موسكو تدافع عن ترامب وتهاجم إدارة أوباما

أرسلت موسكو جملة رسائل إيجابية جديدة، دفاعًا عن إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، مقابل انتقادات حادة لإدارة الرئيس أوباما المنتهية ولايتها. ويوم أمس، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أمله بأن تكون العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد إدارة ترامب طبيعية، وجيدة، «كما هو الأمر بالنسبة للعلاقات بين أي بلدين، وألا يتدخل أحد بالشؤون الداخلية للآخر». وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك أمس مع نظيره النمساوي سباستيان كورتس، إن روسيا متفقة مع ما قاله ترامب حول ضرورة التعاون مع روسيا إن تطلبت المصالح الأميركية ذلك، لافتًا إلى أن روسيا أيضًا مستعدة للتعاون مع أي دولة عندما تتطلب مصالحها ذلك.
وأكد الوزير الروسي أن بلاده تقف جانبًا مما يجري في الولايات المتحدة بين الإدارة المنتهية ولايتها وإدارة ترامب، وتراقب ما يجري هناك، وكيف تحدد إدارة ترامب أولويات عملها، متهما من قال إنهم «حلفاء أميركا» الذين يتهمون روسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية الروسية، بأنهم «هم من تدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة» حين أعربوا بوضوح عن دعمهم للمرشحة هيلاري كلينتون، ووجهوا انتقادات للمرشح ترامب.
ولعل الرسائل الروسية الأكثر إيجابية لإدارة ترامب، كانت تلك التي تضمنتها تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحافي عقب محادثاته مع نظيره المولدوفي إيغر دودون يوم أول من أمس. وأشار بوتين في تلك التصريحات إلى أن الولايات المتحدة ما زالت تشهدا صراعًا سياسيًا داخليًا، محذرًا من «ميدان» ضد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يوم تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، في إشارة منه إلى ما جرى في أوكرانيا عام 2014، حين شهدت ساحة «ميدان الاستقلال» في كييف مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، في أزمة لم تنتهِ حتى اليوم، بينما أدت إلى عزل الرئيس المنتخب فيكتور يانوكوفيتش، وأصبح تعبير «ميدان» منذ ذلك الحين يشير في الخطاب السياسي الروسي إلى الاحتجاجات ضد السلطات.
وأعرب بوتين عن اعتقاده بوجود قوى سياسية محددة في الولايات المتحدة، تسعى إلى تقويض شرعية الرئيس المنتخب. وفي إشارة واضحة إلى إدارة أوباما التي تتهمها موسكو بالوقوف خلف الاحتجاجات في كييف، قال الرئيس الروسي: «يتولد انطباع بأن تلك القوى تدربت في كييف، وهي مستعدة لإطلاق (ميدان) في الولايات المتحدة، كي لا تسمح للرئيس الجمهوري بأن يباشر مهامه»، إذ يرى بوتين أن النخب السياسية المعارضة لترامب تسعى إلى تحقيق هدفين؛ الأول هو تقويض شرعية الرئيس المنتخب. أما الهدف الثاني فهو «تكبييل» الرئيس المنتخب لمنعه من تنفيذ تعهداته التي أطلقها أثناء الحملة الانتخابية.
ودافع بوتين عن ترامب في قضية المعلومات حول سلوكه أثناء زيارته إلى موسكو وعلاقاته مع فتيات في أحد فنادق موسكو، إذ أشار الرئيس الروسي إلى أن ترامب تولى لسنوات طويلة تنظيم مسابقات «ملكة جمال الكون»، وكان يتعامل مع أجمل حسناوات العالم، لهذا يستبعد الرئيس الروسي أن يهرع مثل هذا الرجل، فور وصوله موسكو، إلى فندق ليلتقي فيه بائعات هوى روسيات. ووصف تلك المعلومات بأنها «تزوير واضح»، لافتًا إلى أن ترامب كان قد زار موسكو منذ عدة سنوات، قبل أن يكون رجل سياسة. وأردف بوتين متسائلاً: «هل هناك من يعتقد فعلاً أن الاستخبارات الروسية تتابع كل ملياردير أميركي؟»، مؤكدًا أن «الأمر ليس كذلك، وهذا كله محض هراء»، متهمًا الأشخاص الذين يلفقون تلك «الفبركات» بأنهم يروجون لها و«يستغلونها في الصراع السياسي»، وهم، حسب رؤية الرئيس الروسي، «فقدوا كل حدود الأخلاق».
ويضع الرئيس الروسي ما يجري في إطار ما يقول إنه صراع سياسي داخلي مستمر في الولايات المتحدة، على الرغم من أن العملية الانتخابية قد انتهت. وقال بوتين: «نرى أن الصراع السياسي في الولايات المتحدة ما زال مستمرا، على الرغم من أن الانتخابات قد انتهت، وفاز فيها السيد ترامب بجدارة»، ملمحًا إلى أن إدارة أوباما لا تريد «المغادرة» حين قال إن «هناك أناسًا لا يودعون أثناء مغادرتهم احترامًا للوضع القائم، وهناك نوع آخر يودعون إلى ما لا نهاية، لكن لا يغادرون»، ويرى بوتين أن إدارة أوباما «تنتمي إلى الفئة الثانية». وتأتي تصريحات بوتين التي لا يخفي فيه حرصه على تنصيب أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، في وقت حذرت فيه السلطات الأمنية من احتجاجات متوقعة يوم غد الجمعة، أثناء تنصيب ترامب، يتوقع أن يشارك فيها أكثر من 900 ألف محتج. كما ذكرت السلطات المسؤولة عن الساحات المتاخمة للبيت الأبيض أنها تتوقع خروج قرابة 350 ألف محتج في تلك المنطقة، لكن في اليوم التالي بعد تنصيب دونالد ترامب.
وكانت احتجاجات عارمة قد اجتاحت غالبية الولايات الأميركية بعد فرز الأصوات والإعلان عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، حينها رفضت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية اعتبار ما يجري رد فعل طبيعي لدى الرأي العام المحلي، ووصفت الاحتجاجات بأنها برنامج. وقالت في حديث تلفزيوني يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 إن «هذه ليست احتجاجات، وهي في الواقع برنامج، وأداة تأثير مهمة على عملية تشكيل الإدارة»، حسب قول زاخاروفا التي اعتبرت أنه بوسع الديمقراطيين الذين خسرت مرشحتهم مخاطبة المحتجين ليعودوا إلى منازلهم، لكنهم لا يفعلون ذلك، «لأن الاحتجاجات واقعة سيستغلونها في التفاوض على الحقائب» وفق ما ترى زاخاروفا. بموازاة تلك التصريحات كانت وسائل الإعلام الروسية تتناقل بشكل واسع التقارير التي نشرتها مواقع إلكترونية، وتقول فيها إن منظمة اسمها «صندوق الوحدة التقدمي» تقف خلف الاحتجاجات ضد ترامب، وإن نشطاء يعملون لصالحها نظموا الاحتجاجات في مختلف المدن الأميركية بعد الإعلان عن فوز ترامب.