كيف استسلمت الكونغو لكابيلا الأب دون مقاومة قبل 20 عاما؟

في 17 مايو (أيار) دخلت قوات تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو وعدد كبير من الجنود الروانديين كينشاسا. واستقبلهم الناس المبتهجون، على وقع هتافات «المحررون» و«ننتظرك يا كابيلا» (لوران - ديزيريه كابيلا)، الذي كان آنذاك في لوبومباشي في الجنوب الشرقي، حيث أعلن نفسه رئيسا لجمهورية الكونغو الديمقراطية. ووصل العاصمة في 20 مايو من الشهر نفسه. وسرعان ما نسي سكان كينشاسا فرحهم مع إخضاع المعارضة والوجود الكثيف المرهق للجنود الأوغنديين والروانديين والانحراف السريع للحكم نحو الديكتاتورية والاستبداد.
استسلمت كينشاسا التي أرهقتها ديكتاتورية لا تطاق لقوات لوران - ديزيريه كابيلا، في 17 مايو 1997، من دون معارك. وتتذكر شانتال كيكالولو، كما جاء في تحقيق أجرته الوكالة الفرنسية في ذكرى سقوط كينشاسا، «أنهم (قوات كابيلا) كانوا صغارا جدا، قذرين وجائعين، وينوءون تحت ثقل أسلحتهم. ومن دون أي تردد، قدمنا لهم الشراب والمواد الغذائية». ويتذكر سيدريك كابيا، الملقب زيمبابوي، جندي المشاة الذي شارك في تلك الأحداث، عندما كان في السادسة عشرة من عمره، «منذ بزوغ فجر 17 مايو 1997، بدأ عدد كبير من سكان كينشاسا المتحمسين يتوافدون إلينا حاملين خبزا وقناني ماء ودلاء ماء لغسلنا».
ويقول ضابط سابق رفيع المستوى من القوات المسلحة الزائيرية، إن آخر «اشتباكات حقيقية مع العدو» حصلت في كينغي التي تبعد أكثر من 200 كلم شرق كينشاسا. وأضاف أن «الدفاع عن كينشاسا لم يعد مبرراً» بعد سقوط هذه المدينة، «إلا إذا كان ثمة رغبة في حصول حمام دم» في مدينة يعيش فيها الملايين. وفي 16 مايو، وصل تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو، إلى أبواب كينشاسا. وفر موبوتو إلى معقله في غبادوليت على الحدود مع أفريقيا الوسطى. وقرر الجنرال دوناتيان ماهيلي ليكو، رئيس الأركان، أن يسلم المدينة من دون قتال. واغتاله خلال الليل عناصر من الفرقة الرئاسية الخاصة، التي كانت تشكل المجموعة الأخيرة الموالية لـ«الفهد».
وفي أقل من سبعة أشهر، حصل لوران - دزيريه كابيلا وتحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو اللذان انطلقا من الشرق في أكتوبر (تشرين الأول) 1996، على الدعم والسلاح من رواندا وأوغندا، أسياد ما كان يسمى آنذاك زائير، البلد المترامي الأطراف الذي استنزفته اثنتان وثلاثون عاماً من حكم المارشال موبوتو.
استفاد كابيلا من إطار إقليمي ودولي مؤاتٍ جدا. فبالإضافة إلى رواندا وأوغندا، حصل على دعم ائتلاف يضم أيضاً أنغولا وبوروندي، كان ينوي طرد موبوتو بعد أن تخلت عنه البلدان الغربية التي دعمته منذ تسلمه الحكم في 1965، حتى انهيار الاتحاد السوفياتي.
وخلال سيطرتها على البلاد، يبدو أن سمعتها كقوات منضبطة التي تتناقض مع سمعة القوات المسلحة الزائيرية، سبقت قوات تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو التي جندت بالقوة أطفالا ومراهقين. وقال زيمبابوي الذي انصرف إلى تصليح الأدوات الكهربائية بعد تسريحه في 1999: «كنا نشتبك مع مرتزقة بيض أكثر مما نشتبك مع جنود من القوات المسلحة الزائيرية السابقة».
ويتذكر الجنرال - مايجور جان - كلود كيفوا، الذي أصبح اليوم قائد منطقة الدفاع الثانية، أن «أكثرية المدن كانت تسقط بين أيدينا من دون أن يبدي مقاومة رجال موبوتو الذين تراجعت معنوياتهم ونبذهم الناس».
وأضاف هذا القائد السابق لحرس لوران - دزيريه كابيلا، أن الناس كانوا يتعاونون بسهولة كبيرة، «لأنهم ضاقوا ذرعا من تعرضهم للمهانة والنهب والقتل المجاني برصاص الجنود السابقين في القوات المسلحة الزائيرية غير المنضبطين». وقال إن كبار المسؤولين في القوات المسلحة الزائيرية ضاقوا ذرعا بالمابوتية، وإن التمرد كان يستخدم «معلومات استراتيجية» تصله من رئاسة الأركان نفسها.
وأعرب أدولف موزيتو رئيس الوزراء السابق لكابيلا الابن عن أسفه بالقول: «كانت خيبة أمل كبيرة شاملة (...) سرعان ما أدرك الشعب أن لوران - دزيريه كابيلا وصل إلى الحكم على متن دبابات رواندية، وأن الوقت حان لتحريره من (هؤلاء) الأجانب الذين كان دورهم الضاغط واضحاً للعيان». وقال زيمبابوي إن «الذين استقبلونا استقبال الأمراء، تحولوا فجأة معادين، وباتوا يعتبروننا روانديين».
وقال ماتابارو، الجندي السابق: «اتهمونا بأننا نتصرف كما لو أننا في بلد محتل». وأضاف: «بدأ قادتنا الروانديون ينهبون ممتلكات أنصار موبوتو، ويسيئون معاملة المارة الآمنين من دون سبب وجيه على أنهم جنود موبوتو».
وفي أواخر يوليو (تموز) 1998، أعاد كابيلا الجنود الروانديين والأوغنديين إلى بلادهم. وبعد أيام، اجتاحت رواندا جمهورية الكونغو الديمقراطية. وبدأت عندئذ الحرب الثانية في الكونغو التي استمرت خمس سنوات. ولقي مئات الآلاف حتفهم في أعمال العنف في زائير ثم في جمهورية الكونغو الديمقراطية بين 1996 و2003. واغتال جندي سابق كابيلا في يناير (كانون الثاني) 2001. وخلفه ابنه جوزيف (29 عاما). وانتخب رئيساً في 2006 في أول انتخابات حرة في البلاد منذ استقلالها في 1960. ولا يزال كابيلا الذي يحظر عليه الدستور الترشح مرة ثانية، رئيساً فيما انتهت ولايته منذ ديسمبر (كانون الأول).