«تكتل عربي كبير» لإيقاف احتكار «بي إن سبورت» للمنافسات الرياضية

أبلغت مصادر موثوقة «الشرق الأوسط» أن جهات صاحبة قرار تعمل حاليا على محاولة إيجاد حل تجاه ما يسمى بالحقوق التلفزيونية الرياضية التي تمتلكها قنوات «بي إن سبورت» القطرية على مستوى العالم وأوروبا وآسيا، موضحة أن «التكتل» الفاعل قادر على إتاحة بث المباريات الآسيوية والأفريقية والعالمية على مستوى المنتخبات والأندية لأكثر من مائتي مليون مشاهد جلهم يعيشون في مصر والسعودية والإمارات ودول عربية وخليجية أخرى، وذلك من خلال العمل على إبطال الاحتكار الحالي الذي تقوم به هذه الشبكة التلفزيونية والذي بدأ يتصاعد منذ عام 2008 ويستمر حتى 2026.
وبحسب مصادر «الشرق الأوسط» فإن جهات تحتفظ «الصحيفة» بأسمائها تعمل جاهدة لإيجاد حلول قانونية تجبر الشبكة التلفزيونية القطرية على إيقاف بثها في كثير من الدول العربية الكبيرة والتي تحظى بكثافة سكانية هائلة يتقدمها مصر والسعودية.
«الشرق الأوسط» عملت على إجراء تحقيق شامل وواسع حول قضية احتكار بث المنافسات الرياضية في المنطقة العربية الآسيوية والأفريقية بعد ورود معلومات عن تكتل كبير يجري تحت الكواليس لمواجهة الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الآسيوي والأفريقي والأوروبي جراء منحهم حقوق بث التلفزيوني للمنافسات الكروية الرياضية لشبكة تلفزيونية واحدة على حساب عشرات الشبكات التلفزيونية الحاضرة في أفريقيا وآسيا وتحديدا منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
واشترت شبكة «بي إن سبورت الرياضية» القطرية حقوق بث مباريات كأس العالم 2018 و2022 وكأس أمم أوروبا وكأس أمم آسيا وكأس أمم أفريقيا ودوري أبطال أوروبا ودوري أبطال آسيا ودوري أبطال أفريقيا وبطولات دولية وقارية وإقليمية ووطنية ومنافسات الأولمبياد حتى عام 2022 بقيمة مالية تجاوزت 10 مليارات دولار أميركي.
وتحتكر الشبكة بث المباريات على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دون أي منافسة من أي شبكات تلفزيونية أو شركات تلفزيونية منافسة في ذات المنطقة وهو ما يثير الاستغراب سيما أن 21 دولة عربية لا تملك حق الوقوف ضد هذا الاحتكار.
ووسط احتكار بث المباريات في المنطقة فإن الطريقة في دول أخرى تبدو مختلفة تماما فمثلا في بريطانيا تم بث مباريات كأس العالم 2014 التي جرت في البرازيل بشكل مجاني للمشجعين ولا يوجد أي تشفير أو اشتراك والحقوق التلفزيونية خاضعة لشبكتين تلفزيونيتين هما «بي بي سي» و«آي تي في» بحيث يتم التنسيق بين القناتين في توزيع المباريات التي تنقل لمنتخب إنجلترا والمنتخبات الأخرى.
وعلى صعيد آسيا فإن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ذهب بشكل غريب في توزيع حقوق بث مباريات مسابقاته مثل كأس أمم آسيا والبطولات السنية وكذلك دوري أبطال آسيا وكأس الاتحاد حيث باع الحقوق على نحو 23 شبكة تلفزيونية إذ إن شبكتين تلفزيونيتين اشترتا حقوق النقل في أستراليا فيما اشترت 6 شبكات تلفزيونية حقوق النقل في الصين مقابل شبكة واحدة للهند ولإندونيسيا وإيران وماليزيا والفلبين وتايلاند ونيوزيلندا وشبكتان تلفزيونيتان لليابان وأربع شبكات تلفزيونية لكوريا الجنوبية فيما احتكرت شبكة «بي إن سبورت الرياضية القطرية» حقوق البث في المنطقة العربية بأكملها إلى جانب شمال أفريقيا وهو ما لم نره على الإطلاق في كافة الدول الآسيوية.
وما يجري في المنطقة العربية لا يجري في أوروبا؛ إذ سبق لمحكمة العدل الأوروبية وبحسب ما نشر في وكالات أنباء ووسائل إعلام عالمية وعربية أنها رفضت بصفة نهائية طلب الاستئناف ضد الحكم الصادر بشأن حقوق بث مباريات كأس العالم وكأس أوروبا لكرة القدم.
وبحسب وسائل الإعلام فإن المحكمة الأوروبية قد قضت بصفة نهائية أن دول الاتحاد الأوروبي لديها الحق في منع بث كأس العالم وكأس أوروبا لكرة القدم على قنوات مشفرة، وطالبت الاتحادين الدولي والأوروبي للعبة ببثها على قنوات مجانية.
وكان الفيفا يريد الاحتجاج ضد هذا القرار لكنه كان مضطرا لعدم ذلك كون جماهير المملكة المتحدة وتحديدا جماهير إنجلترا وويلز واسكوتلندا وآيرلندا الشمالية كانت ستشاهد المباريات مجانا.
وعادة ما يشاهد البريطانيون مباريات كأس العالم وكأس أمم أوروبا على القنوات الأرضية لجميع السكان وذلك بحسب اللائحة الوطنية الرياضية في البلاد التي تتيح للشعب المشاهدة المجانية لا كما يحدث في الدول العربية التي يدفع السكان مئات الملايين وربما المليارات للدفع لمصلحة شبكة تلفزيونية واحدة حصرية دون تدخل من حكومات الدول العربية.
ونص قرار محكمة العدل الأوروبية أن من حق الدول الأوروبية أن تختار المنافسات الرياضية التي تبث والتي ترى أن لها أهمية بالغة بالنسبة لسكانها وإتاحتها مجانا لهم علما بأن بلجيكا تعتبر من الدول التي سعت قضائيا في الحفاظ على حقوق المشاهدين في البلاد بالمشاهدة المجانية لكافة مباريات المونديال واليورو دون عناء الاحتكار القسري.
إلى ذلك، قال راشد الأميري مدير قنوات دبي الرياضية لـ«الشرق الأوسط» إنه لا مناص ولا مفر من «التكتل» لإيقاف الاحتكار الذي تمارسه شبكة «بي إن سبورت الرياضية» على مستوى 21 دولة عربية، موضحا أنه حان الوقت كي يتدخل صناع القرار في الدول العربية الكبرى لإتاحة المجال للمشاهدين العرب للمشاهدة المجانية أو بأسعار رمزية أو معقولة كما يحدث في أوروبا.
وأضاف بلا شك البدء في إجراءات قانونية ضد هذا الاحتكار سيكون له نتيجة ولكن الأهم أن يتم وفق خطوات صحيحة ومرتبة ومنظمة لأن المنطق يقول لماذا تسيطر شبكة تلفزيونية واحدة على 21 دولة عربية... لماذا الحقوق حصرية ومحتكرة من جانبها وسط عدم قدرة الشبكات التلفزيونية الأخرى المنافسة والحصول على حقها في البث.
وكشف الأميري أنه لم يسبق لأي مؤسسة إعلامية عربية أو شبكة تلفزيونية عربية أن طالبت بحقوقها لدى الفيفا أو اليويفا أو الاتحاد الآسيوي والأفريقي لكرة القدم... كلها كانت صامتة وتتفرج على ما يجري دون أي رغبة في البحث عن حل.
وشدد على أنه يعلم أن هناك تحركات من «صناع القرار» في المنطقة ويتمنى أن تصل هذه التحركات إلى حل لأجل إتاحة الفرصة للسكان في الدول العربية كافة بممارسة حقهم الطبيعي ومشاهدة المباريات دون صعوبات أو إرهاق مالي يذكر.
وتابع: تصور أن أصغر دولة في أوروبا لديها حقها القانوني في مشاهدة مباريات منتخب بلادها في تلفزيوناتها الوطنية بينما في الدول العربية لا حق لهم في ذلك بسبب الاحتكار التلفزيوني وأعتقد أن حل «التكتل» سيكون فرصة للدول العربية في اتخاذ تدابير قانونية لإيقاف هذا الاحتكار.
وبسؤاله عن دور اتحاد الإذاعات العربية مقارنة بما يفعله اتحاد الإذاعات في أوروبا، قال الأميري: للأسف هذا الاتحاد دوره ضعيف وغير فاعل وهو بالأساس يفتقد التنظيم وبالتالي لا يمكن أن نعول عليه رغم أن الإمكانات بالنسبة له إذا ما وفرت ستكون إيجابية وناجحة ولكنه يفتقد الدعم المطلوب.
وأشار إلى أنه من حق 21 دولة عربية قانونيا أن تتحرك ضد احتكار شبكة «بي إن سبورت الرياضية» وفك حصريتها للمباريات بالطرق القضائية كما جرى في المحاكم الأوروبية قبل عامين.
وطالب الأميري الاتحادات الخليجية لكرة القدم بأن تتحمل مسؤولياتها وأن تعي أهمية دورها في قضية «النقل التلفزيوني وبث المباريات العالمية والآسيوية والإقليمية والوطنية»، موضحا أن الاتحادات الخليجية عبر مسؤوليها أهملت هذه الحقوق لأكثر من 15 عاما والآن هي تجني نتائج هذه الإهمال.
وأردف: ليس منطقيا أبدا أن تتحكم قناة واحدة بـ21 دولة... ليس منطقيا أن أمنحها حقا في بث المباريات وسط تفرج الشبكات التلفزيونية القادرة على فعل الشيء ذاته... نريد تحريك القانون في ذلك على أن تبدأ بخطوات صحيحة وواثق جدا أننا سننجح في إيقاف هذا الاحتكار.
وبين مدير قناة دبي الرياضية أن الطريقة الوحيدة تكمن في قرار سيادي يصدر من الدول المعنية كافة والضغط على الطرف الآخر وإجباره أن يبيع حقوق النقل أو نقض قرار الاحتكار.
وقال: تصور مثلا أن مباريات المنتخب السعودي في كأس العالم 2018 في حال التأهل لا يمكن للمواطن السعودي البسيط أن يشاهدها إلا في شبكة تلفزيونية تحتكر بث المباريات... لماذا لا تعرض المباريات على القنوات الرياضية السعودية كما تفعل كل دول أوروبا... هذا حق بسيط للمواطن.
من جانبه أكد المحامي القانوني السعودي الدكتور ماجد قاروب والذي عمل عضوا في اللجنة القانونية بالاتحاد الدولي لكرة القدم لسنوات عدة ويعمل حاليا مستشارا لرئيس الجمعية الدولية لقانون الرياضة إن قضية حقوق بث المباريات التي تحتكرها شبكة «بي إن سبورت الرياضية» أمر معقد ويتداخل فيه عنصر القانون مع الرياضة والسياسة والتجارة والاستثمار.
مضيفا: الأساس أن هناك عقودا واتفاقيات ملزمة بين القناة والاتحاد الآسيوي الذي يلزم الأندية والاتحادات الرياضية في القارة بالشروط التي التزم بها.
وشدد قاروب على أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم سيضطر لمراعاة العنصر السياسي لقطع العلاقات مع قطر ونقل المباريات كما حدث في موضوع إيران والعراق.
وتابع: المقاطعة التي تمت من السعودية والإمارات والبحرين ومصر تعتبر أساسا قانونيا كبيرا ويعطي الحق للاتحادات والأندية الرياضية في مقاطعة الشبكة التلفزيونية ولكن هذه المقاطعة درجات هل هي مستوى عدم الظهور في اللقاءات أو في المقابلات أو عدم اللعب في مباريات تقوم القناة بنقلها أو برفض قيامها بالنقل كون مشاهدي هذه الدول سيدفعون أموالا مقابل الاشتراك في هذه الشبكة. وأشار إلى أن ذلك يتطلب تواصلا قانونيا مباشرا بين الأندية المعنية في الدول واتحاداتها الكروية للوصول إلى حل.
ودعا قاروب إلى اتخاذ خطوات تصعيدية من قبل اتحاد إذاعات الدول العربية بتجميد عضوية الشبكة التلفزيونية «بي إن سبورت» كونها تنتمي للدولة المقاطعة. وأضاف: لا بد أن تكون هناك تحركات فردية وجماعية من قبل الاتحادات المذكورة للرفع إلى الفيفا والاتحاد الآسيوي واليويفا والأفريقي للعمل في هذا الاتجاه.
من جانبه، قال خالد البابطين المحامي القانوني ورئيس لجنة الانضباط في اتحاد الكرة السعودي سابقا إن قطع العلاقات مع قطر يعتبر أساسا قانونيا قويا بالنسبة للدول الراغبة في إيقاف احتكار بث مباريات كأس العالم وغيرها من البطولات، موضحا أن هذا القرار قوة قاهرة ولا يمكن للاتحادات الرياضية تحمل مسؤوليته. وتابع: ما يجري الآن أعتقد أنه أساس ومنطلق لإبطال العقود الموقعة الخاصة بالبث الاحتكاري لأن غير ذلك يعتبر التدخل القانوني صعبا.