وثائق تسلط الضوء على منبع الفساد في أميركا اللاتينية

ما زالت فنزويلا تعد أكثر دول أميركا اللاتينية فسادًا، ويعاني سكانها من عواقب ذلك الوضع. ويوضح التقرير الصادر أخيرًا من قبل منظمة الشفافية الدولية أن أميركا اللاتينية لديها بعض العمل اللازم القيام به لتقليص الفساد.
وقد أصدرت المنظمة المؤشر الخاص بها، مشيرة إلى استمرار انتشار الفساد، وتصدرت الفضائح في أميركا اللاتينية العشرات من عناوين الأخبار خلال العام الماضي، وكذلك شهد عام 2016 خلع الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، والقبض على أفراد عائلة الرئيس الفنزويلي مادورو في الولايات المتحدة الأميركية على خلفية اتهامات بتهريب المخدرات. وطالما كانت المنطقة مركز فضائح الفساد، التي كان لها تأثير عالمي والتي تمثلت في الكشف عن وثائق بنما التي كان لها تأثير امتد إلى بلاد مثل آيسلندا، التي استقال رئيس وزرائها، وفضيحة شركة الإنشاءات البرازيلية (أوديبريشت) التي انتهت بتسوية هائلة مع وزارة العدل الأميركية. وفضيحة شركة «أوديبريشت» لا تتوقف عن الاتساع بعد إثبات دفع رشى من قبل مجموعة الأشغال العامة البرازيلية العملاقة للحصول على عقود في عدد من دول أميركا اللاتينية، وكشفت التحقيقات عمليات مجموعات البناء البرازيلية وبينها «أوديبريشت»، حيث شكلت جماعات منظمة لإبرام الصفقات المربحة للعقود الثانوية لمجموعة «بتروبراس» النفطية، وتوزيع رشى على السياسيين، مما دفع القضاء إلى مطالبة 10 دول من المكسيك إلى الأرجنتين مرورًا ببيرو وبنما وأوروغواي، لتزويد المدعين البرازيليين بالمعلومات لإجراء تحقيقات محلية.
وترتبط مستويات الفساد بمدى سهولة ممارسة الأعمال التجارية. إذا أرادت دول أميركا اللاتينية التمتع بالازدهار والرخاء، يجب عليها مواصلة التصدي للفساد، سواء كان ذلك في مجال الأعمال الضخمة، أو في الحكومة. ويسلط تقييم المصرف الدولي للعام الماضي الخاص بممارسة الأعمال الضوء على هذه الحقيقة، حيث حصلت دول جنوب، ووسط أميركا اللاتينية على تقييم منخفض، في حين تصدرت المكسيك فقط قائمة الخمسين دولة فيما يخص سهولة القيام بالأعمال، حيث يبدو أنها قد استفادت من قربها مع الولايات المتحدة الأميركية، وما ترتب على ذلك في تأثير على ممارسات التجارة والأعمال، إلى جانب الحاجة إلى مطابقة معايير محددة في إطار اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا).
ولم يتم تصنيف فنزويلا من بين أكثر الدول فسادًا في العالم فقط بحسب منظمة الشفافية الدولية، لكن أيضًا كواحدة من بين الدول التي تتم ممارسة الأعمال والتجارة فيها بصعوبة، بحسب المصرف الدولي.
ومع ازدياد سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ازداد تقييد النظام للمشروعات الخاصة، متهمًا إياها بالعمل على تقويض الحكومة. مع ذلك لم يكن الوضع سيئًا تمامًا بالنسبة للمنطقة ككل، حيث كانت الأرجنتين من بين الدول التي تم الاعتراف بجهودها المبذولة من أجل ممارسة الحكم الرشيد، وتطبيق مبدأ سيادة القانون، وتحسين وضعها في التقييمات العالمية. مع ذلك لا تزال متأخرة عن بعض دول الجوار مثل تشيلي وأوروغواي وحتى البرازيل. من الواضح أن أمام حكومة الرئيس ماكري مزيدًا من العمل الواجب القيام به في الأرجنتين، تزامنًا مع التحقيقات التي تجري مع كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، الرئيسة السابقة للبلاد، وعدد من معاونيها على خلفية اتهامات بإساءة استخدام أموال الدولة.
ولا تزال كل من تشيلي وأوروغواي ترسخان وضعهما باعتبارهما أكثر دولتين مستقرتين في المنطقة. وقد تم تصنيفهما كأقل دولتين فسادًا في المنطقة، وكدولتين تتمتعان ببيئة مشجعة على ممارسة الأعمال. كذلك حظيت بنما بتصنيف جيد، وتم اعتبارها الدولة الأسهل في إنشاء الشركات، لكنها تشغل مركزًا متأخرًا عن دول أخرى في المنطقة فيما يتعلق بمؤشر إدراك الفساد.
قد يكون عام 2016 عامًا جيدًا من حيث مواجهة الفساد في المنطقة، حيث سلط نشر وثائق بنما الضوء على المعاملات المالية لبعض الشخصيات البارزة في كل من عالم السياسة والأعمال، وفي بعض الحالات لم يتم اتهام بعض الشخصيات البارزة في السياسة والأعمال فحسب، بل تم القبض عليهم وسجنهم. وتقول منظمة الشفافية الدولية إنه ينبغي على السلطات في كل دولة تكثيف جهودها لمنع رؤساء الشركات والمسؤولين الحكوميين من النجاة بأفعالهم الفاسدة بفضل ما يتمتعون به من حصانة، ويشمل هذا تعزيز التعاون في المنطقة بين تطبيق سلطات القانون.