غارتان تقتلان مئات من رهائن «داعش» في الموصل

سقط مئات القتلى من المدنيين المحاصرين في مناطق سيطرة «داعش» غرب الموصل، خلال اليومين الماضيين، بغارتين استهدفتا منازل جمعهم فيها التنظيم ورفع عليها أعلامه، لخداع طيران التحالف الدولي والجيش العراقي، فيما حذرت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أن «الأسوأ لم يأت بعد» لأكثر من 400 ألف عالق في مناطق سيطرة «داعش» في الموصل.
ويشهد حيا الموصل الجديدة والرسالة في غرب المدينة، منذ أول من أمس، جهوداً من قبل فرق الدفاع المدني والمتطوعين الشباب وعدد من السكان لانتشال جثث مئات المدنيين من تحت أنقاض المنازل والمباني التي تعرضت إلى قصف جوي.
وقال قائمقام مركز مدينة الموصل حسين علي حاجم لـ«الشرق الأوسط»، إن «داعش احتجز سكان عدد من الأزقة في الموصل الجديدة والرسالة، وأدخلهم إلى منازل معينة وضع على أسطحها أسلحة مضادة للطائرات أطلقها، فاستهدفته الطائرات بصواريخها وقُتل كل من كان فيها».
وطالب بإعلان غرب المدينة «منطقة منكوبة، وأن يكون هناك تدخل أكبر للمجتمع الدولي والأمم المتحدة وللتحالف الدولي». وأضاف: «لا يهمنا متى ستنتهي المعركة، لكن المهم هو الحفاظ على أرواح المدنيين». وأشار إلى أن «جميع إرهابيي داعش حوصروا فيما تبقى من أحياء غرب الموصل الخاضعة لسيطرة التنظيم. وحالياً تدور معارك شرسة في هذه المناطق، والتنظيم يستخدم القناصة وقذائف الهاون والعجلات المفخخة، وكل أنواع الإجرام، وهناك خطر كبير على المدنيين الموجودين داخل هذه المناطق».
وروت رئيسة «فريق شباب نينوى للتآخي التطوعي» الناشطة دنيا عمار التي شاركت في عملية انتشال الجثث في الحيين تفاصيل الغارتين. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «أثناء معركة تحرير حي الموصل الجديدة، أكبر أحياء الجانب الأيمن (الغربي) من المدينة، جمع التنظيم سكان ثلاثة أزقة في منزل واحد مكون من أربعة طوابق وقبوين، واحتجز الرجال في غرفة والنساء في غرفة أخرى، ورفع علمه على المنزل، وانسحب من الحي، فتعرض المنزل لقصف جوي».
وأشارت إلى أن القصف أدى إلى مقتل «137 مدنياً كانوا محتجزين في المنزل، انتُشلت جثث 6 منهم فقط، فيما لا يزال الآخرون تحت الأنقاض، لعدم توافر آليات كافية للدفاع المدني». وأضافت أن «أهالي الحي ناشدوا الدفاع المدني في الموصل، لكن منتسبيه امتنعوا عن الدوام بسبب عدم دفع رواتبهم، لذا لجأ الدفاع المدني في نينوى إلى مناشدة الدفاع المدني في بغداد التي أرسلت من جانبها فريق النخبة إلى نينوى لتلبية مناشدات المواطنين». ولفتت إلى أن «القصف العشوائي المكثف من قبل مسلحي داعش على المناطق المحررة حال دون استمرار العمل في الأزقة لانتشال الجثث، لأنها تقع خلف خط التماس بين القوات الأمنية العراقية والتنظيم».
وأكدت أن حادثتين مشابهتين وقعتا في حي الرسالة، حيث «جمع التنظيم المدنيين في منزلين في أحد الأزقة، وانسحب من الحي وترك علمه على المنزلين، فتعرضا للقصف الذي أسفر عن تدمير منزلين آخرين لأن المباني قديمة والبيوت متلاصقة». وأشارت إلى أن «جثث 305 مدنيين انتشلت من المنازل الأربعة، وأنقذ فقط أربعة جرحى كانوا على قيد الحياة».
وأوضحت أن «غالبية من قتلوا في الضربتين الجويتين من النساء والأطفال»، كاشفة أن «الجثث المنتشلة دفنتها قوات الأمن والدفاع المدني في حديقتي المركز الصحي في حي المأمون وفي المستشفى العسكري لعدم وجود أي شخص من ذوي القتلى لتسلم جثثهم».
وكان «داعش» نقل مقراته وتجمعات مسلحيه، مع انطلاق عملية تحرير الموصل، إلى داخل الأزقة والأحياء، خصوصاً المكتظة بالسكان، كي يجعل من المدنيين دروعاً له. وبات مشهد مقتل المدنيين وإصابتهم من جراء القصف العشوائي للتنظيم واحداً من أكثر المشاهد التي تتكرر يومياً.
وأعلنت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أمس، أن نحو 400 ألف مدني عراقي محاصرون في البلدة القديمة غرب الموصل، تحت سيطرة «داعش»، في ظل نقص الغذاء والحاجات الأساسية والقتال المحتدم. ونقلت وكالة «رويترز» عن ممثل المفوضية في العراق برونو غيدو أن 157 ألف شخص وصلوا إلى مركز استقبال مؤقت خارج الموصل، منذ بدأت المعركة قبل أكثر من شهر. وأضاف أن «الأسوأ لم يأت بعد... لأن وجود 400 ألف شخص محاصرين في الحي القديم في حالة الذعر والبؤس تلك، ربما يؤدي حتماً إلى تفجر الوضع في مكان ما وفي وقت ما لنجد أنفسنا أمام تدفق جديد على نطاق هائل».
وأشار غيدو إلى أن عدد المدنيين الذين يخرجون من المنطقة يزداد، وأن ما بين ثمانية آلاف و12 ألفاً يصلون يوميا إلى مركز استقبال النازحين. وأضاف: «سمعنا روايات كذلك عن أناس يفرون تحت جنح الضباب في الصباح الباكر وآخرين يهربون ليلاً أو يحاولون الهرب في أوقات الصلاة حين تكون المراقبة عند نقاط تفتيش داعش أقل».
وأوضح أن «الناس بدأوا يحرقون أثاثاً وملابس قديمة ومنتجات بلاستيكية وأي شيء يمكنهم حرقه للتدفئة أثناء الليل، لأن الأمطار ما زالت غزيرة ودرجات الحرارة تنخفض كثيراً أثناء الليل». وأضاف: «كلما قل الغذاء زادت حالة الذعر والرغبة في الفرار. وفي الوقت نفسه يزيد عدد الفارين لأن قوات الأمن تتقدم وأصبح مزيد من الناس في وضع يسمح لهم بالفرار مع انحسار المخاطر».
وأوقفت القوات الحكومية القتال، أمس، بسبب الطقس الغائم الذي يصعب معه توفير دعم جوي. وقال متحدث باسم الشرطة إن تعزيزات الشرطة الاتحادية تحركت لاحقاً صوب المدينة القديمة وتستعد القوات لاقتحام المنطقة واستعادة الجامع النوري الكبير، الذي أعلن منه زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي السيطرة على الموصل في 2014.