متجاوزة بريطانيا... ألمانيا تتصدر سوق العقارات الأوروبية

تمكنت ألمانيا من تجاوز بريطانيا لتصبح صاحبة أكبر سوق للعقارات التجارية في أوروبا، وهو ما يعكس حالة الحذر التي تسود الأجواء بين المستثمرين عقب تصويت المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي.
ووفقًا لبيانات شركة «ريـال كابيتال أناليتكس»، بلغت قيمة إجمالي ما تم تداوله من العقارات التجارية في ألمانيا 59 مليار يورو (نحو 63.65 مليار دولار) خلال العام الماضي، مقارنة مع 57 مليار يورو فقط (61.49 مليار دولار) في بريطانيا.
وتشير البيانات التي ظهرت مطلع الأسبوع الحالي أيضًا إلى تراجع حجم المعاملات بالقطاع العقاري البريطاني بنسبة 43 في المائة على أساس سنوي في عام 2016، حيث تسببت نتيجة تصويت البريكست في عزوف عدد من المستثمرين الذين كانوا قلقين بالفعل قبل النتيجة بسبب ارتفاع أسعار العقارات في المملكة المتحدة.
وتراجع حجم المعاملات أيضًا في ألمانيا وبقية دول أوروبا بشكل عام، ولكن بمستوى أقل من انخفاضها في بريطانيا.
وتتماشى نتائج «ريـال كابيتال أناليتكس»، مع مسح سابق ظهر في ربيع العام الماضي، قبل تصويت «بريكست»، أوضح أن القلق بشأن مستقبل بريطانيا الاقتصادي أدى إلى تراجع مكانة بريطانيا العقارية لصالح ألمانيا أيضًا من حيث كونها أكبر دولة أوروبية جاذبة للاستثمارات العقارية.
وكان المسح السنوي لمستثمري العقارات الصادر عن شركة «سي بي آر إي»، في مارس (آذار) الماضي، قد أشار إلى أن 17 في المائة من المستثمرين اختاروا ألمانيا كأفضل دولة في الاستثمار العقاري، مقابل 15 في المائة فقط صوتوا لصالح المملكة المتحدة، انخفاضًا من نسبة جذب بلغت 31 في المائة في ربيع عام 2015.
وتأثرت بريطانيا كثيرًا بعدد من العوامل، من بينها عدم اليقين العام عقب استفتاء يونيو (حزيران) 2016 الذي أسفر عن اختيار غالبية الناخبين للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى القلق بشأن حرية التنقل مع دول أوروبا، وكذلك التسهيلات المالية التي تكفلها عضوية الاتحاد للمواطنين بين بلدانه، إضافة إلى تفكير عدد لا يستهان به من البنوك والشركات في نقل مقارها الرئيسية خارج العاصمة البريطانية لندن، التي تعد عاصمة المال والأعمال الأوروبية.
* تراجع مؤشر البناء
وفي سياق ذي صلة، سجل مؤشر مديري مشتريات البناء البريطاني أول تراجع له منذ سبتمبر (أيلول) 2016، وذلك خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، لينهي وتيرة ارتفاعه.
وأظهرت البيانات الصادرة عن معهد «تشارترد للمشتريات والاقتصاد»، نهاية الأسبوع الماضي، تراجع مؤشر مديري المشتريات إلى 52.2 نقطة خلال يناير، مقابل ارتفاعه عند 54.2 نقطة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وشهدت تكاليف المدخلات أقوى معدلات التضخم لها منذ أغسطس (آب) 2008، فيما سجل نمو فرص العمل داخل القطاع أعلى مستوى له منذ 8 أشهر، وفقًا للبيان، والذي أشار إلى أن «قطاعي التشييد والبناء والنشاط التجاري شهدا تباطؤًا في النمو، مقارنة بالتوسعات التي تمت في القطاعين نهاية 2016».
ومع بداية العام الحالي، رجحت تقارير عقارية أن وتيرة النمو العقاري ستتجه إلى التباطؤ في بريطانيا خلال عام 2017 في ظل الضبابية التي تكتنف التطورات الاقتصادية، خصوصًا مع الغموض المتزايد حول كيفية تنفيذ المملكة المتحدة لتخارجها المزمع من الاتحاد الأوروبي والذي سيبدأ في شهر مارس المقبل.
وقالت شركة «نيشن وايد» للتمويل العقاري منتصف الشهر الماضي إن أسعار المنازل في بريطانيا زادت أكثر من المتوقع في ديسمبر الماضي. وأوضحت في تقرير لها أن الأسعار زادت على أساس سنوي في الشهر الأخير لعام 2016 بنسبة 4.5 في المائة، مقابل زيادة بنسبة 4.4 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وكان خبراء اقتصاد استطلعت «رويترز» آراءهم في شهر ديسمبر توقعوا زيادة الأسعار بنسبة 3.8 في المائة فقط.
* استمرار الضغوط
وأشارت نيشن وايد إلى أن 2016 هو أول عام منذ 2008 تزيد فيه أسعار المنازل في العاصمة لندن بوتيرة أبطأ من متوسط نموها في بريطانيا. ويرجع ذلك بحسب المحللين إلى أن المشترين خلال العام المنصرم واجهوا الكثير من الضغوط المتزايدة، حيث وجدوا أنفسهم غير قادرين على تحمل زيادات التكاليف بما يفوق إمكاناتهم المادة، وذلك وفقًا لجمعية البناء الوطنية.
وارتفعت أسعار المنازل في العاصمة البريطانية بمعدل 3.7 في المائة فقط خلال عام 2016 عن مستواها السنوي السابق، مقارنة بارتفاع بلغت نسبته 12.2 في المائة في عام 2015.
ويرى روبرت غاردنر، كبير الاقتصاديين في «نيشن وايد»، أن «فترة الأداء المبهر للعاصمة البريطانية في القطاع العقاري ربما شارفت على الانتهاء»، مضيفًا أن «عددًا متزايدًا من الناس في لندن وجنوب إنجلترا يجدون أنفسهم خارج أسعار السوق، أو مضطرين للاستدانة والاقتراض بنسب تفوق دخلهم السنوي من أجل دفع تكاليف مسكن، وذلك على الرغم من أن من انخفاض أسعار الفائدة قد ساعد في خفض تكاليف الرهن العقاري الشهرية»، بحسب ما نقلته وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية.
* التباطؤ ليس سيئًا في المطلق
ومن بين دول أوروبا، ينظر دومًا إلى القطاع العقاري البريطاني كنموذج حيث تملك نسبة كبيرة من السكان بيوتها، كما أن الكثير من الشركات الدولية الكبرى تتخذ من لندن مقرًا لها، مما يزيد الطلب على العقارات التجارية والإدارية.
وفي منتصف الشهر الماضي، أكدت كبيرة الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كاثرين مان، قائلة: «لقد بدأنا نشاهد تغيرًا ملحوظًا في أسعار العقارات في بريطانيا وتحديدا لندن». ومنذ النصف الثاني من العام الماضي، شهدت العقارات البريطانية تباطؤًا في الأسعار، خصوصًا في لندن مع توقعات بهبوط الأسعار في العاصمة خلال عام 2017.
وتقول مان إن «هذا الهبوط - إن حدث - فإنه أمر جيد للاقتصاد البريطاني، ويمثل محاولة للهروب من كارثة عقارية جديدة؛ طالما كان هذا الهبوط تدريجيًا في إطار تصحيح الأسعار، وليس هبوطًا حادًا يضعضع الاقتصاد»، وهو رأي يؤيده معظم الخبراء. لكن المشكلة، التي تظهرها أرقام أغلب شركات السمسرة العقارية في بريطانيا، أن السوق تعاني من شبه جمود مع تراجع عدد العقارات المعروضة وانخفاض الطلب، ما يجبر البائعين على القبول بأسعار أقل. وبلغت أسعار عقارات لندن ذروتها في بداية عام 2016، لكنها تراجعت في الربع الأخير، بينما لم يكن الانخفاض كبيرًا على مستوى بريطانيا ككل. وترجع مان سبب انخفاض أسعار العقارات في بريطانيا إلى عدم اليقين السائد في هذا البلد بعد التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي. وأكدت أن ذلك يؤثر أيضًا على بقية أوروبا خصوصًا اقتصاداتها الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
* نقطة الإشباع
وتظهر البيانات الصادرة عن سماسرة سوق العقارات في بريطانيا، أن قطاع البيوت وصل إلى «نقطة الإشباع» في تضخم الأسعار، وتؤكد تلك المعطيات على مدار عام 2016 وتحديدًا في لندن. وتشير إلى أن البائعين يعرضون عقاراتهم لبيع ما لديهم بأسعار أقل مما كانوا يريدون الحصول عليه، بينما توقف المشترون عن الإقبال على السوق في ظل عدم وضوح مستقبل البلاد بعد صدمة التصويت للانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وفي الشأن ذاته، يقول الباحث الاقتصادي جوني موريس إن «بريطانيا تعاني من قلة المنافسة في سوق العقارات. وصعوبة البيع وتردد المشترين، بدآ يدفعان البائعين إلى تغيير قرارهم بالبيع وسحب العقارات من السوق». وأكد تقرير صادر عن المعهد الملكي للمسح العقاري أن عدد المشترين كان في أدنى مستوياته في النصف الثاني من عام 2016، كما تراجع عدد العقارات المعروضة للبيع إلى مستويات قياسية متدنية، مما حال دون انخفاض هائل في أسعار العقارات وجعل الانخفاض في إطار المقبول أو ما يمكن وصفه بالانخفاض التدريجي. ويتوقع موريس أن تستمر الأسعار في الانخفاض مع استمرار حالة عدم اليقين، مما يعني أن البيع سينخفض وسيجعل المضطرين للبيع يفكرون جديًا في تخفيض الأسعار أكثر فأكثر. ورجح نشوب أزمة عقارات جديدة إذا تدهورت الحالة واستمرت لمدة أطول.
وفي تقرير لمؤسسة «هاليفاكس» المالية، التي تعمل بقوة في المجال العقارية، أوضحت بدورها في يناير الماضي أن الضغوط المالية وتقلص القدرة على تحمل تكاليف السكن في بريطانيا قد تسفر عن تباطؤ حاد في أسعار المساكن بالعاصمة البريطانية خلال العام الجديد، بأكثر من غيرها.
وأشارت «هاليفاكس» إلى أن التراجع كان السمة الغالبة على أداء لندن العقاري خلال العام الماضي، موضحة أن أسعار المنازل الفاخرة، في بعض الضواحي الثرية في لندن، شهدت انخفاضات حادة بلغت في بعض الأحيان نحو 10 في المائة في عام 2016، كما انخفضت أسعار الأراضي. فيما أشار موقع «رايت موف» العقاري الشهير إلى أن «الفقاعة العقارية» اللندنية استمرت على مدار شهور العام الماضي في التناقص، متوقعًا استمرار انخفاض الأسعار بما يصل إلى نحو 5 في المائة خلال العام الجديد.
وتتوقع «نيشن وايد» أن يشهد عام 2017 نموًا يقدر بنحو 2 في المائة في كل أرجاء بريطانيا، وذلك نظرًا لمعدل الفائدة القياسي المنخفض ونقص المعروض من المساكن، مما يعزز من نمو الأسعار.. لكن مع ذلك، فإن الصورة الكاملة للقطاع العقاري تعتمد بشكل أشمل على التطورات الاقتصادية الكلية لبريطانيا، والتي تشهد مزيدًا من الغموض بحسب غاردنر. ويشير الخبير في تصريحه لـ«بلومبيرغ» إلى أنه «وفقًا لأغلب التوقعات، بما فيها الخاصة ببنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، فإن الجميع يتوقع تباطؤ اقتصاد المملكة المتحدة إلى حد ما خلال العام الحالي، مما سيسفر عن تأثر سلبي مرجح على أوضاع سوق العمل، ونمو متواضع لأسعار المنازل».
وبدوره، يرى مارتين إليس، الاقتصادي في «هاليفاكس»، أن تباطؤ النمو الاقتصادي البريطاني في عام 2017، سيؤدي غالبًا إلى ضغوط على سوق العمل، متوقعًا زيادة نسب البطالة.. وهو الأمر الذي سيسفر عن إعاقة لا محالة في الطلب على المنازل، خصوصًا إذا تضافر مع ضغوط على القدرة الإنفاقية للمواطنين نتيجة تراجع النمو.