كريستيان باسوغوغ... من فقر مدقع إلى ثراء فاحش

منذ عامين فقط، كان أجر كريستيان باسوغوغ لا يتجاوز 25 جنيها إسترلينيا أسبوعياً مقابل مشاركته في صفوف نادي رينبو الكاميروني بدوري الدرجة الثانية. اليوم، أصبح بطلاً من أبطال أفريقيا مع فوز الكاميرون بكأس الأمم الأفريقية، واختياره أفضل لاعب في النسخة الأخيرة من البطولة والتي استضافتها الغابون. وعليه، ارتفع أجر اللاعب بصورة هائلة ليصل إلى 60.000 جنيه إسترليني في الأسبوع بعد اقتطاع الضرائب.
وعن هذا التحول الكبير، قال اللاعب، 21 عاماً، الذي يشارك بمركز الجناح: «لم يكن يخطر ببالي قط إمكانية الوصول لهذا الإنجاز ولا في أشد أحلامي جموحاً. أجد صعوبة في إيجاد الكلمات المناسبة للتعبير عما أشعر به، بل إنني أحياناً أسأل نفسي لدى استعدادي للنوم أو عندما أصحو: «ما الذي فعلته لأصل لما بلغته اليوم؟ في الواقع، أشعر بامتنان حيال ذلك، لكن أحد الأمور التي أعلمها على وجه اليقين أنني ما أزال عاجزاً عن تصديق ما وصلت إليه حتى هذه اللحظة».
وإذا كانت هوليوود تتهيأ الآن لإنتاج فيلم عن حياة مهاجم ليستر سيتي والمنتخب الإنجليزي جيمي فاردي وانتقاله من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش، فإنه ربما يتعين على مسؤولي هوليوود النظر إلى باسوغوغ كمرشح محتمل للجزء الثاني من الفيلم. العجيب أنه حتى مدرب المنتخب الكاميروني هوغو بروس، لم يكن قد سمع عنه حتى الأسابيع الأولى من هذا الموسم، واعترف بأنه لجأ إلى محرك البحث «غوغل» للتعرف على المزيد من المعلومات حول اللاعب.
في ذلك الوقت، كان باسوغوغ في صفوف نادي آلبورغ الدنماركي بعد أن انتقل إليه في أغسطس (آب) 2015 في أعقاب مشاركته لفترة قصيرة مع ولمينغتونغ هامرهيدز في قاع دوري الدرجة الثالثة الأميركي. وكان بروس صاحب الفضل وراء أول فرصة ينالها باسوغوغ للمشاركة الدولية كبديل في الدقيقة 82 في مباراة التأهل لبطولة كأس العالم أمام زامبيا في 12 نوفمبر (تشرين الثاني).
ومع انطلاق فعاليات بطولة كاس الأمم الأفريقية خلال الفترة بين منتصف يناير (كانون الثاني) حتى مطلع فبراير (شباط)، تركزت الأنظار على أسماء لامعة مثل السنغالي ساديو والجزائري ماني ورياض محرز والغابوني بيير إيميريك أوباميانغ والشقيقين الغانيين أندريه وجوردان آيو. إلا أنه بدلاً عن ذلك، تحول باسوغوغ إلى التعويذة السحرية للبطولة وأبهر الجميع بسرعته ومهاراته. وعن ذلك، قال: «عندما منحني المدرب فرصة المشاركة لـ10 دقائق تقريباً أمام زامبيا، قلت في نفسي: (سأتشبث بهذه الفرصة بكلتا يدي). وظللت محتفظاً بهذا التوجه حتى مباراة النهائي».
والواضح أن هذه الروح المثابرة ظلت ملازمة لباسوغوغ في مهمته الأخيرة. على خلفية الأداء المتألق الذي قدمه مع منتخب بلاده، تكالبت عدة أندية لضمه إليها، منها شالكه ولايبزيغ الألمانيان وكلوب بروغ وأندرلخت البلجيكيان وغرانادا الإسباني وسيسكا موسكو ولوكوموتيف موسكو الروسيان. وتركز اهتمام غالبية هذه الأندية على ضم اللاعب خلال الصيف نظراً لأن موسم الانتقالات بوسط الموسم كان قد أغلق أبوابه بالفعل. بعد ذلك، جاء العرض الذي بدل مسار حياة باسوغوغ تماماً.
جاء العرض من نادي هينان جيان يي، وكان موسم الانتقالات هناك ما يزال مفتوحاً، بينما كان من المقرر أن يبدأ الموسم الجديد مطلع مارس (آذار)، ورغب النادي في ضم اللاعب الكاميروني على الفور. في البداية، لم يبد باسوغوغ حماساً حيال العرض، ذلك أن ثمة قلقا ساوره إزاء عدم ملاءمة هذه الخطوة بالنسبة للاعب ما يزال في بداية مشواره الكروي، ورأى أنها أنسب للاعب يوشك على توديع الملاعب. وكان باسوغوغ مدركاً تماماً لأن إقدامه على مثل هذه الخطوة سيثير حالة من الفوضى العارمة.
ولجأ باسوغوغ إلى المراوغة - الأداة التي يبدو أن مسؤولي هينان جيان يي أقروها كأسلوب للتفاوض. في البداية، عرضوا عليه راتبا سنويا خالصا بقيمة مليوني يورو (1.75 مليون جنيه إسترليني)، لكنهم لاحقاً رفعوا العرض إلى 2.5 مليون يورو، ثم إلى 33.5 مليون يورو. والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: هل بالغ النادي الصيني في الأجر المعروض على اللاعب؟ هذا أمر لا شك فيه. في الواقع، لقد كاد باسوغوغ يطير من الفرحة لدى تلقيه العرض الأول. وهل كان مسؤولو النادي الصيني مهتمين بالمبلغ المعروض؟ لا. الأمر الوحيد الذي كان يشكل أهمية حقيقية لهينان جيان يي إبرام الاتفاق وأن يتمكنوا بحلول 19 فبراير من تسليمه القميص رقم 10 والاحتفال بانضمامه لصفوف النادي. وبالفعل، حصل نادي آلبورغ على 6.8 مليون يورو مقابل التنازل عن اللاعب، ما يعد مبلغاً قياسياً بالنسبة له. المؤكد أن المال لعب دوراً حاسماً في هذه الصفقة، خاصة مع التزام هينان جيان يي بتحمل جميع التكاليف المعيشية الأخرى لباسوغوغ، مثل تكاليف الإقامة في جناح بفندق خمسة نجوم وشقة ثانية قريبة من ملعب التدريب.
جدير بالذكر أن اللاعبين الأجانب الآخرين المشاركين في صفوف النادي يقيمون بالفندق ذاته ولدى كل منهم سائق خاص لنقله من وإلى ملعب التدريب. وعندما دعي باسوغوغ للمشاركة في المباريات الودية الأخيرة للكاميرون أمام تونس وغينيا، وجد أن ترتيبات الطيران المعدة له لم تكن على المستوى المناسب. وعليه، تدخل هينان جيان يي وتكفل بدفع 9.000 يورو لتوفير ترتيبات أفضل بالنسبة له. ولا شك أن هذا يشكل تحولاً هائلاً عما كان عليه الحال بالنسبة له في نادي رينبو الذي شارك به خلال الصبا في دوالا بالكاميرون أو ولمينغتونغ هامرهيدز في نورث كارولينا الذي انتقل إليه في أبريل (نيسان) 2015.
الواضح أن النفوذ المالي القوي الذي يتمتع به القائمون على الدوري الصيني الممتاز يمنحهم قدرة هائلة على الإقناع، ولا يمكن لباسوغوغ مطلقاً إنكار أن للمال دوراً في قراره بالانتقال إلى الصين. إلا أنه في الوقت ذاته ينظر إلى الصورة الأكبر المتعلقة بالتنمية الشخصية له والعولمة، وهي التحديات الجديدة التي قبل مواجهتها باتخاذه هذا القرار. وعن ذلك، قال: «يشكل ذلك أهمية أكبر بالنسبة لي. إن الأمر يتعلق بالنهوض لمستوى هذا التحدي كلاعب صغير في السن. وأنا مدرك تماماً لحقيقة أنه إذا نجحت في الصين، ستظل أمامي فرصة الانتقال إلى أي من مسابقات الدوري الكبرى على الصعيد الأوروبي. وأنا على قناعة تامة بأنه ليس ثمة سبيل واحد للوصول إلى القمة. إن كرة القدم رياضة تحمل طابعا متعولما بحق، ولقد شاركت حتى الآن في أربع قارات مختلفة، إذن ما الذي يمنع أن أجد نفسي مستقبلاً في إنجلترا أو إسبانيا أو ألمانيا؟».
الملاحظ أن صيحات الاستنكار التي تتعالى كلما ترددت أنباء عن صفقة انتقال كبرى إلى الدوري الصيني، عادة ما تأتي من جانب رؤساء الأندية الأوروبية الذين يكيلون الاتهامات إلى الأندية الصينية بأنها تعمد إلى إحداث حالة من التضخم بسوق انتقالات لاعبي كرة القدم، متجاهلين بذلك حقيقة أن الدوري الإنجليزي الممتاز عمد إلى فعل الأمر ذاته على امتداد الأعوام الـ25 الأخيرة. وعن ذلك، قال باسوغوغ: «هذا نفاق. ومن بين الأمور الأخرى التي أدركتها من خلال وجودي في الصين أنهم يحرصون على ضم أسماء كبرى بهدف رفع مستوى المهارات المحلية. إنهم يفعلون ذلك من أجل صالح كرة القدم الصينية، إنه ليس مجرد تبذير للمال. عندما التقيت مسؤولي هينان جيان يي، أوضحوا لي أن من بين أسباب وجودي في النادي المعاونة في رفع مستوى جودة من يلعبون بجواري وفي مواجهتي». واستطرد قائلاً: «هناك الكثير من المشككين من أصحاب الصوت العالي، لكن الكثيرين، ومنهم أنا، نكون آراءنا حول الصين من على بعد. إلا أن الحقيقة أنه ما دام أنك لست داخل الصين فعلياً، ستبقى عاجزاً عن إدراك حقيقة كرة القدم الصينية».
وأكد باسوغوغ أن المباريات التي خاضها حتى الآن في إطار الدوري الصيني كانت «عسيرة للغاية بدنياً»، بينما بدت الأجواء داخل الملاعب متوترة بعض الشيء. وأشار للكثير من الأسماء اللامعة المشاركة في الدوري الصيني، مثل الأرجنتينيين إزكييل لافيتزي وكارلوس تيفيز والبرازيلي أوسكار والكولومبي جاكسون مارتينيز والبرازيليين راميريز وهالك والبرتغالي ريكاردو كارفالو والإيطالي غراتسيانو بيلي.
وقال: «بطبيعة الحال، كانت هذه الأسماء اللامعة من العناصر التي اجتذبتني إلى هناك. مثلاً، لافيتزي لاعب لطالما شعرت نحوه بالإعجاب وأشعر بشرف بالغ أن أشارك معه داخل ذات الملعب».