«رسوم الأراضي» وبرنامج «سكني» يروضان أسعار العقارات بالسعودية

عادت السوق العقارية السعودية للانخفاض مجددًا الأسبوع الماضي، وذلك بنسبة 40 في المائة، بعد أن سجلت الأسبوع الذي سبقه ارتفاعًا بنسبة 76 في المائة بحسب المؤشرات العقارية، إذ سجّل القطاع العقاري نزولاً في إجمالي قيمة الصفقات العقارية المحلية لتستقر عند 800 مليون دولار، تحت تأثير انخفاض الطلب.
وتعددت أسباب انخفاض الصفقات، إلا أن رسوم الأراضي البيضاء تسيطر على المشهد وعلى حال السوق، إذ تعتبر القرار الأكثر تأثيرًا حتى الآن، مدعومةً بانخفاض الطلب؛ نظرًا للفجوة الكبيرة بين أسعار البائعين وقدرة المشترين، ما من شأنه أن يفتح أبوابًا أوسع فور بدء دفع الرسوم، وهو ما يراهن عليه الراغبون في التملك.
وأثّر على القطاع بشكل كبير برنامج «سكني» الذي أطلقته وزارة الإسكان في وقت سابق، وأعلنت الأسبوع الماضي فقط طرح 15653 منتجًا سكنيًا وتمويليًا غير ربحي، وهو ما يشكل تهديدًا لأداء العقار الاستثماري الربحي.
وذكر علي العبد الله الذي يمتلك الكثير من الاستثمارات العقارية، أن الانخفاض سمة غير جديدة على السوق، خصوصًا في السنوات الأخيرة التي تشهد تضاؤلاً ملحوظًا في الطلب، نتيجة عوامل متنوعة اتحدت لتضع السوق في شكله الجديد، مشيرًا إلى أزمة فعلية في الطلب في ظل تزايد العرض لمستويات جديدة، خصوصًا في قطاع الأراضي الذي يشهد نموًا في العرض.
وأضاف أن الأراضي هي المحرك الرئيس في السوق، وأن قرار الرسوم أثّر عليها بشكل كبير، وبالتالي انعكس ذلك على المؤشر العام لأداء القطاع، موضحًا أن دخول الحكومة أيضًا في خط توفير المنتجات السكنية غير الربحية كان له تأثير بشكل مباشر على قيمة وأداء الاستثمار العقاري الربحي، وضغط على أسعار المنتجات العقارية نحو الانخفاض بنسب بسيطة.
وتطرق إلى أن ذلك يحدث مدفوعًا بحاجة مستثمرين عقاريين للسيولة في ظل تباطؤ حركة العقار، ما دفع إلى انخفاض قطاع الأراضي للمخططات الجديدة بنسب تجاوزت الـ20 في المائة، وهو ما لم تشهده السوق منذ عام 2008، متوقعًا أن ينخفض السوق بأكثر من الثلث عند بدء دفع الرسوم، وهو القرار الذي سينعكس بشكل مباشر على الأسعار.
ولفت العبد الله إلى أن خفض الأسعار ليس إلا خيارًا يجب الخضوع له، خصوصًا أن المستثمرين ظلوا صائمين عن تحقيق الأرباح طوال الفترة الماضية، ووجدوا أن تحريك السوق والاكتفاء بنسب بسيطة من الأرباح أو تحصيل رأس المال أفضل من هبوط الأسعار وضياع جزء كبير من رأس المال، وهو السيناريو الذي لا يرغب به المطور العقاري.
وسجّلت السوق العقارية المحلية انخفاضًا قياسيًا في إجمالي قيمة الصفقات الأسبوعية بلغت نسبته 40.4 في المائة، مقارنة بارتفاعه للأسبوع الأسبق بنسبة 76.2 في المائة، لتستقر قيمة صفقات السوق بنهاية الأسبوع السابع من العام الحالي عند مستوى 800 مليون دولار. وشمل الانخفاض في قيمة الصفقات العقارية كلاً من القطاعين السكني والتجاري، الذي أظهر انخفاض قيمة صفقات القطاع السكني بنسبة 26.6 في المائة، مقارنة بارتفاعه للأسبوع الأسبق بنسبة 44.1 في المائة، لتستقر قيمتها بنهاية الأسبوع عند مستوى 613 مليون ريال (أي نحو 163 مليون دولار). بينما سجلت صفقات القطاع التجاري انخفاضًا بنسبة 62.1 في المائة، لتستقر قيمتها بنهاية الأسبوع عند مستوى أدنى من 213 مليون دولار.
وأكد محمد العليان الذي يمتلك شركة العليان للاستثمارات العقارية، أن القطاع العقاري يواجه منذ نحو عقد انخفاضًا في قيمة الصفقات والمبيعات بالتوازي مع الارتفاعات المتكررة لأسعار العقار، إلا أن أهم ما يميز المقارنة بين الربع الأول من العام الحالي والربع المماثل من العام الماضي هو الانخفاض في الأسعار في مختلف القطاعات، إضافة إلى انخفاض عدد الصفقات، مشيرًا إلى أن تسجيلها المزيد من الانخفاضات يبث الاطمئنان بأن السوق في تراجع صحيح.
وحول تأثير برنامج سكني التي أطلقته وزارة الإسكان السعودية، قال العليان: «من الصعب أن يتجاهل العقار التجاري تعهد الدولة بدعم السوق بحجم استثمارات في المنتجات السكنية والتمويلية بـ280 ألف منتج سكني غير ربحي، وهو ما أعلنت عنه وزارة الإسكان مؤخرًا»، لافتًا إلى أن لذلك انعكاسا مباشرا على نسبة الطلب وأسعار العرض، ويتضح ذلك من أنه فور الإعلان عن 15 ألف منتج سكني وتمويلي مطلع الأسبوع الماضي انخفضت الحركة كما هو مسجل لأكثر من 40 في المائة بحسب مؤشرات العدل المحلية، ما يعني أن دخول الدولة في تلبية السكن بالكثير من الخيارات أمر مؤثر على حال السوق وقيمته بشكل إيجابي على الأسعار، ويعكس مدى عزم الدولة على إغلاق ملف الإسكان الذي يعتبر أحد أكثر الملفات تعقيدًا.
وكانت وزارة الإسكان أعلنت مع نهاية الأسبوع الماضي عن أول حزمة من وعودها بطرح 15.653 منتجا سكنيا وتمويليا على نحو 52 مدينة، توزعت بين 7.7 ألف منتج تمويلي، مثلت نحو 49.2 في المائة من إجمالي الحزمة المعلن عنها، ونحو 5 آلاف قطعة أرض سكنية، مثلت نحو 32.0 في المائة من الإجمالي، ونحو 2.9 ألف منتج سكني ممثلا في فلل سكنية، مثّلت نحو 18.8 في المائة من الإجمالي.
وأكد عبد الرحمن النجار الذي يدير مجموعة استشارات عقارية، أن المستثمرين العقاريين سيعيدون النظر في أسعار ما يمتلكونه أو يعرضونه من عقارات، كما أن هناك انخفاضًا كبيرًا على الطلب في الوقت الذي تدفع فيه الحكومة بكل قوتها في مجال تملك المنازل.
وأضاف أن المواطنين يتريثون بالشراء في الوقت الحالي لحين البت فيما ستفضي إليه الخطوات الحكومية المقبلة التي باتت تفاجئ المستثمرين وتسحب البساط من تحت أرجلهم، مشيرًا إلى أن الإجراءات الحكومية الأخيرة ستثري بشكل كبير ميزان العرض الذي يمر بمرحلة انخفاض كبير على الطلب، لافتًا أن السوق بحاجة ماسة لمثل هذه المشاريع لترغم الأسعار على الانخفاض.
ولاحظ الانخفاض الكبير في إطلاق المشاريع التجارية التي باتت محدودة بشكل ملحوظ وهو ما يعكس حال السوق، خصوصًا أن الإعلان عن مشاريع جديدة بات الآن عملية متهورة، في ظل انخفاض الطلب ونقص سيولة المشترين وتشدد جهات التمويل، لافتًا إلى أن انخفاض الصفقات خلال أسبوع بهذا الحجم يوضح الحال الذي وصل إليه القطاع العقاري، وبات من المهم أن تعاد هيكلة الأسعار لردم الفجوة بين المستهلك والمطور.