مدارس الأشبال... إرهاب من أول سطر

كشف إعلان لصحيفة «النبأ» الأسبوعية التي يصدرها تنظيم داعش الإرهابي افتتاح مدرسة جديدة للأطفال جنوب دمشق، الستار عن محاولات التنظيم المستمرة بالاهتمام بالمدارس والتعليم والرهان على عقول الأطفال وتعويدهم على العنف، تعويضا لخسائره التي مُني بها بسبب هجمات التحالف الدولي في سوريا والعراق - أرض الخلافة المزعومة.
وقال باحثون وأكاديميون ومراقبون مصريون: إن هذه المدارس أو «مدارس الأشبال» كما يطلق عليها التنظيم، هي بوابة «داعش» لغسيل الأفكار، وأن إنشاءها يسهم في ترسيخ فكرة أن التنظيم قد تحول لدولة لها دواوين وإدارات تعمل وفق أسس وقوانين؛ لذلك فهي تحمل على جدرانها صورا لأسلحة حربية ومسلحين يحملون السيوف.
المدرسة الجديدة للأطفال - أو من يطلق عليهم «الأشبال» – الالتحاق بها من عمر 12 سنة؛ بهدف إعدادهم فكريا وعسكريا ليخوضوا معارك التنظيم ويحملوا رايته في المعارك والحروب التي يخوضها التنظيم ضد الدول والمجتمعات المسلمة.
ويشار إلى أن «داعش» تبنى الاستثمار بالأطفال باعتبارهم ورقة مهمة لتأمين عملية الإمداد بالعناصر المقاتلة لسنوات لاحقة، عبر إخضاعهم خلال نشاط التبني وعملية التجنيد لدورات شرعية وعسكرية إجبارية.
ويرى مراقبون أن «مدارس التنظيم مختلفة تماما، فجدرانها ملونة بالأبيض والأسود، رسم عليها صور للأسلحة الحربية ومسلحين يحملون السيوف... وبالنسبة للمدرسين فهم من عناصر التنظيم... أما المناهج فهي كارثة حقيقة، حيث يضم غالبيتها كتب الفقه الإسلامي برؤية المتطرفين القائمة على تكفير الآخر وقتل المختلف معه في التوجه والعقيدة... بينما تدرس مادة الرياضيات عن طريق وضع أمثلة للضرب والطرح بالاعتماد على رسومات الأسلحة والبنادق والقنابل والسيوف.
المدرسة الجديدة لـ«داعش» في دمشق بحسب باحثين، مدة الدراسة 3 سنوات مُقسمة على 6 مراحل، كل منها 6 أشهر، حيث يتم فيها تلقين الأطفال مجموعة من المبادئ والأفكار التكفيرية التي تسهم في تخريج مجموعة من المقاتلين الموالين لقادة التنظيم والمبايعين لخليفته المزعوم أبو بكر البغدادي، إضافة إلى التدريبات العسكرية والبدنية اللازمة للدفع بهم في غمار المعارك والحروب.
بينما شددت دراسة مصرية على أن تركيز التنظيم الإرهابي على الأطفال وإنشاء المدارس والمراكز الخاصة بهم يرجع إلى رغبة التنظيم في ضمان استمرارية الإمداد البشري للفكر والعنصر الداعشي، إضافة إلى سهولة تلقين الأطفال بأفكار وقيم تكفيرية تخدم أهداف التنظيم وتنشر آيديولوجيته... فضلا عن أن الإعلان عن إنشاء المدارس يسهم في ترسيخ فكرة أن التنظيم قد تحول إلى دولة لها دواوين وإدارات تعمل وفق أسس وقوانين يضعها قادة التنظيم وقياداته.
ومدارس «داعش» تتوزع بين عدد من المناطق السورية من بينها مدارس مدينة الشدادي وعددها 6 مدارس مختلفة بين تعليم أساسي وثانوي... ومدارس أخرى في مدينة البريج، من بينها «بريج الشرقي»، و«الشهيد محمد عواد الصالح»، وثانوية «العريشة العامة» و«الثانوية الصناعية»... وعدد آخر من المدارس في الدحام والحداجة وعجاجة.
عبد السلام محمد، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية في مصر، قال إن «داعش» يسعى لتطبيع الأطفال على العنف في هذه المدارس، من خلال تنفيذ عمليات الإعدام في الساحات العامة أمام الصغار وجعلهم يكبرون ويهتفون له عند قطع الرؤوس.
مضيفا: أن التدريبات البدنية لتعويد الأطفال على تحمل أهوال المعارك، لافتا إلى أنه يتم التدريس للأطفال عبر شاشات كبيرة، وهو الأسلوب نفسه الذي يتبعه التنظيم مع عناصره المبايعين له، موضحا أن «داعش» يُلقن الأطفال الأفكار والآيديولوجيات المتطرفة في سن مبكرة جدا، إضافة إلى تدريس المناهج الأكثر وحشية، كما يقوم بعمليات الإعدام العلنية أمامهم، ويعرض لهم أشرطة الفيديو الخاصة بأعمال العنف، ويمنحهم ألعابا مكونة من أسلحة، ليغذي عقولهم بالعنف وسياسة القتل.
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الأطفال الذين يقاتلون في تنظيم داعش؛ لكن خبراء قدروهم في عام 2016 بنحو 1700 طفل مقاتل يتوزعون بين أراضي التنظيم في سوريا والعراق.
وقال مراقبون: إنه في عام 2016 اعتمد التنظيم بشكل متزايد في العمليات الوحشية، ولا سيما الإعدامات على الأطفال، وقد بث التنظيم إصدارات مرئية عدة تظهر أطفالا يقومون بعمليات إعدام بحق رهائن سقطوا في يد التنظيم، أو عناصر من التنظيم فكروا من الهرب من أرض الخلافة – المزعومة – عقب اكتشاف زيف مزاعم «داعش».
كما أجبر «داعش» الأطفال على مشاهدة تسجيلات فيديو وهم يشاركون في قتل سجناء... وأحد تسجيلات «داعش» المصورة شارك فيها خمسة أطفال، منح 4 منهم مسدسات لقتل السجناء، في حين أعطي الخامس سكينا لنحر سجين آخر.
ولفت الدراسة المصرية التي أعدتها دار الإفتاء المصرية إلى أن عملية إعادة تأهيل الأطفال الذين خضعوا لعمليات التلقين والتدريب على أيدي «داعش» تعد عملية معقدة وطويلة المدى ولا يمكن التكهن بنتائجها؛ لذا ينبغي أن تتكاتف الجهود وتتضافر الأعمال لأجل منع التنظيم من نقل أفكاره وممارساته الوحشية إلى الأطفال والنشء، وإعداد البرامج والإجراءات اللازمة لإعادة تأهيل الأطفال المنضوين تحت لواء التنظيم الإرهابي، وإكسابهم المعارف والعلوم الصحيحة البعيدة عن التطرف والغلو، ومنع التنظيم من استخدامهم كوقود ليبقي معاركه وحروبه وصراعاته الدموية لأطول فترة ممكنة.
ويرى باحثون أن التنظيم يبدأ بالتواصل مع الأطفال بشكل ودي عبر توزيع الحلوى والسماح لهم برفع علم التنظيم... ثم ينشر التنظيم تعاليمه بين الأطفال في المدارس، وفي مقدمتها التمثيل بعمليات قطع الرؤوس على دمى ترتدي زي الإعدام البرتقالي.
وسبق أن نشر التنظيم شريط فيديو مصورا لأطفال وهم يرتدون الزى العسكري والأحزمة الناسفة لتدريبهم على تفجير أنفسهم، والقتال ضد دول أعضاء التحالف الدولي، وقال التنظيم في الفيديو الذي بثه باللغة الفرنسية «أموالكم وحياتكم ليست معصومة... لدينا، وأطفالنا جاهزون لقتلكم».
وعن عدد الأطفال في مدارس «داعش» ومن يقوم بتعليمهم في تلك المدارس، تقول الباحثة والأكاديمية بجامعة القاهرة عبير عبد الرحيم: إن «كل مدرسة تضم ما بين 50 إلى 70 من الأطفال، أما المعلمون فمعظمهم من حملة الشهادات الثانوية يتم إخضاعهم لدورة مدتها شهر كامل بعد الاستتابة والتي تعني التخلص من كافة الأفكار المناهضة لـ(داعش)».
مضيفة: يعتمد تنظيم داعش على مناهج خاصة به... وفي مدارس «أشبال الخلافة» يتم تدريب الأطفال على 3 مستويات، تضم التدريب الديني على «الفكر الجهادي»، والتدريب العملي على طرق استخدام الأسلحة، والتدريب النفسي بالمشاركة في ذبح أعداء التنظيم لتعزيز شعور الانتماء لدى الصغار. وأوضحت الباحثة عبد الرحيم، أنه يحق لأي شخص يجيد القراءة والكتابة الانضمام إلى كوادر «مدرسي (داعش)» بشرط تجاوز دورة شرعية لمدة شهرين في المساجد، قبل أن يتخصص في تدريس مادة محددة كالتوحيد أو اللغة العربية، ويتم منحه راتبا شهريا في مقابل التدريس للصغار.
أما فيما يتعلق بالموجهين التربويين ومن يتولون إدارة المدارس، قالت عبير عبد الرحيم «هي حكر خاص بالمبايعين بيعة انتماء وولاء لتنظيم داعش». مضيفة: إن التنظيم الإرهابي يركز في جهوده على تلقين الأطفال منهجا تعليميا قائما على التطرف، وتعزيز فكرة أن يصبح هؤلاء الأطفال إرهابيي المستقبل، كما أن الجيل الحالي من المقاتلين يرى هؤلاء الأطفال أفضل وأكثر فتكا منهم؛ لأنهم - من وجه نظر «داعش» - لم يختلطوا بالقيم العلمانية والمجتمعات الكافرة – على حد زعم التنظيم.
لافتة إلى أن التنظيم يرى في الأطفال وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يتم تدريبهم منذ نعومة أظافرهم على الفكر التكفيري الدموي، حيث يعد الأطفال صيدا ثمينا لجماعات التطرف بسبب استغلال حسن نيتهم وضعف مداركهم، لأن عقولهم كـ«لوح أبيض» يمكنه نقش عقيدته الدموية عليه كما يشاء.
ويؤكد الخبراء أن «التنظيم يعلم جيلا من الأطفال في معسكرات التدريب التابعة له على التنصت على آبائهم وحتى قتلهم، وينشئ جيلا من التكفيريين الجادين، وعندما يكبر الأطفال يبدأون في تعليم الأجيال التي تليهم ما تعلموه وهم في عمر الزهور».