شباب بريطانيا وعمالها عاجزون عن شراء المساكن

قدمت الحكومة البريطانية، الأسبوع الماضي، «كتابها الأبيض» حول مشكلة السكن، معترفة فيه بأن شراء أو استئجار مسكن «بات صعبًا جدًا، إن لم يكن مستحيلاً، بالنسبة لشرائح واسعة من المواطنين».
وأكدت الإحصاءات الحكومية أن الأسعار قفزت بشكل جنوني. ففي عام 1998، كان متوسط سعر المسكن يساوي 3.5 مرات متوسط الدخل السنوي للأسرة. أما الآن، فالمعدل 7 مرات، وهو يرتفع إلى 10 مرات في لندن وضواحيها القريبة، أي أن أسرة متوسطة الحال عليها توفير كامل دخلها مدة 10 سنوات لتستطيع تملك مسكن.
ويقول «الكتاب الأبيض» إن «تلبية الحاجة الإنسانية الأساسية في تملك مسكن ليست حلمًا صعب المنال وحسب، بل حلم يستحيل تحقيقه أكثر فأكثر لدى الشباب والطبقات الشعبية».
والنتيجة الحتمية لذلك أن نسبة التملك تنهار سنة بعد أخرى. وللمثال، فإن نسبة من يتملك سكنًا في الشريحة العمرية ما بين 25 إلى 34 سنة هبطت من 59 في المائة إلى 37 في المائة في 10 سنوات، مما يعني أن نحو ثلثي هذه الشريحة العمرية تعيش بالإيجار لأنها عاجزة عن التملك.
وفي الإحصاءات الحكومية أيضًا بعض الأرقام المثيرة الأخرى، مثل أنه في عام 1990 كان يكفي 3 سنوات لزوجين حتى يستطيعا توفير ما يكفي للانطلاق في مسيرة التملك براحة. أما الآن، فالفترة المطلوبة هي 24 سنة.
وفي جانب الإيجار، الوضع ليس أفضل حالاً، إذ إن الكلفة في متوسطها العام تتجاوز ما نسبته 50 في المائة من متوسط دخل الأسرة الشهري، والمستأجرون غير المستفيدين من أي دعم حكومي هم أكبر الخاسرين في هذا الوضع المتفاقم.
وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن بريطانيا تتكبد أعلى كلفة دعم حكومي للسكن بين الدول المتقدمة، بما يساوي 1.4 في المائة من الناتج، أي نحو 45 مليار دولار سنويًا، لكن هذه الإعانات السخية تدفع بدورها الإيجارات إلى الارتفاع أكثر، وهنا تكمن «الحلقة المفرغة».
ومن بين أسباب تلك الأزمة أن التعداد السكاني يرتفع بقوة في بريطانيا، خصوصًا في المدن الكبرى، إلى جانب هجمة تملك الأجانب، بينما حركة البناء لا تلحق بمعدلات النمو الديموغرافي نفسها، فعرض الوحدات الجديدة أقل من المطلوب بنسبة 20 إلى 50 في المائة في عدد من المناطق.
ويذكر أن رئيسة الحكومة السابقة مارغريت تاتشر فتحت في الثمانينات من القرن الماضي سبيل تملك المساكن الشعبية أمام مستأجريها، وكان ذلك «سياسة شعبية» بامتياز، إلا أن الوجه الآخر للعملة يظهر في أن نسبة تلك المساكن الشعبية هبطت من 34 في المائة من إجمالي الوحدات السكنية آنذاك إلى 17 في المائة فقط حاليًا.
ويلقي معظم الباحثين والمتخصصين باللوم أولاً على السياسات العامة. على سبيل المثال، يقول الباحث في جامعة مانشستر الدكتور نيك مول: «إن الحكومة تقاعست عن تلبية كثير من الاحتياجات والمطالب السكنية. هذه المشكلة طويلة الأجل، لكنها تفاقمت بشكل دراماتيكي، في ظل تخفيض تمويل وبناء السكن الرخيص. فمنذ الستينات، تعد الحكومات المتعاقبة - من جميع الاتجاهات والأطياف السياسية - بتجديد الأحياء السكنية القديمة، وزيادة العرض فيها، لكن هذا الأمر متوقف تقريبًا».
على صعيد متصل، أظهرت إحصائية جديدة، صادرة عن موقع «فاليو ووك» (Valuewalk)، أن «مدينة لندن تحتل المرتبة الرابعة عالميًا، من حيث أغلى المنازل في العالم، بعد هونغ كونغ ومانهاتن وسنغافورة. ويصل متوسط سعر القدم المربع الواحد فيها إلى 1217 دولارًا. أما متوسط سعر منزل في لندن، فقد حلق العام الماضي إلى نحو 500 ألف جنيه إسترليني، للمرة الأولى في التاريخ».
وصنفت دراسة حديثة، صادرة عن «أكسفورد إيكونوميكس»، مدينة لندن كخامس أغلى سوق عقارية في العالم. كما يقول البحث السنوي لعام 2017، في نسخته الـ13، الصادر عن منظمة «بيرفورمانس أيربان بلانينغ»، إن لندن تعاني «أسوأ فقاعة سكن في العالم. فبعدما شهدت هجرة كبيرة إليها، بدأ ارتفاع أسعار السكن يرمي بثقله على السكان، حتى أن بعضهم تخلى عن فكرة شراء عقار في المدينة، أو الإقامة فيها، وراح يبحث عن أسواق أرخص». لكن التقرير يؤكد أن الأسواق السكنية الرئيسية الـ21 في المملكة المتحدة «لا يمكن احتمال غلاء الأسعار فيها، بالنسبة لشرائح واسعة من البريطانيين».
ورغم الجهود التي بذلتها الحكومة البريطانية لتهدئة الأسعار، من خلال رفع معدلات الضريبة، خصوصًا على العقارات الفاخرة، وفرض ضرائب جديدة على العقارات الاستثمارية، فإن محاولاتها لم تجد نفعًا كبيرًا حتى الآن. لكن خبراء اقتصاد يراهنون على انخفاض الأسعار مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهبوط قيمة الجنيه الإسترليني.
في المقابل، هناك فئة من اللندنيين تبدو سعيدة ومطمئنة إلى أن منازلها تستحق ثمنها المرتفع. ومعظم هؤلاء كانوا يتخوفون من تأثر الأسعار بنتيجة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وزيادة الضرائب، لكن موقع «رايت مووف» العقاري أظهر أخيرًا أن أسعار البيوت في العاصمة حافظت على قيمتها بشكل ملحوظ، لكن هذه النظرة الوردية قد لا تستمر لأن مؤشرات الأشهر الأخيرة تؤكد اتجاه هبوط المبيعات نسبيًا.
جدير بالذكر أن لندن من أكثر المدن استقطابًا لرؤوس الأموال من الخارج، بعد مانهاتن في نيويورك، حيث اشترى المستثمرون الأجانب عقارات في هذه المدينة بين يونيو (حزيران) 2015 ويونيو 2016 بما قيمته 25 مليار دولار، بحسب آخر بيانات صادرة عن مؤسسة «نايت فرانك» للاستشارات العقارية التي تؤكد أنه منذ عام 2013 والأسعار في لندن ترتفع بمعدل نمو مكون من رقمين كل سنة، ليصعد متوسط سعر المنزل في لندن من 257 ألف جنيه إسترليني في عام 2006، إلى 474 ألف جنيه إسترليني في عام 2016، بزيادة قدرها 84 في المائة، أي بعدل نمو سنوي فوق 8 في المائة.