هل انتهى عصر الانفرادات الصحافية في زمن الإعلام الإلكتروني؟

لا شك أن وجود الإنترنت قد أثر على مراحل إنتاج المحتوى الصحافي والإعلامي، مما أسهم في زعزعة الكثير من آليات العمل الصحافي ومفاهيمه أيضاً وعلى رأسها الانفراد، فلم نعد نسمع عن انفرادات صحافية كبرى مؤثرة كما كانت في عصر ما قبل «السوشيال ميديا».
أعطت الإنترنت وتكنولوجيا التواصل الاجتماعي الصحافيين فرصا كثيرة لتوسيع مصادرهم والحصول على المعلومات ومتابعة الأحداث في كل مكان في العالم لحظة وقوعها. ومع وجود مواقع إلكترونية للصحف الورقية باتت التنافسية على سرعة بث الأخبار أكبر في عصر «الانفجار المعلوماتي»، وبالتالي أصبحت المواقع مطالبة ببث الأخبار في وقت قياسي فأصبح هناك بعض التغاضي عن الاختلاف في المضمون، فظهر «التناسخ المعلوماتي» بشكل فج، فما إن تبحث عن خبر على محرك البحث «غوغل» ستجد تطابقاً في العناوين والمحتوى الخبري مع اختلاف في اسم مصدر الخبر أو محرره فقط، فضلا عن تقليص دورة الأخبار، مما يتسبب أحيانا بأخطاء كارثية إذا ما لم يتم التحقق من مصداقيتها. فهل قضت كل تلك العوامل على الانفرادات الصحافية؟
ترى الكاتبة الصحافية أمل فوزي، رئيسة تحرير مجلة «نصف الدنيا»، أن «زمن الانفراد بالخبر الصحافي انتهي»، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يزال الصحافي قادراً على تحقيق الانفرادات في ألوان العمل الصحافي الأخرى، كالتحقيق أو الـ(الفيتشر) أو الحوار التي لا تزال مواضع تنافس كبيرة بين الصحف والمواقع، حتى إذا تم نقلها ونسخها يمكن للقارئ أن يتعرف على مصدرها الأصلي».
وتضيف: «هناك جانب إيجابي لوجود الإنترنت في العمل الصحافي وهو إمكانية التعرف على الأخبار المنسوخة أو المنقولة بسهولة عبر محرك البحث «غوغل» وعادة ما أقوم بالاستعانة به للكشف عن أصالة المحتوى الخبري».
وعن ظاهرة «نقل المحتوى» فهي ترى أن الصحافيين الشباب أصبحوا على دراية تامة بأن الإنترنت تكشف الأخبار المنسوخة، وتؤكد أن «الإعلام الإلكتروني وعصر الإنترنت لم يحد من مهارة الصحافي وكفاءته، بل يدفع الصحافي الجيد لتطوير أدواته والبحث عن مصادر مميزة تضمن له الانفراد والفرادة».
أما الكاتب الصحافي عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق المصرية، فيقول: «الانفرادات الكبرى للصحافة الورقية انتهت، خصوصاً فيما يتعلق بالأخبار، وذلك في العالم كله لكنها ما زالت متاحة أمام القصة الخبرية المعمقة والقصة التحليلية الخبرية؛ لأن فكرة الاشتغال على خبر ما وإرجائه للنشر الورقي أصبحت أمرا باليا، وتقريبا 95 في المائة من الانفرادات الصحافية بالتعريف القديم لها انتهت». ويضيف: «الصحف الورقية لم يعد لديها ترف أن تترك الانفراد الذي حصلت عليه لوقت يزيد عن 30 دقيقة لأنها لو لم تبث الخبر عبر موقعها الإلكتروني فإنها تضحي به وسيقوم بنشره موقع آخر أو صحيفة أخرى، ويروي: «في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حصلت على معلومات خاصة برفع أسعار الوقود بعد نشر الطبعة الأولى، وكان أمامي أن أنتظر لثلاث ساعات حتى موعد صدور الطبعة الثانية، أو نشر الخبر على الموقع الإلكتروني، وبالطبع فضلت نشر الخبر إلكترونيا حتى لا أجازف بـ«حرق الخبر» لأنه بالفعل بعد نشره بدقائق كان متاحا عبر جميع المواقع المنافسة».
ويشير إلى أن «خبر التغيرات الصحافية في المؤسسات الصحافية المصرية كان محل انتظار من الجميع، وقد نشره الأستاذ مصطفى بكري على حسابه على «تويتر» وأخذته عنه كل المواقع، فهو لم ينتظر نشره حتى على موقع صحيفته الإخباري، ما أقصده هنا هو أن سرعة نشر الخبر الموثوق من مصدره أصبح في حد ذاته انفرادا».
ويلفت إلى أن وجود الإعلام الإلكتروني أصبح يسبب إشكالية أخرى متعلقة بأن الأخبار كلها باتت مصدر شك، بل والصور أيضاً أصبحت محلا للشك في مصداقيتها، ويضرب مثلا بصورة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وهو يحاول الإمساك بيد بابا الفاتيكان، والتي تم تناقلها كصور ومقطع فيديو على أنها حقيقة، ويقول: «تقع الكثير من الصحف والمواقع في فخ الأخبار المزيفة والشائعات لذا أصبح التميز لدى الصحف الورقية هو نشر الأخبار بدقة وعدم الانسياق وراء ما يبث عبر الإعلام الإلكتروني أو المواقع الإخبارية، فالصحف لا يمكنها تصحيح الخطأ أما المواقع فيمكنها إعادة بث الأخبار إذا كانت خاطئة».
الكاتب الصحافي والخبير الإعلامي د. ياسر عبد العزيز يرى أن «عصر الانفراد لم ينته»، بل بالعكس أصبح الإعلام الإلكتروني دافعا للمزيد من الاجتهاد. ويقول، معرفاً الانفراد الصحافي: «هو الحصول على إفادة خبرية أو تغطية تهم قطاعا كبيرا من الجمهور يريد المنافسون الحصول عليها وتعز عليهم، بهذا التعريف تصبح الوسيلة التي تقوم ببث هذه التغطية في تنافس مميز؛ لأنها أحرزت ما أخفق فيه الآخرون في شروط تحقق الانفراد بالمعنى القديم. ويؤكد «شروط تحقق الانفراد في عصر الإعلام الإلكتروني باتت أصعب، أما الاجتهادات في تقديم زوايا أوضح لموضوع الانفراد أو الخبر بات أكثر تعقيدا». ويشير إلى أن كل هذه الظروف والتعقيدات التي فرضتها الإنترنت، خلقت نوعا من عدم الالتزام في وسائل الإعلام بضوابط ومعايير العمل الصحافي، جعلتها تنقل المحتوى دون الإشارة لمصدره إما بتجهيله «ذكر مصدر إعلامي» أو «ورد في تقارير صحافية»، دون نسب الخبر لمصدره الصحافي حيث إن «السطو» على الأخبار أصبح سهلا في عصر الإنترنت» لافتا إلى أنه في الماضي كانت دورة الإخِبار للصحف الورقية مدتها 24 ساعة أما الآن دورة الإخبار ووصول الخبر للرأي العام أصبحت لحظات أقل من الثانية. لكن عبد العزيز يرى أن «الانفراد لا يزال موجودا في وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة والإلكترونية، كما أنه ما زال يؤثر في مكانتها».
الإعلامي ألبرت شفيق، رئيس تحرير قنوات «إكسترا نيوز»، يتفق أن عصر الانفراد الصحافي لم ينته ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الانفراد أصبح هو الاختلاف، فقد أثرت الإنترنت بالإيجاب على جودة المحتوى وإثرائه، حتى لو تشابهت العناوين في الكثير من المواقع والجرائد إلا أن الصحافي أصبح يبحث بكل طاقته عن زوايا جديدة لم تعالجها المواقع والصحف المنافسة، صحيح أن آليات العمل باتت أصعب على الصحافي لكن الانفراد أصبح هو القدرة على الوصول للحقيقة»
وفيما يخص الانفراد التلفزيوني أو الخاص بقنوات الأخبار وقدرتها على منافسه الإعلام الإلكتروني «السوشيال ميديا»، يؤكد شفيق: «أن القنوات الفضائية في تنافسها الحثيث مع وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مطالبة بتحسين جودة المضمون الخبري وتناوله من زوايا متعددة، وفي ظل «فوضى السوشيال ميديا» أصبحت القنوات الفضائية تحقق انفرادها بمدى مصداقية الأخبار التي تنقلها» ويشير إلى ضرورة مرور الخبر بعدة مراحل للتأكد من مصداقيته قبل بثه، فلم يعد الانفراد مرتبطا بعامل السرعة بقدر ما هو متعلق بمصداقية الأخبار، خاصة وأن كثيراً من الأخبار التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي يشوبها عدم الدقة مما قد يؤدي لفقدان الوسيلة الإعلامية التي تعتمد عليها لمصداقيتها لدى الجمهور».
الأستاذ غالي محمد، رئيس مجلس إدارة دار الهلال الأسبق، يرى أن: «الانفرادات لا تزال موجودة وأن نقل الصحف والمواقع وان كان أمرا في ظاهرة كارثيا إلا أن الجمهور أصبح واعيا وأصبح من السهل معرفة أول موقع نشر الخبر، حيث تظهر محركات البحث تاريخ نشر الخبر وتوقيت نشره عبر الإنترنت» ويضيف: «إن السطو لم يعد فقط على المحتوى المكتوب بل والصور أيضاً أصبحت محلا للسطو» ويرى أن الصحف الورقية عليها تطوير آلياتها لمواكبة التغير التكنولوجي الذي ألم بمهنة الصحافة والإعلام وحماية ملكيتها للمحتوى، لافتا إلى «أن دار الهلال بما تملكه من أرشيف صور مميز ونادر تتعرض في كثير من الأحيان للسطو على أرشيفها الفوتوغرافي من قبل المواقع إلكترونية إلا أن هذا السطو أصبح الآن مكشوفا في عصر الإنترنت».