«طريق الحرير الجديد»... العولمة بمواصفات صينية

تستعد الصين، يوم الأحد المقبل، لاستضافة قمة إقليمية موسعة تستهدف الترويج لمبادرتها الدولية «طريق الحرير الجديد». وعندما يقف الرئيس الصيني شي جينبينغ لالتقاط صورة تذكارية جماعية مع مجموعة من أقوى الزعماء السياسيين لدول «أورآسيا» في عاصمة بلاده، سيمثل ذلك إنجازا مهما جديدا في جهوده لتعزيز مكانة الصين كأكبر قوة إقليمية.
ويشارك في القمة المنتظرة مسؤولون كبار من أكثر من مائة دولة، بينهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والرئيس الفلبيني رودريجو دوتيري. وسوف تستمر القمة التي تعقد تحت مظلة «منتدى الحزام والطريق» يومي 14 و15 مايو (أيار).
وتعتبر مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلق اسمها على المنتدى الذي تستضيفه بكين، محاولة صينية لإقامة شبكة تجارية وبنية تحتية لتحسين سبل اتصالها مع دول وسط وجنوب شرقي آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وتمثل مبادرة «الحزام والطريق» التي تستهدف إحياء طريق التجارة العالمي القديم المعروف باسم «طريق الحرير» وتعزيز العلاقات التجارية للصين مع مختلف دول العالم، أحد أكثر أهداف الرئيس الصيني الاقتصادية والجيوسياسية طموحا.
وكانت الصين قد أعلنت عن مبادرة «الحزام والطريق» لإحياء طريق الحرير لأول مرة أواخر 2013، حيث تستثمر نحو 40 مليار دولار في مشروعاتها التي تقدر تكلفتها الإجمالية بأكثر من تريليون دولار.
ويقول بنك «التنمية الصيني»، إنه يتابع بالفعل أكثر من 900 مشروع في 60 دولة تزيد قيمتها على 890 مليار دولار. ورغم الأموال الطائلة المرصودة لهذه المبادرة فإنها ما زالت تبدو كفكرة عامة وبلا هيكل محدد حتى الآن.
وتشير كلمة «الحزام» إلى طرق النقل والتجارة البرية، فيما تشير كلمة «الطريق» إلى خطوط الملاحة البحرية التي ستربط موانئ الصين بموانئ جنوب شرقي آسيا وأفريقيا وأوروبا. ولكن إلى جانب البنية التحتية في مجال الطرق والنقل التي تمثل جوهر المبادرة، اعتبرت الصين الشراكات في مجالات الاتصالات والتكنولوجي، ودراسة اللغات الأجنبية وإقامة مهرجان سنيمائي وغيرها جزءا من المشروع.
ويقول توم ميللر، مؤلف كتاب حول طريق الحرير الجديد، إن «كل شيء تقريبا عبارة عن حزام وطريق، أي مشروع تقريبا في أي دولة على امتداد الحزام والطريق يعتبر الآن (جزءا من المبادرة) سواء كانت أو لم تكن له علاقة بالربط بين الدول (التي تشملها المبادرة)».
وفي حين تقوم الصين بتسويق المبادرة باعتبارها صفقة مربحة لكل الأطراف، فإن لديها أهدافها الاقتصادية والجيوسياسية المزدوجة، بحسب المراقبين. فمن ناحية، تريد الصين توسيع نفوذها على الدول المجاورة من خلال «دبلوماسية البنية التحتية»، ومن ناحية أخرى، فهي تريد أن تعالج المبادرة المخاوف الاقتصادية المحلية الضاغطة.
ويقول ميللر إن «الصين تريد السيطرة على آسيا مجددا، وهي تستخدم سياستها الخارجية لتحقيق هذا الهدف، وفي حين تسيطر الولايات المتحدة على نصف الكرة الأرضية الغربي، تريد الصين السيطرة على النصف الشرقي منها، وتحاول البناء من خلال تحسين قنوات الاتصال والمواصلات، وجعل الصين مركزا تجاريا، حيث ينتهي كل طريق (في هذه الشبكة) إلى بكين».
في الوقت نفسه، فإنه من الأهداف الرئيسية بالنسبة للصين، أن يدعم طريق الحرير أهدافها المحلية. وفي مقدمة هذه الأهداف مساعدة المناطق الفقيرة والمتخلفة في الصين، مثل إقليم شينغ يانغ، غرب الصين، في اللحاق بالمناطق الساحلية المتقدمة، بحسب بيتر كاي، الباحث في معهد «لوي» للسياسة الدولية الموجود في أستراليا.
ويقول كاي إنه «بدلا من تطوير هذه الأقاليم بمزيد من أموال الحكومة المركزية، يريد صناع السياسة في الصين دمجها في الاقتصادات الإقليمية» المجاورة. ومن الأمثلة على ذلك «الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان» الذي يربط إقليم شينغ يانغ الصيني بميناء جوادار الباكستاني حيث تعهدت الصين باستثمار 45 مليار دولار في مشروعات البنية التحتية والطاقة في باكستان، لتصبح من أهم مشروعات مبادرة «الحزام والطريق».
الأمر الثاني، أنه في حين تريد الصين تحديث قطاعها الصناعي من خلال إنتاج منتجات متقدمة تقنيا للأسواق الغربية، فإنها تبحث أيضا عن طرق لتسهيل التصدير. ويقول كو هونغ، مدير قطاع الأنشطة الدولية في مجموعة «داليان» للصناعات الثقيلة في إقليم لياونينغ شرق الصين، إن المبادرة تسهل الوصول إلى الدول المشاركة فيها وتزيد الدعم المالي المقدم من الحكومة للشركات. أضاف أنه يتوقع أن تؤدي المبادرة إلى زيادة نسبة الصادرات من إجمالي أنشطة شركته من 35 في المائة حاليا إلى 50 في المائة خلال 3 سنوات.
وتريد الصين استخدام صادراتها المتقدمة من أجل المساعدة في التوسع في تبني المعايير الفنية الصينية على المدى الأبعد، في مجالات مثل القطار فائق السرعة والطاقة والاتصالات. كما تِأمل الصين في نقل بعض مصانعها إلى الدول المجاورة تحت لافتة مبادرة «الحزام والطريق»، وبالتالي تقلل الطاقة الإنتاجية المحلية الفائضة لكثير من القطاعات الصينية، مثل الصلب والإسمنت، بحسب كاي.
ويقول بريان إيلر، مدير مركز أبحاث «ذا ستيمسون سنتر» الموجود في واشنطن، إن هناك «ترحيبا كبيرا بالمصانع الصينية في جنوب شرقي آسيا»، حيث يمكنها توفير الوظائف ودعم نمو الاقتصاد المحلي لهذه الدول. لكن في ضوء حقيقة أن التصنيف الائتماني لنحو ثلثي الدول الواقعة في نطاق مبادرة «الحزام والطريق» عند درجة «عالي المخاطر» أو أقل من درجة الاستثمار، فإن الصين تعرض نفسها لمخاطر مالية يمكن أن تعمق أزمة ديونها العامة بحسب المراقبين.
كما يمكن أن تواجه الصين مخاطر سياسية، ففي بعض الدول، تواجه استثمارات الصين الضخمة رفضا رسميا وشعبيا قويا بسبب النظر إليها باعتبارها تتجاهل الخلافات السياسية المحلية وانتهاكات حقوق الإنسان في هذه الدول.
من ناحيتها، فإن الهند من بين الدول التي انتقدت علانية هذه المبادرة، لأن جزءا من «الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني» يمر عبر إقليم كشمير المتنازع عليه بين نيودلهي وإسلام آباد. ومع مشاركة ضيوف مثل إردوغان ودوتيرتي اللذين يتعرضان لانتقادات القادة الغربيين، في منتدى «الحزام والطريق» الأحد المقبل، وصف مسؤول غربي مشروع «الحزام والطريق» بأنه «العولمة بمواصفات صينية».