قيمة الصفقات العقارية في السعودية تتراجع 32 % خلال 4 أشهر

سجّل قطاع العقارات السعودي انخفاضا ملحوظاً في أدائه مع انتهاء الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، بصفقات بلغت قيمتها نحو 19 مليار دولار، مقارنة بنحو 28.2 مليار دولار في الفترة ذاتها من عام 2016. وهو ما يوضح انخفاض إجمالي قيمة الصفقات بما يزيد على 32 في المائة.
وتعددت أسباب انخفاض إجمالي قيمة الصفقات، إلا أن رسوم الأراضي البيضاء تظل الأكثر تأثيراً، يليها إطلاق وزارة الإسكان برنامج «سكني»، والفجوة الكبيرة بين أسعار البائعين وقدرة المشترين، ما من شأنه أن يفتح أبواباً أوسع فور بدء دفع رسوم الأراضي البيضاء، وهو الذي يراهن عليه كثير من الراغبين في التملك الذين ينتظرون ما ستؤول إليه الأمور فور بدء الدفع، خصوصاً أن القطاع لا يزال يشهد انخفاضات متتالية في الأداء والقيمة.
وتحدث راشد التميمي، المدير العام لشركة «مستقبل الإعمار العقارية القابضة»، عن انخفاضات متتالية في قيمة الصفقات؛ إلا أن ما يميز الأشهر الأربعة الماضية هو الهبوط الملحوظ في القيمة رغم أنه غير مكافئ للانخفاض في الطلب، مما يوحي بأن هناك نزولاً أكبر في القيمة بعد موجة من الارتفاعات لامست الضعف خلال العقد الماضي فقط، في أكبر سلسلة ارتفاعات شهدها القطاع العقاري السعودي.
ولفت التميمي إلى أن ما يحدث الآن هو تصحيح للوضع العقاري الذي بدأت ملامح السيطرة عليه تتضح. وتابع: «يرغب العقاريون في انخفاض قيمة العقار ليتمكنوا من إعادة الحركة والتكسب من نشاط السوق؛ بشرط عدم تحقيق خسائر فيما يمتلكونه أو يعرضونه»، مفضلاً هذا السيناريو على بقاء عزوف المشترين وتعنت البائعين.
وأضاف التميمي أن المستثمرين العقاريين الآن يعيدون النظر في أسعار ما يمتلكونه أو يعرضونه من عقارات بعد انخفاض الطلب لمستويات كبيرة، مبيناً أن المواطنين يتريثون في الشراء لحين البت فيما ستفضي إليه الخطوات الحكومية المقبلة التي باتت تفاجئ المستثمرين وتسحب البساط من تحت أرجلهم، مؤكداً أن الإجراءات الحكومية الأخيرة ستؤثر بشكل كبير في ميزان العرض الذي يمر بتناقص كبير بالنسبة للطلب، الذي يفوق قدرة الجميع.
وتطرق إلى أن السوق بحاجة ماسة لمثل هذه المشاريع لترغم الأسعار على الانخفاض، لافتاً إلى أن التوافق على سعر معقول بين البائع والمشتري هو المخرج الوحيد للأزمة التي تشهد جموداً في المبيعات رغم ازدياد الطلب، وهو ما يوضح الحاجة إلى التوافق على الأسعار بحسب قدرة المشتري الذي تتوفر لديه الآن خيارات أكبر في ظل دخول الحكومة بوصفها مطورا غير ربحي.
وأنهت السوق العقارية المحلية أداءها خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي بانخفاض سنوي قياسي في إجمالي قيمة صفقاتها، بلغت نسبته 30.5 في المائة، لتستقر قيمة الصفقات عند 4.2 مليار دولار، مقارنة بقيمة صفقات للشهر نفسه من العام الماضي عند مستوى 6.1 مليار دولار. وشمل الانخفاض السنوي للصفقات كلا من القطاعين السكني والتجاري، حيث انخفض القطاع السكني بنسبة 15.1 في المائة (استقر عند أدنى من 3.2 مليار دولار)، وانخفض القطاع التجاري بنسبة 53.8 في المائة (استقر عند 1.1 مليار دولار).
وأشار محمد العليان، الذي يمتلك «شركة العليان للاستثمارات العقارية»، إلى مستويات انخفاض فيما يخص القيمة جاءت في رد فعل عكسي على ضعف الطلب - وبالتحديد قيمة الصفقات - بعد أن عجزت السوق عن تحمل انخفاضه نتيجة ارتفاع أسعار العرض، مضيفاً أن تطبيق رسوم الأراضي البيضاء وبالتحديد البدء في دفعها غير وجه السوق نحو تسجيل نزول في القيمة بنسب كبيرة لا تقل عن 20 في المائة في أقل الأحوال وفي مختلف الأنشطة.
وعدّ أن الاستثمار في القطاع العقاري صعب للغاية هذه الفترة، لأن السوق في تحول كبير نحو عودة الأسعار إلى طبيعتها بعد موجة التضخم، مشدداً على أهمية تنويع الاستثمارات العقارية خلال الفترة المقبلة. وقال: «انخفاض أسعار الأراضي هو المؤشر الأول لقرب نزول أسعار العقار عموماً، خصوصاً أن ارتفاع قيمة الأراضي هو السبب الرئيسي في ارتفاع قيمة العقار بشكل عام، والعقار سيشهد مزيداً من الانخفاض... وهو ما يحاول العقاريون التكيف معه بتصريف ما يمتلكون بأقل الأضرار».
وتطرق العليان إلى أن ما أظهرته المؤشرات العقارية عن انخفاض إجمالي قيمة الصفقات العقارية ليس جديداً، موضحاً أن الانخفاض جاء بعد توقف الطلب أو تقلصه إلى حد كبير بضغط من الواقع الذي يعجز المستثمرون عن تطويره والسيطرة عليه لتحريك السوق وفتح جبهات استثمارية جديدة، تمكنهم من جني الأرباح بشكل مضاعف، وهو ما لا يحدث في حال استمرار ارتفاع الأسعار، ولذلك أصدرت الحكومة كثيرا من القرارات التاريخية للسيطرة على القطاع من جديد، وهو ما وضع بصمته الخاصة على العقار المحلي.
وتظهر مقارنة إجمالي صفقات السوق العقارية المسجلة خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2017 مع الفترة ذاتها من العام الماضي، انخفاض إجمالي قيمتها بنسبة 32.2 في المائة، لتستقر عند 19 مليار دولار، مقارنة بنحو 28.2 مليار دولار للفترة ذاتها من العام الماضي. ومقارنة بأعلى قيمة للصفقات العقارية للفترة نفسها (ذروة الصفقات للسوق العقارية)، التي وصلت إليها خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2014 عند مستوى 43 مليار دولار، يتبين انخفاضها بنسبة 56.2 في المائة، لتسجل السوق العقارية المحلية بذلك خسائر فادحة في قيمة صفقاتها خلال هذه الفترة فاقت 24.6 مليار دولار.
وذكر المستثمر العقاري عبد اللطيف العبد اللطيف، أن الإجراءات الحكومية ترمي إلى خفض الأسعار لتكون في متناول الجميع، وهو ما يحصل الآن. ورغم عدم ملاءمة الأسعار إلى حد كبير لقدرات المشترين؛ فإن هناك تفاؤلاً بواقع جديد، يفتح فرضية مزيد من الانخفاض خلال الفترة المقبلة في ظل تبلور الأسباب المؤدية إلى ذلك، مبيناً أن الاستجداء بالتمويلات العقارية لن يكون مجدياً خصوصاً أن جوهر الحركة يكمن في قيمة العقارات التي تعتبر مرتفعة وأكبر من قدرة شريحة كبيرة من الراغبين في التملك.
وأوضح العبد اللطيف أن فقدان السوق نحو ثلث صفقاتها مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، معدل كبير يحتاج إلى تدعيم أكبر من ناحية انخفاض ملائم للسعر، ورغم سعي الدولة إلى احتواء الأسعار وإعادتها إلى ما كانت عليه عبر سن التشريعات التي تدعوا إلى ذلك، فإن الحلقة المفقودة تتمثل في ارتفاع أسعار العقار إلى مستويات كبيرة، مما يعكس الحال في السوق التي تعيش أسوأ أيامها منذ سنوات طويلة في ظل شح السيولة لدى المشترين، خصوصاً لقطاع الإسكان الذي يعيش أياماً عصيبة في ظل عدم وضوح الرؤية، بانتظار ما تفضي إليه انعكاسات الرسوم على المدى البعيد عبر انخفاض حقيقي في الأسعار وبالتالي التمكن من الشراء، فالمشكلة الحقيقية تكمن في الفجوة بين قدرة المشتري وسعر البائع.