هل تلجأ السعودية إلى خفض الصادرات لتسريع توازن سوق النفط؟

في يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو الشهر الأول في العام الجديد، والشهر الأول لتنفيذ اتفاق تخفيض الإنتاج العالمي من النفط، أبدت المملكة التزاماً كبيراً، حيث خفضت صادراتها وإنتاجها بأكثر من المطلوب منها، قبل أن تعود الشهر الماضي وترفع الإنتاج بالكمية نفسها تقريباً التي خفضتها بها، رغم أنها لا تزال في حدود الاتفاق.
ولكن يستوجب على المملكة، التي تترأس هذا العام المؤتمر الوزاري لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والتي تقود المنظمة فعلياً، أن تستمر في التخفيض بوتيرة عالية أكثر من التزامها إذا ما أرادت أن ترى تعافياً بصورة أسرع؛ إذ إن مخزونات النفط لا تزال عالية وعند مستويات أعلى بكثير مما تريده السعودية و«أوبك».
وتخفض «أوبك» إنتاجها بنحو 1.2 مليون برميل يوميا اعتبارا من الأول من يناير الماضي، وهو أول خفض في 8 سنوات. ووافقت روسيا وعمان وكازاخستان والمكسيك وأذربيجان وخمسة منتجين آخرون من خارج المنظمة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على خفض إنتاجها بما يصل إلى نصف تلك الكمية.
ويهدف القرار إلى إعادة الاستقرار لأسواق النفط العالمية، بعد موجة هبوط في أسعارها خلال العامين ونصف العام الماضي، نتيجة ارتفاع المعروض في السوق.
وتتحمل السعودية - أكبر منتج للنفط في دول منظمة أوبك - العبء الأكبر من اتفاقية خفض الإنتاج حتى الآن، حيث نوهت وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي بتأثر نسبة خفض الإنتاج المرتفعة بين «أوبك»، بالخفض الذي تنفذه السعودية، التي خفضت إنتاجها بنسبة 135 في المائة عما التزمت به مع الدول الأعضاء، والبالغ 486 ألف برميل يومياً.
وفي لقاء مع قناة «بلومبيرغ» الخميس الماضي، أوضح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أن المملكة مستعدة لتمديد اتفاق خفض الإنتاج بعد نهايته في يونيو (حزيران) المقبل؛ «إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك»، حيث إن الموضوع كله متعلق بمدى تجاوب المخزونات النفطية مع التخفيضات التي قامت بها «أوبك» وباقي المنتجين من خارجها.
وفي تصريحات الشهر الجاري، قال الفالح في هيوستن إنه يرى مخزونات النفط عند 300 مليون برميل، فيما قال نظيره الكويتي إنها عند مستوى 280 مليون برميل. وقال الفالح في لقائه مع «بلومبيرغ» إن «أوبك» تهدف من وراء التخفيض إلى إعادة المخزونات عند مستويات «متوسط السنوات الخمس »، وهو المعيار الذي تتبعه صناعة النفط لقياس المخزونات.
وعملية خفض مخزونات نفطية بهذه الضخامة عملية ليست باليسيرة ولن تتم في شهر أو شهرين كما قال وزير النفط الكويتي عصام المرزوق مطلع الأسبوع الماضي، وهذا ما دعا الكويت إلى أن تدعم توجه «أوبك» لتمديد خفض الإنتاج.
وإذا ما أرادت المملكة أن تنخفض المخزونات قبل نهاية يونيو، فإن عليها أن تخفض صادراتها وإنتاجها بأكثر من المستوى الذي التزمت به في الاتفاقية، والبالغ 10.058 مليون برميل يومياً، وهذا ما حدث بالفعل في يناير وهو ما زاد من استقرار الأسعار.
ففي يناير الماضي، وبحسب البيانات الرسمية التي صدرت بالأمس، انخفضت صادرات السعودية من النفط الخام إلى 7.713 مليون برميل يوميا من 8.014 مليون برميل يوميا في ديسمبر (كانون الأول). ولم تصدر بيانات صادرات شهر فبراير (شباط) حتى الآن. وجاءت هذه التخفيضات في التصدير بعد أن خفضت المملكة إنتاجها إلى 9.75 مليون برميل يومياً، وهي المرة الأولى التي تنتج فيها المملكة النفط تحت مستوى 10 ملايين برميل يومياً منذ مارس (آذار) 2015. إلا أن السعودية عادت ورفعت إنتاجها إلى مستوى 10.011 مليون برميل يومياً في فبراير الماضي، لتعكس اتجاه التخفيض، وتضيف كمية مقاربة للكمية التي خفضتها، مما أثار مخاوف السوق... وانعكس ذلك على أسعار نفط برنت التي فقدت نحو 5 دولارات من السابع من مارس وحتى الأمس. ويقول المحلل الاقتصادي الدكتور محمد الرمادي لـ«الشرق الأوسط»: «الخفض الكبير في الصادرات السعودية في يناير يدل على جدية المملكة لإعادة التوازن للسوق النفطية، خاصة أن الخفض كان أكثر من المطلوب منها».
ويضيف الرمادي: «وحتى تتوازن السوق بشكل أكبر، فإن على المملكة الإبقاء على الإنتاج والصادرات تحت المستوى المطلوب منها؛ لأن باقي الدول، وخاصة الدول من خارج «أوبك»، لم تخفض إنتاجها بالشكل المطلوب».
أما الدول الـ11 خارج «أوبك» (التي لا توجد جهة تستطيع مراقبة إنتاجها بشكل كافٍ) فإن التزامها بالمستويات التي تعهدت بها في الاتفاق مع «أوبك» انخفض بصورة واضحة من 40 في المائة في يناير إلى 34 في المائة في فبراير الماضي، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية التي صدرت الأسبوع الماضي.
وأظهرت بيانات وكالة الطاقة الدولية أن الدول الـ11 خارج «أوبك» التي تعهدت بتخفيض إنتاجها بنحو 558 ألف برميل يومياً لم تخفض إنتاجها سوى نحو 192 ألف برميل يومياً في فبراير.
وبالنسبة لروسيا التي تعهدت بمفردها أن تخفض 300 ألف برميل يومياً، فهي لم تخفض إنتاجها إلى هذا الرقم بعد، ومن المتوقع أن تصل إليه في الشهر المقبل، بحسب ما أوضح وزير طاقتها ألكسندر نوفاك الأسبوع الماضي.
ويعي وزير الطاقة السعودي ما يحدث جيداً، حيث قال في حواره مع «بلومبيرغ» إن الدول خارج «أوبك» حديثة عهد بإدارة إنتاجها، ولهذا يجب أن تعطى الفرصة كاملة، وما يبحث عنه هو جدية هذه الدول والتزامها، وهو ما يلمسه على أرض الواقع.
إلا أن الفالح أعلن في هيوستن الشهر الماضي، أنه لن يكون هناك أي «مكان مجاني» للمنتجين الذين يريدون الاستفادة من الاتفاق من دون أن يساهموا في تخفيض الإنتاج، وهذا ما قد يجعل من قرار التحمل الفردي لعبء التخفيض لإعادة التوازن للسوق صعباً على الفالح. ويبقى الخيار الأسهل في هذه الحالة، هو تمديد الاتفاق لستة أشهر أخرى حتى آخر العام الجاري.