التحالف الدولي يشارك في عمليات المعارضة السورية ضد «داعش» قرب الأراضي العراقية

تضاعف الانخراط العسكري المباشر، الجوي والبري، لقوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، خلال الأيام الماضية على نحو فعال في المنطقة الشرقية من سوريا، في مسعى لتمكين القوات السورية المعارضة الحليفة له من التقدم داخل محافظة دير الزور، وتمثّل في تفعيل الغارات الجوية والعمليات الخاصة إلى جانب العمليات البرية المباغتة في المعارك ضد تنظيم داعش.
هذا التدخل تفعّل في لحظة سباق بين التحالف الدولي وقوات النظام السوري المدعومة بميليشياتها للوصول إلى منطقة الحدود السورية - العراقية، حيث يسير النظام في معركتين متوازيتين، الأولى عبر خط تدمر - السخنة - دير الزور، والثانية عبر القلمون الشرقي من جهة ظاظا والسبع بيار لإعادة فتح طريق دمشق - بغداد عبر معبر التنف الحدودي، وتأمين «خط الحرير الإيراني من طهران إلى دمشق»، وهي المنطقة نفسها قرب التنف التي ضاعف فيها التحالف عملياته، مما يهدد حكماً بتقدم النظام إليها.
وحلقت طائرات هليكوبتر تابعة للتحالف الدولي على علو منخفض قرب مدينة البوكمال (بمحافظة دير الزور ليل الثلاثاء - الأربعاء، بحسب ما نقل «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن مصادر موثوقة أكدت أن التحليق جرى في أجواء قرية السيال الواقعة في ريف المدينة، حيث ألقت هذه الطائرات قنابل ضوئية في سماء المنطقة التي توجد فيها شركة «الصفا»، المتخذة كمقر من قبل تنظيم داعش، وحصل تبادل لإطلاق النار بين عناصر كانوا على متن الهليكوبترات، وعناصر من التنظيم الموجودين في المقر، وعناصر آخرين كانوا يستقلون سيارتين بالقرب من الشركة، كما استهدفت الهليكوبترات سيارتي التنظيم، مما تسبب في تدميرهما.
الواقعة أكدها مصدر سوري معارض في المنطقة الشرقية لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أنها «دليل على تفعيل قوات التحالف لعملياتها العسكرية في المنطقة»، لافتاً إلى أن العملية «جزء من سلسلة عمليات جوية وبرية ينفذها التحالف ضد (داعش)». وأوضح المصدر أن قوات أميركية وبريطانية ونرويجية موجودة من ضمن قوات التحالف الموجودة في قاعدة التنف العسكرية، «وتضطلع بدور عسكري استشاري وقتالي أيضاً»، مؤكداً أن «القوة البرية تشارك في العمليات البرية ضد (داعش)، وتنفذ عمليات خاصة ضد التنظيم، وتصد الثغرات على الجبهات في المعارك التي تنفذها قوات الجيش السوري الحر، قبل أن تعود إلى معسكر التنف»، لكنه أشار إلى أن قوات التحالف «تقاتل في الخطوط الثانية، وليس الخطوط الأولى، إلى جانب تقديم إحداثيات للضربات الجوية التي تنفذها طائرات التحالف في المنطقة».
وللعلم، تنتشر قوة عسكرية سورية معارضة مدعومة من قوات التحالف في المنطقة الممتدة من مدينة التنف الحدودية بين سوريا والعراق والأردن، إلى العمق غرباً حتى مسافة 150 كيلومتراً في بادية حميمة الواقعة شرق تدمر، كما تنتشر شمالاً إلى جنوب شرقي دير الزور قرب حدود منطقة البوكمال. لكن هذه القوة، التي تنفذ دوريات في البادية، غير قادرة على تغطية المنطقة الجغرافية الشاسعة، وتحتاج إلى عدد أكبر لتغطية انتشارها في المنطقة، كما قال قائد «جيش مغاوير الثورة» العقيد مهند الطلاع لـ«الشرق الأوسط»، نافياً في الوقت نفسه انعقاد اجتماع للفصائل السورية مع التحالف الدولي في العاصمة الأردنية عمّان، لتنسيق نقل مقاتلين من الشمال الشرقي لدير الزور باتجاه التنف.
وقال: «نقل المقاتلين هو فكرة مطروحة منذ فترة، لكنها لم تُترجم عملياً. نحن نحتاج إلى قوة مقاتلة أكبر تمكننا من طرد (داعش) من دير الزور». وتابع الطلاع: «نمتلك قوة عسكرية جيدة، لكن المساحات الجغرافية الواسعة تحتاج إلى عدد كبير بهدف تأمين الانتشار في المناطق التي تقدمنا إليها، وتصل إلى مسافة تبعد 150 كيلومتراً إلى العمق من مدينة التنف الحدودية مع الأردن وسوريا، كما بتنا قريبين من منطقة البوكمال شمالاً، فضلاً عن أن التقدم باتجاه الغرب وصل إلى ظاظا والسبع بيار التي دخل إليها النظام فجأة في أخيراً». ويسعى النظام من خلال هذا التقدم إلى ظاظا والسبع بيار الواقعتين في شمال شرقي القلمون الشرقي، إلى تسهيل عبوره إلى معبر التنف، مما يمكنه من إعادة فتح خط دمشق – بغداد، غير أن هذا التقدم قابله تقدم موازٍ للقوات السورية المدعومة من التحالف، وهو ما يشكل رادعاً لعدم احتكاك النظام معهم أو اقترابه مع قوات التحالف الأجنبية الموجودة في المنطقة، خلافاً لعمليات تقدمه على حساب قوات المعارضة التي تنتشر في القلمون الشرقي، وأبرزهم «أسود الشرقية»، ويقاتل «داعش» في المنطقة.
من جانب آخر، قال الباحث الاستراتيجي والخبير العسكري الأردني الدكتور فايز الدويري لـ«الشرق الأوسط» إن المنطقة التي يتسابق إليها النظام وحلفاؤه من جهة، والتحالف الدولي من جهة أخرى، هي منطقة شبه فراغ سكاني وشبه خالية من مفهوم السيطرة العسكرية، حيث كان تركيز الأطراف المتحاربة على المدن، وترك البادية، لكن الآن وبعد جولات آستانة وجنيف وتطورات الرقة وتدمر وخلط الأوراق الذي حصل، «ظهر شيء في الأفق هو مفهوم (طريق الحرير الإيراني) الذي يمتد من قُم إلى بغداد وشمال الموصل، وصولاً إلى الأراضي السورية»، لافتاً إلى أن مشروع «طريق الحرير الإيراني» كان مخططاً له أن يمر عبر منطقة الجزيرة وجنوب محافظة حلب، قبل أن يتمكن النظام من قلب المعادلة حول دمشق، مما دفعه للتفكير بفتح طريق دمشق بغداد عبر التنف، وهي أقرب من الخط الأول.
وقال الدويري: «هذا الاهتمام الإيراني ترجم على الأرض ببعدين؛ الأول تمثل في اندفاع الحشد الشعبي العراقي باتجاه البعاج والقيروان العراقيتين، والثاني باندفاع النظام مدعوماً بميليشيات مدعومة من إيران إلى السبع بيار وظاظا آملاً بالوصول إلى التنف»، رغم أن النظام يسير في معركة موازية أيضاً عبر تدمر - السخنة - دير الزور، لا يلتقي بزاويته مع الاتجاه الأول. وأردف الدويري شارحاً: «في ظل الواقع الحالي، تُطرح الأسئلة: أين سيذهب (داعش)، الجميع يفكر بتحقيق مكاسب. فالأميركيون يركزون على الرقة، ويضعون رؤية للسيطرة على مجرى الفرات الممتد من الطبقة في الشمال حتى مدينة الميادين والبوكمال في الشرق، لكنهم وجدوا في القسم الأول منها شريكاً مقاتلاً استراتيجياً هو ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بينما تغيب الجهة التي سيعتمد عليها الأميركيون لاستثمار جهدهم بالجزء الثاني في شرق سوريا، رغم أن هناك محاولات، ومن بينها القوات المدعومة من التحالف التي تقاتل الآن إلى جانبهم»، ثم لفت إلى أن تمديد واشنطن لدعم الأكراد من الشمال باتجاه دير الزور، في حال فشل الاعتماد على القوة الموجودة شرقاً «سيثير حساسيات إقليمية، لأنها مرتبطة بتوسع الكانتون الكردي من الشمال إلى الحدود العراقية وصولاً إلى الحدود مع الأردن».
وأضاف: «المعركة في دير الزور، هي معركة أميركية لقطع طريق الحرير الإيراني، ومن هنا تأتي أهميتها. لكن الأسئلة تتمثل في: هل يستطيع التحالف توجيه القوات السورية الحليفة بشكل صحيح ودعمها بالإسناد الناري الكافي والمستشارين؟ إذا استطاع، فإنه سيتمكن من قطع الطريق الإيراني». وإذ أشار إلى أن النظام وصل إلى منطقة السبع بيار من دون قتال، قال إن النظام سيتوقف عند تلك النقطة ولن يتقدم إلى التنف «منعاً لأي مواجهة مع القوات الأميركية والبريطانية الموجودة في المنطقة»، لكنه في الوقت نفسه «سيتريث ليرى في أي اتجاه سيحرك قواته بحسب متطلبات الموقف ومتغيراته».
* قوتان سوريتان ضد «داعش» في البادية
تنتشر قوتان سوريتان معارضتان ضد «داعش» في البادية السورية الجنوبية والشرقية؛ الأولى هي «مغاوير الثورة» وفصائل حليفة تحظى بدعم أميركي وتعمل تحت غطاء التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. أما وجهتها، فهي مدينة دير الزور على طور الحدود الشرقية الممتدة من التنف على مثلث الحدود السورية - الأردنية - العراقية، وشمالاً باتجاه دير الزور. وتطورت من ميليشيا «جيش سوريا الجديد» التي أُعلن عنها في الصيف الماضي وتعرضت لانتكاسة إثر ضربة جوية يُعتقد أنها روسية استهدفت معسكراً لهم في المنطقة، إلى «جيش مغاوير الثورة»، ولم يسجل لها أي احتكاك مع قوات النظام. أما القوة الثانية، فهي «أسود الشرقية» المدعومة من غرفة «الموك»، ويقتصر دعم الغرفة لها على الدعم اللوجيستي والتسليحي، من غير مشاركة في القتال إلى جانبها. وتنتشر هذه القوة في بادية جنوب شرقي السويداء حتى القلمون الشرقي، واستطاعت أن تحرز تقدماً كبيراً منذ 18 مارس (آذار) الماضي على حساب «داعش». ويقول مسؤول المكتب الإعلامي لـ«أسود الشرقية» سعد الحاج لـ«الشرق الأوسط» إن المعركة الأولى التي حملت عنوان «أسرجنا الجياد» سيطرت على مناطق مهمة على طول الحدود مع الأردن في جنوب شرقي سوريا والغوطة الشرقية والقلمون الشرقي، بينها معقل «داعش» في بير قصب، وصولاً إلى عمق البادية الشرقية قرب معبر التنف والعليانية وسرية البحوث العلمية إلى الحدود الأردنية.
ولفت إلى أن المعارك تواصلت حتى الفترة الأخيرة، حيث توقفت عند منطقة المحسا القريبة من ريف حمص الشرقي، وهي منطقة جبلية تربط بين البادية والقلمون الشرقي، ولا يزال «داعش» يسيطر عليها، مشيراً إلى أن السيطرة على هذه المنطقة «كان سيسهم في فك الحصار عن الغوطة الشرقية».
هذه الخطة تعرضت لانتكاسة قبل أسبوع، بعد اجتماع «آستانة» والاتفاق على مناطق تخفيف التصعيد. ويقول الحاج إن النظام «سحب قوات من الشمال ووجهها باتجاه البادية حيث تمركزت في منطقة السين ونقاط عسكرية محيطة، قبل أن تصل تعزيزات أخرى مَكَّنَت النظام من التقدم إلى السبع بيار وظاظا في عمق البادية القريبة من مطار السين، كونها تسهل وصوله إلى التنف شرقاً، فضلاً عن أنها تؤهله إلى الوصول باتجاه حاجز المثلث شرقي مطار السين جنوباً، وحاجز البصيري في تدمر شمالاً». ويضيف الحاج: «سيطرة النظام على السبع بيار أربكت صفوفنا وفرضت علينا معركة مع النظام، علماً أنها كانت على مدى سنتين تحت سيطرة (داعش)».