كاليفورنيا التي سيضربها الزلزال أو سيغزوها الغرباء

تهتز الأرض تحت مدينة لوس أنجليس طوال العام. الخبراء المتعاطون مع هذا الأمر ما زالوا يعتقدون أن زلزالاً قويًا قد يضرب المدينة أو مدنا كبيرة أخرى في ولاية كاليفورنيا، مثل سان فرانسيسكو، وهو اعتقاد ساد منذ عدة عقود وقعت خلالها هزّات كثيرة شعر ببعضها المقيمون ومرّت أكثر منها بنوع من الصمت أو بالقدر الأدنى من إثارة الانتباه.
هو خطر دائم لكنه ما عاد يثير خوف أحد بسبب حالة اعتياد أو نظرًا لأن معظم الناس لا تستطيع أن تفعل شيئا حيال أي كارثة سوى استقبالها ومحاولة البقاء حية فيما بعد. على ذلك، الخطر موجود وفي فيلم «سوبرمان 2» لرتشارد لستر (1980) بناء كامل على هذا الاحتمال عندما يشير جين هاكمان، شرير الفيلم، إلى خريطة ويكشف عن أن السبب في أنه اشترى كل مناطق ولاية أريزونا على الحدود الشرقية مع كاليفورنيا يعود إلى أنه قرر ألا ينتظر بل سيبادر بالتسبب في زلزال قوي ينسف كاليفورنيا كلها ويفصلها عن اليابسة ما يجعل أريزونا على البحر، وبذلك ترتفع أسعار الأراضي التي استحوذ عليها.
سوبرمان ينقذ المدينة من قبل نجاح الخطّـة. لا يستطيع الشرير هاكمان فعل شيء سوى انتظار الجزء الثالث من المسلسل على أمل أن يرد الصاع صاعين ويفتك بعدوّه اللدود. لكن الجزء الثالث استبعده وعاد في جزء رابع سنة 1987 وهو لم يتحدّث عن كارثة تحط فوق لوس أنجليس بل الفيلم كان الكارثة الحقيقية.
في الحياة الحقيقية بعد ذلك، كريستوفر ريف الذي لعب شخصية سوبرمان في هذه الأفلام الأربعة سقط عن ظهر حصان وأصبح مقعدًا لحين وفاته سنة 2004 وجين هاكمان (86 سنة الآن) قام، في العام نفسه، بتمثيل آخر دور له على الشاشة، في فيلم كوميدي بعنوانه «مرحبًا في موسبارت» ثم انسحب ولا يزال متوقفًا بقراره عن العمل.
* زلزال السبعينات
مدينة لوس أنجليس تهتز دائمًا حتى من دون حدوث زلازل أرضية. يكفي ما عليها من بشر وحجم مصالح وتنافس بين الاستوديوهات ورجال الأعمال وحجم المدينة الممتد من وسطها لساعتين أو ثلاث ساعات في أي من الاتجاهات الأربعة. لكن السينما لا ترحم من فيها من الكوارث. بين كل عامين أو ثلاثة يتقدّم إنتاج ضخم وفي بال صانعيه الانتقام منها بالتدمير الكامل. هو زلزال أحيانًا وغزاة فضاء أحيانًا أخرى وحرائق تهب عليها من كل صوب وفي العامين الأخيرين، سمك قرش لديه القدرة على الطيران والانقضاض على الناس كما لو كانت الأسماك قذائف موجهة وهذا كما تابعنا في ثلاثة أجزاء من شيء فيلم عنوانه Sharknado
ما هو غريب لحد بعيد أن معظم هذه الأفلام خيالية لا تقبل الواقع ولو أن تلك التي تعاملت مع الحرائق هي الأقرب احتمالاً لكثرة الحرائق التي تقع في شرق وشمال المدينة كل سنة.
لكن الفيلم الأكثر واقعية بينها، وإن استمتع بدوره بحبكات درامية عالية، هو «زلزال» الذي أخرجه الراحل مارك روبسون سنة 1974 من كتابة ماريو بوزو، الذي صنع اسمه بعد نجاح «العراب» وجورج فوكس الذي لم يكتب سوى هذا الفيلم (أو ربما كتب ولم يبع).
إنه الفيلم الذي قاد بطولته لفيف من نجوم ذلك الحين وما قبل: شارلتون هستون، آفا غاردنر، جورج كندي، جنفييف بوجولد، رتشارد راوندتري وولتر ماثاو. وهو يبدأ بملاحظة أن احتمالات الزلزال قوية، ويشير إلى تشقق السد الكبير الذي يوفر الماء للمدينة. بعد عشر دقائق يتحقق الوعد وتهتز المدينة بشدّة لم نرها في أي فيلم سابق. لزيادة جرعة التأثير، قامت شركة يونيفرسال بتزويد صالات السينما في أميركا وبعض العواصم، ومنها بيروت، بجهاز يجعل المشاهد يحس بأن الصالة ذاتها التي تهتز.
لا أدري ما حدث لذلك الاختراع لكنها كانت المرّة الوحيدة التي تم تصميم هذا الجهاز لهذه الغاية.
سنة 1974 كانت سنة كوارث لأنه في الوقت الذي كانت فيه لوس أنجليس تعيش كارثة الزلزال في فيلم مارك روبسون، كانت سان فرانسيسكو تعيش كارثة أخرى وإن لم تكن بالحجم ذاته. شركتا وورنر وفوكس تعاونتا على إنتاج «الجحيم البرجي»، كما عنوانه الأصلي أو «برج الجحيم» كما في عنوانه المترجم: ناطحة سحاب في مدينة سان فرانسيسكو مؤلّـفة من 135 طابقًا والنار تشتعل فيها من الطابق الواحد والثمانين. من هم فوق ذلك الدور مهددون بالموت وعلى ستيف ماكوين وبول نيومان العمل على إنقاذهم.
قبل 27 سنة من مشاهدتنا صورًا لأشخاص يرمون بأنفسهم من طوابق برجي نيويورك، قامت السينما بتقديم مشهد مماثل باستثناء أن أحدًا من الممثلين لم يمت نتيجة رمي نفسه هربًا من النيران.
* تكره البشر
عاد الزلزال المهدد لكل كاليفورنيا إلى الصدارة قبل عامين عندما قام براد بيتون بإخراج فيلم مبني بالكامل على نظرية أن خط الزلازل المسمّى سان أندرياس سوف يضرب المدينتين المتقاربتين بالفعل. الفيلم هو «سان أندرياس» والبطولة لدواين جونسون الطيار المحنك الذي سينقذ كل فرد من أفراد عائلته: زوجته في مدينة وابنته في مدينة أخرى لكن الحظ الكبير بجانبه طوال الوقت. وسط الكارثة التي دمّـرت المدينتين والهزات المتوالية التي لا تنتهي سينقذهما وفي الوقت المناسب قبل نهاية الفيلم. سنرى خلال ذلك الناس وهي تركض فوق الطرقات التي تميل بها علمًا بأنه في حال وقوع زلزال بنصف قوّة الزلزال الذي ضرب الفيلم فإن أحدًا لن يستطيع المشي (ناهيك عن الركض) لأن الأرض إذ تميد تجعل من المستحيل المشي فوقها. لكن هذه النقطة ليست مهمّـة. وهل سنعرف أكثر من دواين جونسون؟
في غير هذه الأفلام فإن الخطر الآخر الكبير هو أن تهبط فوق ولاية كاليفورنيا مخلوقات من الفضاء البعيد تختار، من بين كل المدن في العالم، لوس أنجليس لمحوها.
أحد أول الأفلام التي اختارت هذه الطريقة لتدمير الحياة هو «حرب العوالم» (The War of the Worlds): خيال علمي من العام 1953 لبايرون هاسكن عن رواية هـ. ج. وَلز مع جين باري وبضعة أخيار في مواجهة «الصحون الطائرة» كما كان اسمها، تلك التي تحمل مخلوقات تكره البشر وتريد الفتك بهم وبحضارتهم.
لكن في حين أن النجاة في معظم ما سبق من أفلام تكمن في تعاون البشر فيما بينهم لدرء الخطر، فإن الدين هنا هو الملجأ حسب الفصل الأخير من الفيلم حيث لا تستطيع هذه المخلوقات إيذاء أولئك الذين لجأوا إلى الكنيسة اتقاء للخطر.
المدينة في هذا الفيلم صغيرة لكن استحواذها لو تم كان التمهيد للسيطرة على مدن أكبر، وهذا هو الحال بالنسبة لمخلوقات غريبة أخرى في فيلم «غزاة ناهشو الجسد» لدون سيغال (1956).
إنها بلدة قريبة من سان فرانسيسكو والمخلوقات هي شرانق نباتية تهبط مع المطر وتنمو سريعًا ثم تمتد إلى البشر النائمين لتستولي عليهم. في الصباح يبدو البشر هم أنفسهم لكنهم في الحقيقة ما عادوا كذلك. الطريقة الوحيدة للمقاومة هي عدم النوم. في النهاية يبقى من القرية شخص واحد فقط (الممثل كَـڤن ماكارثي) المقاوم وينطلق إلى الطريق الرئيسي يحاول تحذير المتجهين إلى سان فرانسيسكو بأن هناك غزوا فضائيا.
إنه فيلم فوبيا مناسب جدًا لتلك الحملة المكارثية (ليس تبعًا للممثل بل للسيناتور جو ماكارثي) التي حذّرت من امتداد الخطر الشيوعي وشبّـهته هنا بقدرته على احتلال العقول والأبدان لتكوين شخصية واحدة بلا هوية إنسانية. «حرب العوالم» كان بدوره تحذيرًا من الخطر الأحمر لذلك كان اللجوء إلى الدين بمثابة الرد الحاسم ضد الآيديولوجية التي رفضت الدين.
في النسخ الأحدث من «أفلام الدمار الشامل» نجد أن لوس أنجليس ما زالت تعاني من نقمة صانعي الأفلام فيبادرون إلى إزالتها. طبعًا الغاية هو الإيعاز للجمهور (ومعظمه من أبناء المدن الكبيرة) أنه ليس بمنأى عن الخطر. ها هو رولاند إيميريش يدمّـرها وولاية كاليفورنيا مرّتين. مرّة سنة 1996 في «يوم الاستقلال» ومرّة أخرى (أكبر) في «2012» كجزء من نبوءة نهاية العالم في ذلك التاريخ.