكبر الجامعات الإيرانية، ورغم أن الاسم يشير إلى أنها إسلامية المناهج، فإنها تعتبر الأكثر انفتاحاً في إيران على الأفكار الحديثة والليبرالية، خصوصاً على صعيد التعليم العالي الإنسانية مقارنة بالجامعات الحكومية، وهي ثالث أكبر جامعة من حيث عدد الطلاب في العالم، وفي عام 2012 - 2013 صنفت الجامعة ثاني أفضل جامعة في إيران بعد جامعة طهران.
ويشكل طلابها نحو 60 في المائة من مجموع حاملي الشهادات الجامعة من الفروع الدراسية في المجالات المختلفة، و40 في المائة من خريجي الفروع الطبية. يدرس في الجامعة حالياً نحو مليونَي طالب، وتخرج فيها نحو ثلاثة ملايين حتى الآن وتضم الهيئة الدراسية نحو 35 ألف أستاذ، و31 ألف موظف إداري ولها أكثر من 400 مركز علمي، كذلك تملك الجامعة 600 مدرسة خاصة بمستويات مختلفة وتضم نحو 60 ألف طالب. وفي الجامعة أقسام كبيرة لدراسة الطب في 86 من مراكزها العلمية ونحو ألفي أستاذ جامعي و61 ألف طالب يدرسون الطب في 51 فرعاً دراسياً، ويتبع أقسامها الطبية نحو عشرة مجمعات طبية ويتوقع افتتاح عشرة أخرى خلال السنوات القليلة المقبلة.
باتت تواجه الجامعة انتقادات جدية على صعيد فتحها قبول الطلاب والتنافس من أجل الحصول على الأرباح على حساب المعايير العلمية، حتى بات يسميها المنتقدون بـ«مصنع الشهادات». كما تواجه الجامعة انتقادات على ضعف الإمكانيات مقارنة بالمبالغ الكبيرة التي تكسبها من طلاب الجامعات. ورغم الانتقادات فإن الجامعة تمكنت من منافسة جامعات داخلية وخارجية في الإنتاج العلمي.
ولكي لا تتأخر الجامعة عن الجامعات الحكومية فتحت أبوابها أمام الأساتذة الذين بقوا خلف أبواب الجامعات بعد صعود الثورة الإيرانية، وتطبيق النظام الجديد على التعليم العالي، كما وجد الطلاب المحرومون من الدراسة لأسباب سياسية وعرقية ملاذاً في الجامعة لتعويض الحرمان من المقاعد الدراسية في الجامعات الحكومية إضافة إلى ذلك، فإنها أتاحت لموظفي الدوائر الحكومية والمؤسسة العسكرية العودة لمقاعد الدراسة بأقل المسافة من مراكز إقامتهم للحصول على شهادة جامعية معترف بها.
وبلغ تأثير الجامعة درجة أنها تشكل اليوم نحو 50 في المائة من أصحاب الشهادات العليا رغم الانتقادات الأساسية ضدها بسبب فتح أبوابها أمام عدد كبير من الطلاب مقابل تراجع الجودة العلمية في كثير من الفروع الدراسية.

تراجع وخسارة

وفي أحدث تطور أعلنت وزارة التعليم العالي أنها تنوي حذف أكثر من 2900 فرع دراسي، مما ينذر بتراجع كبير للجامعة وخسارة 30 في المائة من كوادرها للوظائف مما يشكل عبئاً زائداً على أرقام البطالة الإيرانية المرتفعة بين خريجي الدراسات العليا، كذلك تحرم الجامعة من قبول نحو 80 ألف طالب ما يشكل 30 في المائة من مجموع الطلاب المقبولين للماجستير.
بعد إعلان القرار قال المسؤولون في الجامعة إنه حذف 2900 فرع دراسي من قبل وزارة التعليم العالي «غير مدروس»، ويعرِّض مستقبل الجامعة لتحدٍّ كبير.
وقال مدير الشؤون الإنسانية في الجامعة سعيد عليزادة إن خطوة وزارة التعليم العالي «تخالف سياسات النظام صراحة وتفقد الكوادر الإدارة والهيئات التدريسية لفقدان الأمن الوظيفي».
والقرار يمنع الجامعة من قبول الطلاب في 30 في المائة من فروعها الدراسية. وبحسب القرار فإن 253 من مراكز الجامعة ستشهد حذف فرع إلى 142 في مرحلة الماجستير.
وفق دفاع وزارة التعليم العالي عن القرار فإنها أنذرت قبل عام نحو 4600 فرع دراسي في 400 مركز دراسي بضرورة تطبيق معاييرها العلمية، وهو ما تقول الجامعة إنها أقدمت على تطبيقه عبر تحسين الأوضاع العلمية للكادر التدريسي. وبعد اتهام وزارة التعليم العالي باتباع سياسة الكيل بمكيالين قالت إن إجبار الجامعة على حذف 2800 يعني فقدان 67 ألف أستاذ جامعي من حَمَلَة شهادة الدكتوراه لوظائفهم إضافة إلى 40 ألف موظف يعملون في الأقسام الإدارية، أي ما مجموعه 107 آلاف من العاملين في قطاع التعليم الجامعي سينضمون إلى طوابير العاطلين عن العمل.

بطالة واحتجاجات

وتقدر الحكومة حاليا وجود 3 ملايين عاطل عن العمل بينما آخر إحصائية لمركز دراسات البرلمان الإيراني تشير إلى وجود نحو خمسة ملايين عاطل عن العمل، وإحصائية ثالثة غير رسمية تقول إن طوابير البحث عن العمل تضم حاليا نحو سبعة ملايين وتحذر الإحصائية من بلوغ العدد 10 ملايين في حلول 2020، وأغلب العاطلين عن العمل يحملون شهادات جامعية.
وبعد احتجاج واسع من الجامعة، قالت وزارة التعليم العالي إنها وافقت بشكل مشروط على بقاء 2300 فرع شرط تطبيقها ثلاثة شروط... وتطلب الجدل تدخل لجنة التعليم في البرلمان الإيراني والتوسط بين الجامعة ووزارة التعليم العالي وبحث مساعد الشؤون التعليمية في وزارة التعليم العالي فإنها اشترطت موافقة لجنة توسعة التعليم العالي.
وتقيد الشروط الثلاثة قبول الطلاب في الدكتوراه والماجستير ما لم تضم الفروع الدراسية أعضاء حاصلين على رتبة الأستاذية.
أمس، نقلت وكالة أنباء تسنيم عن عضو هيئة الرئاسة في الجامعة صالح إسكندري أن لجنة وزارة التعليم العالي أوقفت المفاوضات بضغوط من دائرة الشؤون التعليمية في الوزارة وشدد على أنها كانت تجري مباحثات حول قائمتين تضم الأولى 1000 فرع دراسي بينما الثانية تضم 1400 وعلى نقيض ذلك، أعلن المساعد الشؤون التعليمية في وزارة التعليم العالي مجتبى شريعتي نيا، أمس، أن الوزارة وافقت على ترخيص 1541 من فروع الجامعة، مشدداً على أن وزارة التعليم العالي «تواصل دراسة وثائق حول الفروع الدراسية التي وافقت عليها وفي حال رصد أخطاء في المعلومات فإنها تقدم على أبطال الترخيص».
في المقابل، فإن رئيس الجامعة علي أكبر ولايتي يتهم وزارة التعليم العالي بحذف واسع للفروع الدراسية في مرحلة الماجستير، وهدد بتجاهل أوامر وزارة العمل واستمرار الجامعة بالعمل «وفق القانون».

خلافات سياسية تنذر
بتدهور أوضاع الجامعة
شهدت الجامعة تغييراً واسعاً في رأس إدارتها وكانت الجامعة أول مؤسسة يتدخل فيها المرشد الإيراني علي خامنئي مباشرة بعد وفاة رئيس مجلس الإدارة السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني في يناير (كانون الثاني) الماضي، واختار خامنئي في فبراير (شباط) مستشاره في الشؤون الدولية علي أكبر ولايتي رئيساً للهيئة الإدارية في الجامعة بدلاً من هاشمي رفسنجاني.
وكان التنافس حول السيطرة على الجامعة ومواردها المالية اشتد بين المحافظين والإصلاحيين عقب أحداث الانتخابات في 2009، وأخفقت محاولات طرد الإصلاحيين في فترة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بعد وصول حسن روحاني لمنصب الرئاسة.
وأتاح غياب رفسنجاني فرصة المناسبة لانقضاض فريق خامنئي على الجامعة. ومنذ شهر أبريل (نيسان)، اختار مجلس أمناء الجامعة علي محمد نوريان رئيساً تنفيذياً للجامعة بدلاً من حميد ميززادة. وكان القرار أثار احتجاج أعضاء في مجلس أمناء الجامعة بما فيهم حسن الخميني (حفيد الخميني)، الذي طلب تدخل الرئيس الإيراني حسن روحاني لوقف التغييرات في الجامعة بعدما قال المسؤول إن إقالته لم تكن وفق الشروط القانونية. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن أوساط مقربة للجامعة أن خلافات الجامعة ووزارة التعليم العالي بعد رحيل هاشمي رفسنجاني وتعيين علي أكبر ولايتي لها دوافع «سياسية».
وشهدت الجامعة خلال رئاسة أحمدي نجاد تراجعاً في عدد الطلاب بسبب سياسة وزارة التعليم العالي آنذاك بفتح أبواب الجامعات الحكومية أمام عدد كبير من الطلاب، فضلاً عن قبول طلاب بنظام الجامعة الحرة. وكان رئيس الجامعة اعل في أغسطس 2014 عن تراجع عدد الطلاب بسبب فتح مراكز تعليمية جديدة.
وعمل أحمدي نجاد الذي كان معارضاً لفريق هاشمي رفسنجاني على ارتفاع عدد طلاب جامعة بيام نور التي تعمل بنظام التعليم الجزئي «التعليم عن بعد»، وهي أرخص بالتكاليف من الجامعة الحرة نحو ثلاثة أضعاف.

تراث هاشمي رفسنجاني

في مايو (أيار) الماضي، أعلن رئيس مجلس أمناء الجامعة ياسر هاشمي رفسنجاني (النجل الأوسط لعلي أكبر هاشمي رفسنجاني) إقالته من منصبه بعد فترة من تحذير هاشمي من محاولات إزالة تراث والده من الجامعة، ومخاوف على مستقبل الجامعة. وقال ياسر هاشمي إن إقالته جاءت بناء على توجيهات رئيس الجامعة الجديد علي أكبر ولايتي، وعلى خلاف رغبته في البقاء من أجل مواصلة العمل. وكان هاشمي احتج على تغيير رئيس الجامعة. وقال إن سياساته كانت مطابقة لوجهات نظر والده، وقال إن الإقالة تلحق ضرراً بتقدم الجامعة.