«مهرجان الفنون الإسلامية» يجمع عشرات الفنانين في الشارقة

أربعون يومًا وأكثر من 300 نشاط على لائحة برنامج «مهرجان الفنون الإسلامية» في الشارقة والمستمر حتى 26 من الشهر الحالي. فنانون عرب، مسلمون، من دول غربية وأفريقية، جميعهم يشاركون في معارض، وورشات عمل، ومحاضرات، ونقاشات، وندوات، وعروض لأفلام. في كل يوم جديد، والمحور دائمًا هو الـ«بنيان» الإسلامي وما يمكن أن يوحي لكل مشارك في هذه المناسبة.
تستضيف متاحف الشارقة معارض لأعمال تنافس على تنفيذها عشرات الفنانين الآتين من خلفيات متباينة، بينهم الإيطالي والأميركي والإسباني والبرازيلي والياباني والكوبي، إضافة إلى المصري والسعودي والأردني وجنسيات أخرى، غير تلك التي نفذت في الهواء الطلق، لمتعة العابرين.
الفن البصري الإسلامي إذن، في عيد خلال الدورة التاسعة عشرة من هذا المهرجان. وإذا كان من الصعب الإحاطة بكل المعارض فإن أكبرها هو الذي يقام في «متحف الفن الإسلامي»، حيث تتجاور أعمال، بينها ما هو شديد الحداثة يعتمد التكنولوجيا تقنية، وغيره ينهل من المواد الكلاسيكية بروح مبتكرة، أو يذهب إلى مستخدماتنا اليومية ليفاجئنا بأنها قد تتحول بقليل من الحنكة إلى عمل إبداعي، كما حال الفنان السعودي راشد الشعشعي الذي جعل من ألوان سجادات الصلاة حين يضعها بقرب بعضها البعض، فتنة للعين. وفي شريط فيديو مرافق، يمكننا أن نرى المصلين يدخلون صالة أو مسجدًا لأداء فريضتهم، فإذا بهم وهم يتناولون السجادات، ويضعونها بقرب بعضها البعض أو حين يركنونها جانبًا وهم ينتهون من أداء صلاتهم، أو يعاودون استخدامها لمرة جديدة، يرسمون لوحات من ألوان لا بد أنها تمر أمامنا كثيرًا لكننا لا ندرك فنيتها. الشعشعي بالفيديو أو من خلال الزاوية التي عرض فيه سجادات تكاثرت وتداخلت صورها بفضل انعكاسات المرايا التي استخدمها، يقدم عملاً فاتنًا للبصر يصعب وصفه كونه يعتمد على خدع لعبة المرايا المتكسرة. فنان آخر، هولندي هذه المرة، لم يذهب إلى العناصر التراثية، بقدر ما اعتبر أن غياب التجسيد هو أحد أهم عناصر الفن الإسلامي فنحا للتجريد وقدم روب بونوف مع مايك ريجنيرز للزائرين، ما يشبه غرفة سحرية معتمة تلمع فيها الخطوط المستقيمة الراقصة، على أنغام موسيقى إلكترونية، في تشكيلات خالبة للنظر. يدخل المتفرج فلا يرى سوى صندوق صغير منتصب وسط الغرفة، ترقص فيه الأنوار وتنعكس على الحيطان في خطوط متجددة الأشكال، وهو ما يشرح روب بونوف بأنه عمل متناسق أنجز بالتعاون بينه وبين شريكه الذي وضع برنامجًا إلكترونيًا ساعده على تصوره.
أحمد قشطة فنان مصري/ إسباني، استخدم علَّاقات الثياب (الشماعات) ليشيد منها أشكاله وعمرانه الإسلامي. مكعبات وبوابات، وأعمدة بزخارف كتلك التي نراها محفورة على بوابات المساجد أو القصور، ركبت بعناية، في بساطة وجمالية مثيرتين. ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها أحمد الشماعات، لكنها هذه المرة تعود به إلى أصوله، إلى التشكيلات النباتية والزهور والأعمدة ومنحنيات القباب. ويقول أحمد: «الشماعة ليست فقط مادة تصلح للزخرف والبناء، لكننا نعلق عليها أيضًا الكثير من أخطائنا التي لا نريد الاعتراف بمسؤوليتنا نحوها. لافتٌ أيضًا تجهيز الإيطالي مسيمو أوديرتي، الذي يحمل اسم «بلا نهاية» و هو عبارة عن غرفة من أربع بوابات يعلو ككل منها قوس شرقي، رسمت بشريط رفيع من مادة النيون الأبيض المضاء، على أرض سوداء، لتشكل دائرة كهربائية مغلقة. إنها حجرة مصنوعة في الفراغ. ويقول الفنان إن شكل البوابات المتماثلة هنا تم استيحاؤه من المدخل الرئيسي لقصر الحمراء في غرناطة، فيما هذه الحجرة من الفراغ الضوئي هدفها أن تنقلنا إلى اللازمان واللامكان، إلى الميتافيزيقيا.
وإذا كنت تتساءل لماذا يدعى غربيون وشرق آسيويون للمشاركة في مهرجان إسلامي، وهم ربما ليسوا على عمق كاف بحضارة لا ينتمون إليها، فإن الجواب يأتيك من الأعمال نفسها التي حاول كل منهم، من خلالها، تصوير فهمه الخاص، بتقنيات لا بد تضيف جديدًا ومبتكرًا إلى الأعمال التي يعرضها فنانون التصقوا بالإسلام ونهلوا منه. هناك الياباني كاز شيراين أريغامي، شيد ما يشبه خيمة بيضاء من نجوم خماسية الأضلاع في ما ألبست كلها من الداخل بمرايا، ويمكنك أن تدلف إليها من باب صغير وتستمتع بداخلها بصورتك التي تنعكس إلى ما لا نهاية في المرايا، على أنغام موسيقى شاعرية. ألعاب، ابتكارات، أفكار، آتية من الشرق والغرب، نرى عبرها صورتنا في عيون الآخرين، كما البرازيلي أنطونيو سانتين الذي عرض سجادات شرقية بزخرف عجمي على الجدران، هي من صنعه، علقها متماوجة كالبحر، مما أعطاها أبعادًا في الألوان والرسوم مختلفة عن تلك المألوفة لدينا. والبرازيلي الآخر أندريه زيغناتو الذي بنى جدارًا من فخار وحديد سماه «جدار العبور» فيه فتحات تسمح بعبور الضوء إلى الداخل، لكنك لا تتمكن من أن ترى ما خلفه. في إشارة ذكية إلى إمكانية حجب الرؤيا من جانب واحد. والفنان يستوحي عمله هذا من تجربته بالبناء التي ساقته إلى معرفة التأثيرات العربية على بعض أنماط العمارة في البرازيل. ليست كل الأعمال لافتة، فبعضها ضعيف، ومنها ما هو جميل جدًا، لكنه ابتعد عن محور الموضوع، مثل عمل الإيطالي إدواردو تريسولدي «الما وراء» حيث ينتصب رجل وكأنه نحت بعناية من مادة شفافة يحاول أن يجتاز حاجزًا حديديًا. هذا واحد من أجمل المعروضات، وإن كانت صلته بالبنيان الإسلامي تبدو هشة. من بين العارضين المصري محمد مندور الذي جاء بفواخيره التي شكلها بأحجام وأشكال مختلفة وكذلك صحونه المزخرفة. وهناك الأختان الأردنيتان نيرمين ونسرين أبو ديل اللتان عرضتا لوحات مزخرفاتها الذهبية الرشيقة مستوحاة من التطريز وغرزه التي تشكل وحدة في بنائها الجمالي على الثوب الفلسطيني. الفنانة السعودية هبة عابد استلهمت مفاهيم دينية منها المحراب الذي انتصب وسط ركنها، ولوحات جسدت فيها المصلين على سجاداتهم، مستفيدة من لعبة الألوان.
وبرأي عابد أن الضغط الذي يتعرض له المسلمون في الوقت الحالي، يدفع عددًا من الفنانين للدفاع عن هويتهم من خلال أعمال تظهر التجليات الدينية في الإبداع، كأفضل طريقة للتعبير عن الجانب الروحاني الأكثر عمقًا.
إلى جانب المعارض الموزعة في المراكز الثقافية، يستطيع زائر الشارقة أن يستمتع، بتجهيزات ومنحوتات، توسطت الساحات وانتصبت في أماكن عامة، كجزء من الاحتفالية بهذا المهرجان الذي تستنفر له الإمارة الصغيرة إمكانيات كبيرة، والنتائج مستحقة، فيما الاستعدادات تبدأ مع انتهاء الدورة الحالية للاحتفاء بالدورة العشرين، وهو ما ليس بقليل.