تفوق ريـال مدريد يحرج منافسيه في أوروبا وينذر بسوق انتقالات ساخنة

لم ينه ريـال مدريد الإسباني موسمه ببسط سيطرته من دون منازع على كرة القدم في القارة الأوروبية وحسب، بل إنه ترك انطباعا أنه ربما في طريقه إلى تدشين حقبة ممتدة لهذه السيطرة، وخلق بهذا الشكل تحديا كبيرا للفرق الكبرى التي بات عليها السعي بقوة لتدعيم صفوفها بصفقات جديدة من أجل منافسة النادي الملكي.
وأصبح ريـال مدريد في الوقت الراهن، بقيادة رئيسه فلورنتينو بيريز، في وضع يحسده عليه الجميع، فهو لم يحقق الإنجازات في الحاضر وحسب، بل نجح في التخطيط جيدا لمستقبله.
ولا يمر النادي الملكي بظروف طارئة وينقصه فقط تحديد استراتيجيته في تعويض غياب بعض اللاعبين مثل خاميس رودريغيز وبيبي وربما موراتا، إذا قرر الرحيل، من أجل أن يحافظ على حالة الانسجام التي تغلف الأجواء داخل غرفة خلع الملابس والملعب. ولكن الوضع مختلف أشد الاختلاف مع باقي الفرق الأوروبية مثل برشلونة وبايرن ميونيخ ويوفنتوس وباريس سان جيرمان وتشيلسي وأتلتيكو مدريد وفرق أخرى، من التي ترغب في إنهاء هيمنة ريـال مدريد. وبالنظر إلى قوة ريـال مدريد، فإن على منافسيه أن يفعلوا الكثير من أجل التفوق عليه. وأقرب الأمثلة في هذا الصدد هو برشلونة، فقد تعاقد النادي الكتالوني مع المدرب أرنستو فالفيردي، ولكن ورغم ذلك يعتري شعور بالقلق جماهيرَ الفريق، كونها ترغب في أن تعرف كيف سيدعم النادي صفوفه بعد أن فشل في استثمار أمواله بشكل جيد التي بلغت 130 مليونا في عقد صفقات جديدة الموسم المنصرم، وهذا ما تدلل عليه النتائج.
وعلى النقيض أعد ريـال مدريد فريقا متنوعا، ولهذا تفوق على برشلونة الذي محسوما لديه هوية لاعبيه الأساسيين والاحتياطيين، بسبب الفارق الكبير بين كلا الجانبين.
وكما كانت الحال في أزمنة ليست بالبعيدة، يعيش برشلونة حاليا ظروفا طارئة.
وقالت صحيفة «سبورت» الإسبانية أمس: «نجاح ريـال مدريد يلقي بأعباء ثقيلة على كاهل برشلونة، الذي عليه أن يعدل مسار السفينة بشكل دقيق للغاية». وتحدثت صحيفة «موندو ديبورتيفو» أيضا عن الأمر ذاته وقالت: «ريـال مدريد فرض كلمته، وعلى برشلونة الآن مع ميسي فرض كلمته هو الآخر». ولكن ليس برشلونة هو من بات مجبرا على إعادة تأسيس نفسه من جديد وحسب، بل وكيانات أوروبية ضخمة أخرى أيضا، من بينها بايرن ميونيخ الألماني، الذي يعد فوزه ببطولة الدوري الألماني إنجازا ضئيلا هذا الموسم، الذي كان مطالبا فيه الفريق، بقيادة المدير الفني الإيطالي كارلو أنشيلوتي، بالفوز بكل شيء.
واستعصت بطولة دوري أبطال أوروبا على النادي البافاري منذ آخر فوز له بها في 2013 عندما تغلب على بروسيا دورتموند 2 - 1 في المباراة النهائية على ملعب ويمبلي، حيث لم يعد إلى خوض أي نهائي في هذه البطولة منذ ذلك الحين.
وعلى جانب آخر، أكد ماكسيمليانو أليغري، المدير الفني ليوفنتوس الإيطالي، عقب الهزيمة الثقيلة التي مني بها فريقه 4 - 1، أمام ريـال مدريد في نهائي دوري الأبطال، أن فريقه وصل إلى نهاية حقبة سيطر فيها على كل شيء رغم فوزه بلقبي الدوري الإيطالي وكأس إيطاليا هذا الموسم.
ومع اكتظاظ صفوف النادي الإيطالي باللاعبين المخضرمين مثل بوفون، 39 عاما، وجورجيو كيليني، 32 عاما، وأندريا بارزاغلي، 36 عاما، وداني ألفيس، 34 عاما، وماريو ماندزوكيتش، 31 عاما، بات تجديد دماء الفريق أمرا ضروريا وحتميا.
وفي فرنسا سيعود باريس سان جيرمان لإنفاق مبالغ طائلة مرة أخرى لتدعيم صفوفه ليس من أجل المنافسة بشكل أقوى في دوري الأبطال وحسب، بل من أجل العودة للمنافسة على الدوري الفرنسي، الذي فقد سيطرته عليه هذا الموسم لصالح موناكو.
ويتربع أتلتيكو مدريد على قمة قائمة الفرق الأوروبية الأكثر احتياجا لإعادة التأسيس والدعم في الموسم المقبل، فقد طالب المدير الفني الأرجنتيني دييغو سيميوني إدارة النادي بعقد صفقات قوية، إلا أن عقوبة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) التي حرمت النادي الإسباني من شراء لاعبين جدد حتى يناير (كانون الثاني) المقبل تعد بمثابة ضربة قاصمة لتطلعات الفريق.
وحصل أتلتيكو مدريد في الأيام الأخيرة على وعد من نجمه الفرنسي أنطوان غريزمان بالبقاء مع الفريق خلال الموسم المقبل، ولكن الشكل الحالي للفريق لن يسمح له بالمنافسة على الألقاب الكبيرة، سواء في الدوري الإسباني أو في دوري أبطال أوروبا.
وتبقى الصورة غير واضحة المعالم بالنسبة للأندية الإنجليزية، التي تتمتع بثراء كبير بفضل التدفقات النقدية لحقوق البث التلفزيوني ولكن ينقصها حسن التصرف والتعامل بحزم مع الصفقات الكبيرة.
ومرة أخرى عادت الكرة الإنجليزية لتخفق في بطولة دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، فلم يتأهل أي فريق هذا العام للمربع الذهبي.
وينافس في الموسم المقبل من البطولة الأوروبية خمسة فرق إنجليزية بعد تأهل مانشستر يونايتد عقب تتويجه بلقب الدوري الأوروبي بقيادة المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو.
وستعود ملايين الجنيهات الإسترلينية إلى الدوران مرة أخرى في موسم الانتقالات للبحث عن اللاعبين اللازمين للأندية الإنجليزية للمنافسة مع الأندية الكبرى في القارة الأوروبية، وعلى رأسها ريـال مدريد من دون شك.
أما في ريـال مدريد فسيكون التحدي هو إمكانية مواصلة الانتصارات والحفاظ على النجاح، وهو ما سيضع كثيرا من الضغط على مدربه الفرنسي زين الدين زيدان. وبفوزه بـ«الثنائية» (دوري الأبطال والدوري الإسباني) وهو الإنجاز الذي لم يحققه الريـال منذ عام 1958، ليضيفه إلى إنجاز الفوز بكأس السوبر الإسباني وبطولة العالم للأندية يكون الفريق الملكي قد أنهى موسما حالما تحت قيادة مديره الفني زيدان، الذي بإمكانه أن يفخر بهذا الإنجاز الفريد الذي لم يحققه أي مدرب آخر بعد 18 شهرا فقط من توليه المسؤولية.
وأصبح زيدان أول مدرب يفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا في موسمين متتاليين في أولى تجاربه مدربا. ومن كان يستطيع أن يقول في يناير 2016 عندما تلقى زيدان اتصالا من بيريز رئيس النادي، يطالبه فيه أو بالأحرى يترجاه لكي يقبل هذه المسؤولية العصيبة خلفا لرافائيل بينيتيز، بأن كل هذا الإنجاز سيتحقق على هذا النحو.
وتولى زيدان هذه المهمة رغم خبرته القليلة في عالم التدريب، ولكن بفضل الاحترام الذي يتمتع به كأحد أساطير الكرة في ريـال مدريد، تمكن من تهدئة الأجواء في المدرجات وداخل غرفة خلع الملابس، كما أعاد الفريق مرة أخرى للمنافسة، وأنهى ذلك الموسم بطريقة غير متوقعة، حيث توج بلقب دوري الأبطال بعد التغلب على أتلتيكو مدريد بركلات الترجيح في المباراة النهائية.
ويرى كثيرون أن زيدان هو مدير جيد للاعبين أكثر منه مديرا فنيا، فمنتقدوه يتحدثون دائما عن «حسن طالعه» ويصفونه بـ«المدرب المحظوظ».
وبعد نجاحه في تخطي عقبة الموسم الأول بنجاح، واجه زيدان بشجاعة تحديا جديدا هذا الموسم، وتمكن من قيادة ريـال مدريد للفوز بأول لقب له في الدوري الإسباني منذ 2012، وأنهى الموسم بقوة كبيرة بفضل سياسة التناوب الواسعة التي يتبناها والتي شارك فيها جميع اللاعبين بالفريق.
وقال زيدان بعد الفوز الكبير الذي حققه ريـال مدريد على يوفنتوس في نهائي دوري أبطال أوروبا: «لا أعرف ما الذي حققته تحديدا داخل غرفة خلع الملابس، أنا أشكل جزءا من هذا الفريق، الذي يكمن مفتاح نجاحه في أن يشعر الجميع بأنهم ذو أهمية».
والآن، يواجه زيدان تحديه الثالث، وعلى الأرجح سيكون الأكثر صعوبة، وهو يتمثل في الحفاظ على النهم وإقناع اللاعبين بالاستمرار في الفوز في إطار روح التضامن والأجواء الطيبة داخل الفريق، بالإضافة إلى إيمان الجميع بفكرة واحدة، ألا وهي تحقيق الألقاب. ولن يكون هذا بالأمر السهل على زيدان، فهناك لاعبون يطالبون باللعب بشكل أكبر، هذا بجانب إنعاش الجانب الذهني، الذي يتعرض للإنهاك دائما تحت تأثير لمعان الكؤوس ونشوة الفوز بالألقاب.
ويمتلك زيدان أسلحة متعددة تمكنه من النجاح في عبور التحدي الجديد، فهو يحظى بفريق قوي يعج باللاعبين المخضرمين أمثال سيرجيو راموس وكريستيانو رونالدو ولوكا مودريتش ومارسيلو وكريم بنزيمة، بالإضافة إلى عدد لا بأس به من اللاعبين الشباب الواعدين، مثل ماركو أسينسيو ورافائيل فاران وكارلوس كاسميرو، وهذا كله سيسمح له بتكوين أحد أقوى الفرق في العالم بل وربما الأفضل.