في لندن... عقارات تزداد أكثر من 10 دولارات كل ساعة

في الوقت الذي تشهد فيه السوق العقارية البريطانية حالة من الترقب والقلق بسبب المخاوف من انعكاسات الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي بات وشيكاً، فإن أرقاماً مفاجئة أظهرت أن أسعار العقارات في بعض مناطق العاصمة لندن كانت تسجل طوال السنوات الخمس الماضية نمواً بأكثر من 200 جنيه إسترليني (250 دولاراً) يومياً، أي أكثر من 10 دولارات كل ساعة على مدار اليوم، وذلك طيلة السنوات الخمسة الماضية.
وبحسب دراسة جديدة لسوق العقارات في لندن، صدرت مؤخراً عن شركة «سافيلز»، ونشرها موقع «بزنس إنسايدر»، فإن أسعار العقارات في مدينة لندن كانت تسجل ارتفاعاً خلال الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 2011، إلى ديسمبر 2016، بواقع 105 جنيهات إسترلينية (130 دولاراً) في المتوسط، على أن المناطق الحيوية في وسط لندن كانت تسجل ارتفاعاً أعلى من ذلك بكثير يصل إلى الضعف.
وبحسب البيانات والأرقام التي جاءت بالتقرير، فإن العقارات في مناطق وسط لندن الرئيسية التي يصفها العقاريون بأنها «ممتازة» (Prime)، مثل ويستمنستر وكينزينغتون وتشيلسي، سجلت ارتفاعاً يومياً في الأسعار يتراوح بين 213 و218 جنيهاً إسترلينياً خلال الفترة المشار إليها؛ ما يعني أنها سجلت قفزات صاروخية في الأسعار خلال السنوات الخمسة الماضية.
وبحسب الدراسة، فإنه بينما كان سعر الوحدة العقارية في لندن يزيد بنحو 200 جنيه إسترليني، فإن معدل رواتب الموظفين كان يزيد بنحو نصف جنيه إسترليني يومياً، وتحديداً بواقع 54 بنساً فقط، أي أن الرواتب زادت خلال تلك الفترة بما متوسطه 197 جنيها إسترلينيا، وهو ما يشير إلى أن سكان لندن الذين يعملون فيها يزدادون بُعداً كل يوم عن حُلم امتلاك شقة سكنية أو وحدة عقارية.
ويتبين من الدراسة أن منطقة «باركنغ» في شرق لندن كانت خلال السنوات الخمس الماضية هي الأسوأ حالاً، حيث كانت كل وحدة عقارية فيها تسجل ارتفاعاً يومياً بـ69 جنيها إسترلينيا (85 دولارا)، أما المناطق الأكثر زيادة في الأسعار فكانت في «تشيلسي» و«كينزينغتون»، وكانت كل وحدة عقارية ترتفع بواقع 218 جنيهاً (270 دولارا) خلال تلك الفترة.
وتقول البيانات، إن متوسط سعر العقار في مدينة لندن حالياً يبغ 486 ألف جنيه إسترليني، أما متوسط سعر العقار في بريطانيا ككل فيبلغ 205 آلاف و800 جنيه، أي أن متوسط أسعار عقارات لندن أكثر من ضعف المتوسط على مستوى البلاد بأكملها.
ويُعتبر القطاع العقاري واحداً من أكثر القطاعات الاستثمارية جذباً لرؤوس الأموال الخليجية والروسية والصينية، وغيرها من مختلف الجنسيات في العالم، حيث يتدفق كثير من المستثمرين الخليجيين على بريطانيا للاستثمار في عقاراتها منذ سنوات طويلة، لكن حالة من القلق باتت تعصف بالقطاع العقاري منذ أن صوت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) من العام الماضي.
في سياق متصل، أظهرت بيانات صادرة عن جمعية البناء الوطنية، ارتفاع أسعار المنازل في المملكة المتحدة، بنسبة 4.5 في المائة، خلال فبراير (شباط) الماضي على أساس سنوي.
وأوضح بيان صدر بنهاية الأسبوع الماضي، أن أسعار المنازل البريطانية ارتفعت 0.6 في المائة خلال فبراير على أساس شهري، ومقابل ارتفاعها عند 0.2 في المائة، خلال يناير (كانون الثاني) السابق له.
وأظهرت بيانات صادرة عن حكومة المملكة المتحدة فبراير الماضي، ارتفاع أسعار المنازل بنسبة 7.7 في المائة في ديسمبر 2016، على أساس سنوي، مقابل توقعات بارتفاع 6.9 في المائة فقط.
إلى ذلك، رجحت تقارير عقارية صدرت مع نهاية العام الماضي، أن وتيرة النمو العقاري ستتجه إلى التباطؤ في بريطانيا خلال عام 2017، في ظل الضبابية التي تكتنف التطورات الاقتصادية، وبخاصة مع الغموض المتزايد حول كيفية تنفيذ المملكة المتحدة لتخارجها المزمع من الاتحاد الأوروبي، الذي سيبدأ في شهر مارس (آذار) الحالي.
وتباطأت سوق العقارات البريطانية عقب التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو الماضي، لكن منذ ذلك الحين كان أداء الاقتصاد بشكل عام أفضل مما توقع الكثير من خبراء الاقتصاد وواصلت أسعار المنازل ارتفاعها.
وفي تقريرها مع نهاية 2016، أشارت «نيشن وايد» إلى أن العام الماضي هو أول عام منذ 2008 تزيد فيه أسعار المنازل في العاصمة لندن بوتيرة أبطأ من متوسط نموها في بريطانيا. ويرجع ذلك، بحسب المحللين، إلى أن المشترين خلال العام المنصرم واجهوا الكثير من الضغوط المتزايدة، حيث وجدوا أنفسهم غير قادرين على تحمل زيادات التكاليف بما يفوق إمكاناتهم المادة، وذلك وفقا لجمعية البناء الوطنية.
وارتفعت أسعار المنازل في العاصمة البريطانية بمعدل 3.7 في المائة فقط خلال عام 2016 عن مستواها السنوي السابق، مقارنة بارتفاع بلغت نسبته 12.2 في المائة في عام 2015.
ويرى روبرت غاردنر، كبير الاقتصاديين في «نيشن وايد»، أن «فترة الأداء المبهر للعاصمة البريطانية في القطاع العقاري ربما شارفت على الانتهاء»، مضيفا أن «عددا متزايدا من الناس في لندن وجنوب إنجلترا يجدون أنفسهم خارج أسعار السوق، أو مضطرين إلى الاستدانة والاقتراض بنسب تفوق دخلهم السنوي من أجل دفع تكاليف مسكن، وذلك رغم أن من انخفاض أسعار الفائدة قد ساعدت في خفض تكاليف الرهن العقاري الشهرية»، بحسب ما نقلته وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية.
ومنذ التصويت البريطاني لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، شهدت السوق العقارية ضغوطا متزايدة، لكن رغم ذلك لم تكن التأثيرات بالحجم السيئ الذي كان متوقعا عقب التصويت. كما أن زيادة الضرائب العقارية أثرت بدورها على السوق.
وفي تقرير لمؤسسة «هاليفاكس» المالية، التي تعمل بقوة في المجال العقاري، أوضحت مع نهاية العام الماضي أيضا أن الضغوط المالية وتقلص القدرة على تحمل تكاليف السكن في بريطانيا ربما تسفر عن تباطؤ حاد في أسعار المساكن بالعاصمة البريطانية خلال العام الجديد، بأكثر من غيرها.
وأشارت «هاليفاكس» إلى أن التراجع كان السمة الغالبة على أداء لندن العقاري خلال عام 2016، موضحة أن أسعار المنازل الفاخرة، في بعض من الضواحي الثرية في لندن، شهدت انخفاضات حادة بلغت في بعض الأحيان نحو 10 في المائة في عام 2016، كما انخفضت أسعار الأراضي.
فيما أشار موقع «رايت موف» العقاري الشهير إلى أن «الفقاعة العقارية» اللندنية استمرت على مدار شهور العام الماضي في التناقص، متوقعا استمرار انخفاض الأسعار بما يصل إلى نحو 5 في المائة خلال العام الجديد.
وتتوقع «نيشن وايد» أن يشهد العام الحالي نموا يقدر بنحو 2 في المائة في أرجاء بريطانيا كافة؛ وذلك نظرا لمعدل الفائدة القياسي المنخفض ونقص المعروض من المساكن، ما يعزز من نمو الأسعار... لكن مع ذلك، فإن الصورة الكاملة للقطاع العقاري تعتمد بشكل أشمل على التطورات الاقتصادية الكلية لبريطانيا، والتي تشهد مزيدا من الغموض بحسب غاردنر.
ويشير الخبير في تصريحه لـ«بلومبيرغ» إلى أنه «وفقا لأغلب التوقعات، بما فيها الخاصة ببنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، فإن الجميع يتوقع تباطؤ اقتصاد المملكة المتحدة إلى حد ما خلال العام الحالي؛ ما سيسفر عن تأثر سلبي مرجح على أوضاع سوق العمل، ونمو متواضع لأسعار المنازل».
وبدوره، يرى مارتين إليس، الاقتصادي في «هاليفاكس»، أن تباطؤ النمو الاقتصادي البريطاني في عام 2017، سيؤدي غالبا إلى ضغوط على سوق العمل، متوقعا زيادة نسب البطالة... وهو الأمر الذي سيسفر عن إعاقة لا محالة في الطلب على المنازل، وبخاصة إذا تضافر مع ضغوط على القدرة الإنفاقية للمواطنين نتيجة تراجع النمو.