أموال الصين تبهر أوسكار لكنها ستكبده ثمنًا باهظًا

اللعب في الصين قد يدر ملايين كثيرة، لكن يشير الوجه الآخر للصورة إلى أن هذه التجربة قد تكون بمثابة إهدار لمسيرة نجوم ما زال بقدرتهم اللعب على أعلى مستوى في الدوريات الأوروبية.
وقد عاد الحديث عن الصين بعد أن تردد أن المهاجم البرازيلي الشاب أوسكار، البالغ 25 عامًا، في طريقه لمغادرة فريق تشيلسي للعب هناك، وسط إغراءات مالية كبيرة من بطولة دوري تعتبر أقل من مستوى الدوري الأميركي لكرة القدم، ويرفضها بعض اللاعبين خوفًا من إهدار مسيرتهم الكروية.
في يوم من الأيام، جرى إخبار العاجي ديدييه دروغبا، نجم تشيلسي السابق، أن الصينيين يعتبرونه بمثابة الأيقونة، وقد أطلقوا عليه لقب «القاهر»، وهو دائمًا ما يتذكر رد الفعل تجاه أول جلسة تدريب يشارك بها، بعدما لحق بركاب زميله الفرنسي نيكولا أنيلكا، بالانضمام إلى نادي شنغهاي شينهوا. كان زملائهما الجدد «يكتفون بالتحديق بأعين مفتوحة عن آخرها تعبر عن دهشة عارمة حيال بعض الحركات التي نقوم بها، وما كنا نفعله عمليًا، وكيفية مشاركتنا في صفوف الفريق». كان كلا اللاعبين يقترب من خط نهاية مسيرتهما الكروية، ومع ذلك كان الفارق قي المستوى والمهارات هائلاً بينهما وبين باقي أقرانهم بالنادي الصيني.
ويبدو هذا الوضع متوقعًا، بالنظر إلى أن المشاركة الصينية الوحيدة ببطولة كأس العالم جاءت في عام 2002، عندما خسر المنتخب الصيني المباريات الثلاث التي خاضها دون تسجيل هدف واحد. كما تحتل الصين الترتيب الـ83 عالميًا في أحدث قائمة صادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لترتيب المنتخبات، لتأتي بذلك مباشرة بعد أنتيغوا وباربودا، وتسبق مباشرة جزر فارو التي ربما لا يكافئ إجمالي عدد سكانها ضاحية في شنغهاي.
ومع هذا، يبدو من السهل استنتاج الأسباب التي دفعت بعض اللاعبين إلى الانتقال إلى الصين، خصوصًا في أعقاب توقيع الإيطالي غراتسيانو بيليه، مهاجم ساوثهامبتون، عقد انضمام لنادي شاندونغ لونينغ تايشان. وقد أجرت مجلة معنية بكرة القدم مقابلة معه، أعرب خلالها عن سعادته بالانضمام إلى «ما أعتقد أنه نادي كرة قدم في الصين، أو قريبًا منها»! وجاء انضمام بيليه إلى النادي الصيني مقابل 34 مليون جنيه إسترليني خلال عامين ونصف العام، مما يعني حصوله على 260 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا، مما يضعه في مصاف أكثر 5 لاعبي كرة قدم من حيث الأجر عالميًا. وفي الواقع، يخلق هذا الرقم الضخم انطباعًا قويًا لدى المرء بأنه، بغض النظر عمن يتولى إدارة شاندونغ لونينغ، فإنه من الواضح أنه تم الخلط بين اللاعب الإيطالي والأسطورة البرازيلية بيليه، لتشابه الأسماء بينهما!
هل تتذكرون عندما انتقل البرازيلي جونينيو إلى ميدلزبره في تسعينات القرن الماضي، في واحدة من الصفقات التي بدا أنها تعيد صياغة المشهد العام على صعيد كرة القدم الإنجليزية؟ في ذلك الوقت، علق أحد زملائه بالفريق، جان إيدج فيورتفت، قائلاً: «سيتعين على جونينيو معرفة 3 كلمات فقط بالإنجليزية: الجنيه، وشكرًا، ووداعًا».
وينطبق القول ذاته اليوم على الصين، وقد أثار الأمر ردود أفعال ساخرة على نطاق واسع عندما أكد راميريز وهو في طريقه للانتقال من تشيلسي في وقت سابق من هذا العام، على أن الحوافز المالية الهائلة لن تكون الدافع وراء انتقاله للمشاركة في الدوري الممتاز الصيني.
وعلى ما يبدو، يود راميريز منا أن نصدق بكل سذاجة أن كل صبي صغير في ريو دي جانيرو يترعرع وبداخله حلم اللعب لصالح نادي جيانغسو سونينغ المنتمي لدولة خسر منتخبها لتوه مباراة تأهل لبطولة كأس العالم أمام سوريا، رغم أن الأخيرة بلد، كما نعلم جميعًا، تشغل اهتماماته كثير من القضايا الأهم من بناء منتخب وطني لكرة القدم.
ويعتبر أوسكار الذي أصبح واحدًا من الشخصيات الهامشية على نحو متزايد داخل تشيلسي في الفترة الأخيرة، أحدث الأسماء التي نجحت الصين في إغرائها بالانتقال إليها، وتحديدًا من النادي التابع لمجموعة شنغهاي الدولية للموانئ، مقابل 60 مليون جنيه إسترليني. ومن الصعب ألا نعترف بأنه من المؤلم أن نرى شخصًا في مثل عمره يتخلى عن أي طموح يحمل معنى حقيقيًا، وحلم بناء اسم جدير بالاحترام. إن أوسكار في الـ25 من عمره، مما يعني أنه يقترب من ما ينبغي أن يشكل أعظم سنواته داخل الملاعب على الإطلاق، حتى إن كان من الواضح أن تلك السنوات العظيمة لن تتحقق مع ناديه الحالي.
كما أن أوسكار شديد الثراء بالفعل، حسبما تفترض الغالبية، بعد أن قضى 4 سنوات ونصف السنة في صفوف تشيلسي، وبالتأكيد هو موهوب بما يكفي لأن تجتذبه أندية كبرى من أعظم بطولات الدوري الأوروبية. ومع أنني أتمنى له التوفيق بالتأكيد، فإنه بغض النظر عن الأموال الإضافية التي سيجنيها من وراء الانتقال إلى الصين، لا يسعني سوى التساؤل عن حجم الرضا المهني الذي قد يشعر به لاعب كرة قدم على هذا المستوى الرفيع من المهارة من وراء المشاركة ببطولة دوري تقل في مستواها بكثير عن الدوري الأميركي.
ورغم أن هذا قد يبدو قاسيًا بعض الشيء، يشير الواقع إلى أنه سيتعين علينا أن نعتاد رؤية اللاعبين يختارون هذا الطريق، وربما لن يمر وقت طويل قبل أن ينضم إلى قافلة الراحلين شرقًا نجوم إنجليز.
جدير بالذكر أن واين روني تلقى بالفعل عرضًا، ورغم أنه لم يوافق عليه، فإنه لم يستبعد تمامًا في الوقت ذاته فكرة الاحتراف في الصين، وذلك مع أنه بخلاف مسألة المال، لم يسمع روني بإيجابيات عن ذلك الدوري. والمعروف أن بعض من مستشاري روني سافروا بالفعل إلى الصين، الربيع الماضي، في مهمة للتعرف على حقيقة الوضع على الأرض هناك، وعادوا حاملين تقييمًا يقول إن وضع الملاعب هناك مزرٍ، وإن المستوى العام لكرة القادم سيء للغاية، بل والأسوأ منه مستوى الحكام، وكل هذا في إطار بطولة دوري تعج بقصص حول شراء المباريات والرشى.
وربما لا يزال روني يتذكر مباراة مانشستر يونايتد الودية التي خاضها قبل انطلاق الموسم الجديد للدوري الممتاز أمام فريق شينزن، في مكاو، عام 2007، وما تكشف بعد 4 سنوات لاحقة من تقاضي الحكم رشوة بقيمة 100 ألف دولار من هونغ كونغ (قرابة 8 آلاف جنيه إسترليني) للتلاعب في القرعة التي يجريها في بداية المباراة بعملة معدنية. والمؤكد أن الانتقال إلى الصين سيأتي بمثابة سقوط مروع للاعب قضى الجزء الأكبر من حياته الكروية داخل واحد من أكبر أندية الدوري الإنجليزي الممتاز. ورغم أن المال عنصر مهم في حياة أي إنسان بالطبع، لكن من المهم هنا أن نتذكر جميعًا أغنية رودريغيز القديمة التي تقول إن القرد الذي يلتف في الحرير يظل قردًا.
ويكمن الاختلاف الأبرز بين روني وأوسكار في أن أحدهما يتحرك باتجاه فصل النهاية من مسيرة تتحرك بسرعة باتجاه الهبوط، بينما الآخر تفصله 5 أو 6 أعوام عن النقطة التي ينبغي له التفكير عندها في آخر أجر سيتقاضاه عن لعب كرة القدم. وهنا تحديدًا يكمن العار وراء الأمر برمته، والسبب وراء وصف لاعب ليفربول السابق، والمعلق بقنوات سكاي الرياضية جيمي كاراغر، الصفقة بالمثيرة للحرج، وشعور كثيرين بأن ثمة موهبة ثمينة على وشك الإهدار بسبب تفضيل لاعب ثري بالفعل اللهث وراء المال، بدلاً من البقاء داخل أوروبا، والمشاركة في بطولات حقيقية.
ورغم أن يايا توريه كثيرًا ما يجري اتهامه بأنه يتحرك فقط بدافع من الغرور وحب المال، الأمر الذي ينبغي لنا الاعتراف بأنه يعود إلى وكيل أعماله المقيت، وليس له هو شخصيًا، فإن الأمر الذي يجهله كثيرون أن لاعب خط وسط مانشستر سيتي أدار ظهره لعرض من الصين، الصيف الماضي، كان سيعود عليه بعد استقطاع الضرائب بـ360 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا. لقد أقر توريه أنه يتمتع بالفعل بثراء بالغ، وأنه يتقاضى أجرًا جيدًا في كل الأحوال، وأنه في سن الـ33 لا يزال يرغب في المشاركة ببطولة دوري تنافسية بالمعنى الحقيقي، بدلاً عن بطولة تستقدم نجومًا من الخارج، وتخلو من أي مصدر للشعور بالرضا المهني عن الذات.
كان ريو فيردناند بالصورة نفسها عندما رحل عن مانشستر يونايتد، فقد تلقي المدافع الدولي السابق عروضًا بمبالغ كبيرة من أندية بالصين والخليج والولايات المتحدة. وفي النهاية، اختار فريق كوينز بارك رينجرز، ونأمل أن تروق الحياة في لندن لتشيلسي أليكس سانشيز، هداف آرسنال، لأنه لاعب كرة من الطراز الأول، لكن بات هدفا للأندية الصينية. وبمقدور سانشيز أن يتحصل على 400 ألف جنية إسترليني أسبوعيًا، لكن الوضع سيكون مخيبا للآمال لو اتضح في النهاية أننا أسأنا الحكم عليه، وقرر اللاعب اختيار المال، وفضله على المستوى الفني، وفضله حتى على كسب الملايين مع نادي آرسنال.
ولكي نعطى اللاعب حقه، ليس هناك ما نستطيع أن نجزم بأنه سيكون الوضع الأمثل له، فلكل شخص تفكيره المختلف. وكان بمقدور أليكسيس تيكسيرا الانتقال إلى صفوف ليفربول قبل الوصول لعتبات فريق جوانغسو الصيني، فلاعبين مثل أزكويل لافيتزي، وديمبا با، وبابسي كيسا، وجاكسون مارتينيز، وهولك، جميعهم يلعبون هناك، حيث لعب في السابق بول غاسكوين لأحد الأندية لمدة أسبوعين، على سبيل الاختبار.
وفي نموذج أوسكار، دفع باللاعب إلى الحافة بنادي تشيلسي، بعد أن تولى أنطونيو كونتي قيادة الفريق، لكن كي نفكر في العودة لمثل هذا النوع من الجدل، علينا أن نسأل أنفسنا من منا يرفض زيادة أجرة 3 أضعاف، فراتب هذا الشاب البرازيلي زاد إلى 350 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًا. وينطبق هذا المنطق على ما قاله أرسين فينغر، مدرب آرسنال، أخيرًا عندما أشار إلى مفاوضات ناديه مع سانشيز، وقال إن الدوري الإنجليزي بات يفقد أفضل لاعبيه بسبب تضاءل الأجور، مما وضع اللاعبين أمام مأزق قد يخطئون بسببه في تحديد أولوياتهم. فبحسب فينغر: «شخصيًا، على النادي التفكير في احتياجات اللاعب، والتفكير أيضًا في قيم النادي وطموحاته، وفي طريقة احترام النادي للاعبيه. قد أكون ساذجًا، لكنني لا أوافق أبدًا على ما يحدث. فإمكانيات أوسكار أكبر من الصين، فهي ليست المكان الأنسب للاعب فريد طموح، وبالتأكيد لو أراد الرحيل عن تشيلسي، فيستطيع التوجه لنادي آخر يجعله من أصحاب الملايين، ويحقق له كل ما يريد».