آرسنال يستعيد هيبته الأوروبية مجددًا

رحل الفريق الإداري لآرسنال ولاعبوه عن استاد سانت جاكوب بارك، ملعب فريق بازل السويسري، دون إبداء أدنى إشارة إلى شعورهم بنشوة الانتصار. في الواقع، قضى المدير الفني لآرسنال آرسين فينغر الجزء الأكبر من الفترات اللاحقة للمباريات السابقة في تحذير لاعبيه أنه رغم المفاجأة التي حققوها بتصدر مجموعتهم في بطولة دوري أبطال أوروبا، فإن القرعة التي ستجرى الاثنين المقبل في مدينة نيون السويسرية قد تسفر عن مواجهة فريقه لخصم قوي في لقاءات دور الـ16.
من جهته، لمح لاعب خط وسط آرسنال الفرنسي لوران كوسيلني إلى أن الميزة الوحيدة التي خرج بها الفريق تمثلت في فرصة لعب مباراة العودة من الدور القادم على أرضه. ومن المعتقد أن القيمة الحقيقية لتصدر آرسنال للمجموعة الأولى تتضح من التداعيات التي شهدها استاد «بارك دي برينس». هناك، في معقل فريق باريس سان جيرمان، كان فريق العاصمة الفرنسية يكافح لفهم ما يدور داخل أرض الملعب وكيف حدث. كيف يمكن لفريق كثيرًا ما تفوق على آرسنال، على أرضه وخارج أرضه، على مدار العدد الأكبر من لقاءاتهم، وسجل هدفين على استاد الإمارات، ينتهي به الحال إلى المركز الثاني في المجموعة، الأمر الذي يثير الريبة إزاء هوية الكثير من الفرق المتصدرة لمجموعات أخرى.
من جانبه، كان يأمل مدرب باريس سان جيرمان الإسباني أوناي إيمري في أن تفلح هذه المسابقة في أن تمحو من الأذهان البداية البطيئة التي قدمها في باريس وإقناع الجميع بأنه الرجل المناسب لقيادة الفريق الفرنسي إلى المستوى التالي. ومع ذلك، أعرب المدرب عن «خيبة أمله»، معربًا عن حنقه إزاء عجز لاعبيه عن تحويل الفرص التي سنحت أمامهم إلى أهداف في مواجهة لودوغوريتس رازغراد البلغاري وانتهاء اللقاء بنتيجة 2 - 2 في الجولة الأخيرة من دوري أبطال أوروبا، وتنازله عن صدارة مجموعته لصالح آرسنال. فريق أمطر آرسنال شباكه بستة أهداف دون مقابل على أرضه - ولمح إلى أن باريس سان جيرمان كان يستحق تصدر المجموعة فقط لما قدموه من أداء رائع في لندن. وأعرب كل من لاعب خط وسط باريس سان جيرمان بليز ماتويدي والظهير الأيمن توماس مونييه والمهاجم إدنسون كافاني عن آراء مشابهة قبل مغادرتهم أرض الملعب.
أما رئيس نادي باريس سان جيرمان، ناصر الخليفي، فكان يناضل لإخفاء غضبه. وقال: «كان هدفنا تصدر المجموعة. وكنا متصدرين لها بالفعل قبل هذه المباراة. والآن، نشعر بإحباط شديد تجاه هذه المباراة ونتيجتها، وكذلك مستوى الأداء الذي قدمه لاعبونا. لقد أتيحت لنا الكثير من الفرص وارتكبنا خطأين دفاعيين. وعليه، خسرنا نقطتين ومعهما المركز الأول بالمجموعة».
وأضاف: «بالتأكيد تأهلنا للدور القادم، لكننا كنا نتوقع الفوز في هذه المباراة. وكنت أتوقع أكثر من هذا من لاعبينا. كل ما يمكننا فعله الآن ترك هذا الأمر وراء ظهورنا ومحاولة نسيانه والأمل في أن يقدموا أداءً أفضل. إلا أنني أؤكد على ثقتي الكبير في اللاعبين والمدرب».
بدا الشعور بخيبة الأمل واضحًا، حتى داخل نادي تقدم بشكل جيد نحو الأدوار اللاحقة بعدما أنهى دور المجموعات في المركز الثاني من قبل. أما آرسنال فإن بالتأكيد يشعر بالسعادة، على الصعيد غير المعلن على الأقل، لنجاحه في التفوق على مالكي باريس سان جيرمان الأثرياء ونجاحه في تصدر المجموعة بدلاً منهم، وإن كان هذا يحدث للمرة الثانية فقط على امتداد سبعة مواسم. وبالنسبة لفينغر، فإن الهدف التالي أمامه يتمثل في قيادة فريقه لما وراء دور الـ16 وذلك للمرة الأولى منذ بلوغهم دور الثمانية عام 2010 - عندما نجح برشلونة وليونيل ميسي في وقف مسيرتهم عند هذا الحد - ويتعامل فينغر حاليًا مع هذه المهمة بتفاؤل حذر.
وقال فينغر «لودوغوريتس فريق جيد وحقق نتيجة طيبة بالفعل (في باريس) ساعدتنا في تصدر المجموعة وهو ما كنا نرغب فيه».
وأضاف: «نفذنا المهمة بشكل مقنع..أعتقد أن (لوكاس) بيريز استغل الفرصة. هو لاعب هداف وأظهر اليوم براعته أمام المرمى».
وسجل لوكاس من قبل أمام نوتنغهام فورست في كأس رابطة الأندية الإنجليزية في سبتمبر (أيلول) الماضي لكنه شارك في عدد محدود من الدقائق بسبب إصابة بالكاحل.
من الواضح أن دور المجموعات حمل بعضًا من الأمل، ذلك أن آرسنال نجح في اجتياز الدور دونما هزيمة للمرة الأولى منذ موسم 2005 – 2006، عندما وصل إلى الدور النهائي، وقدم أداءً مبهرًا في مواجهة بازل الذي كثيرًا ما أذاق الأندية الإنجليزية الأمرين، ونجح في التفوق بوضوح على لودوغوريتس رازغراد على أرضه. إلا أن البلغاريين أثبتوا أنهم يشكلون عقبة أكبر في صوفيا. ومع ذلك، نجح آرسنال في تبديل النتيجة من هزيمة بنتيجة 2 - 0 إلى فوز بنتيجة 3 – 2، وخلال مباريات الدور الأول، قدم مسعود أوزيل أداءً رائعًا وشارك في سبعة أهداف إما بصنعها أو تسجيلها بالفعل، وكذلك جاء أداء أليكسس سانشيز ممتازًا.
في خط الوسط، هناك المزيد من الخيارات، حيث يبدي السويسري جرانيت تشاكا ثقة كبيرة، ويضفي لمسات قوة على الهجمات. أما ثيو والكوت فقد سجل هدفين بلندن في مرمى بازل، لكنه شارك لفترة وجيزة في لقاء الإياب باستاد سانت جاكوب بارك. وبالنسبة للوكاس بيريز فقد سجل ثلاثة أهداف من محاولاته الثلاثة لإحراز أهداف هناك. إلا أن المخاوف القائمة الآن تدور حول مستوى الأداء الذي سيقدمه لاعبو آرسنال أمام أندية النخبة الأوروبية، وليس الأندية المتواضعة مثل بازل ولودوغوريتس رازغراد. وقد كشفت مواجهة آرسنال لباريس سان جيرمان، النادي الذي يصل بانتظام إلى دور الثمانية وكثيرًا ما شكل خصمًا عتيدًا في مواجهة تشيلسي خلال الموسمين الماضيين، بعض المؤشرات في هذا الصدد.
حتى في هذه اللحظة، ما يزال النادي الفرنسي يعتبر نفسه منافسًا على البطولة ويجب أن يتعلم آرسنال سريعًا من المباراتين اللتين خاضهما أمام باريس سان جيرمان، اللتين لم يملك الفريق الإنجليزي الهيمنة عليهما. ويبقى أداء حارس مرمى آرسنال الكولومبي ديفيد أوسبينا على استاد بارك دي برينس واحدًا من أروع ما شهدته البطولة حتى الآن، وجاء أداء آرسنال على أرضه مبهرًا، خاصة مع نجاحه في تحويل هزيمة بنتيجة 1 - 0 إلى فوز بنتيجة 2 - 1.
من جهته، يدرك فينغر جيدًا أن مفتاح الفوز خلال الفترة المقبلة يكمن في دفع سانشيز وأوزيل لترك بصمة واضحة وطويلة الأمد داخل أرض الملعب، وتوفير الفرنسي لوران كوسيلني والألماني شكوردان مصطفى التأمين اللازم في الخلف. من دون تألق هذا الرباعي وتمتعهم بلياقة بدنية جيدة، فإن آرسنال ربما يبقى بعيدًا بعض الشيء عن كونه واحدًا من أفضل أندية أوروبا. ومن الممكن تغيير الكثير ما بين الآن ومارس ، لكن بالنظر إلى القرعة التي ستجرى يوم الاثنين الذي حدث الاثنين، هل هناك حقًا ما يستحق الخوف منه؟ بالنظر إلى التهديدات التقليدية، نجد أن بايرن ميونيخ واجه صعوبة في بعض الأوقات لشق طريقه بدوري أبطال أوروبا ويأتي في المركز الثاني في جدول ترتيب الدوري الألماني خلف لايبزيغ مفاجأة الموسم. حتى برشلونة، لم يعد بالقوة التي كان عليها من قبل وتفصله عن صدارة الدوري الإسباني في الوقت الراهن ست نقاط كاملة.
من جانبه، قال فينغر: «الأمر برمته سيعتمد على أي مستوى سيكون عليه برشلونة الذي ستواجهه. في الوقت الحاضر، لا يبدو الفريق في الصورة القوية التي تتعذر هزيمتها. لقد نجح مانشستر سيتي بالفعل في هزيمتهم. إلا أنه مثلما قلت من قبل، بحلول مارس (آذار) ستصبح جميع الفرق في صورة مختلفة تمامًا».
لن تتضح قيمة تصدر آرسنال ترتيب مجموعته بدوري أبطال أوروبا قبل سحب قرعة دور 16 يوم الاثنين المقبل ولكن الفوز 4 - 1 على بازل في الجولة الختامية لدور المجموعات برهن على أن الفريق الإنجليزي بدأ يستعيد هيبته القارية. ورغم اللعب 19 مرة متتالية في دور المجموعات خسر آرسنال في دور 16 في آخر ستة مواسم وباتت مشاركته في البطولة أقرب للشرفية. وبينما كانت فرق الصفوة أمثال برشلونة وريال مدريد وبايرن ميونيخ تصل إلى قرب نهاية الموسم وتركيزها ينصب على اللقب القاري كان اهتمام آرسنال عادة في تلك الفترة ينصب على البطولة المحلية.
ولا يكون تركيز آرسنال على الدوري الإنجليزي من أجل المنافسة على اللقب وإنما لمحاولة إنهاء الموسم ضمن فرق المربع الذهبي.
ولكن يبدو آرسنال أفضل حالا هذا الموسم، إذ خسر مرتين فقط في 23 مباراة خاضها في كل المسابقات. وجاء الهدف الثاني من أصل ثلاثية سجلها لوكاس بيريز الثلاثاء الماضي بعد 33 تمريرة في أطول تحضير لهدف في دوري الأبطال هذا الموسم.
ولم يتلق آرسنال أي خسارة في دور المجموعات لأول مرة منذ موسم 2005 - 2006 وتأهل لدور الـ16 متصدرا لمجموعته لأول مرة منذ 2011 - 2012.
وهذا سيعفي الفريق الإنجليزي من مواجهة برشلونة لكنه قد يواجه أسماء كبيرة حلت في المركز الثاني مثل بايرن ميونيخ وريال مدريد أو أخرى كبيرة مثل بروسيا دورتموند أو يوفنتوس أو أشبيلية. كما سيحظى آرسنال بمزية خوض لقاء إياب دور 16 على ملعبه للمرة الأولى منذ 2012، رغم أنه تجرع حينها هزيمة كبيرة 4 - صفر في ملعب سان سيرو ذهابا ما جعل مهمة الإياب مستحيلة. وقال فينغر مدرب «من الصعب معرفة (نتائج إنهاء دور المجموعات في الصدارة) ولكن تشعر أنك قمت بواجبك على ما يرام». وعلى بعض المستويات يأتي التوقف الشتوي لدوري الأبطال في توقيت غير مناسب لآرسنال.
ويقدم المهاجم التشيلي أليكسيس سانشيز - الذي سجل ثلاثة أهداف في الفوز 5 - 1 على وستهام يونايتد يوم السبت الماضي - أفضل مستوياته منذ انضمامه إلى النادي وكذلك يتألق مسعود أوزيل. وقال لوران كوسيلني قائد آرسنال إن فريقه يواصل نتائجه الجيدة. وأضاف: «كنا في حاجة لإنهاء دور المجموعات بصورة جيدة كي لا نشعر بالندم وبدأنا المباراة على نحو جيد وسجلنا هدفين مبكرين». وتابع: «حققنا فوزا جيدا بعد الفوز الكبير يوم السبت. من المهم إنهاء المجموعة في الصدارة لأننا سنخوض إياب دور 16 على ملعبنا».
وكان فينغر صرح أن فريقه لن يبيع لاعبيه سانشيز وأوزيل حتى إذا لم يتوصلا لاتفاق بتمديد التعاقد مع النادي. ويتبقى 18 شهرا على نهاية عقد سانشيز وأوزيل وذكرت تقارير أن المفاوضات ليست سلسة بسبب مطالبات تتعلق بقيمة الراتب وفي ظل رغبة آرسنال أيضا في عدم اجتياز سقف الأجور للإبقاء عليهما. وقال فينغر «سيستمر اللاعبان لمدة 18 شهرا على الأقل. نحن محترفون ونعمل حتى اليوم الأخير من عقودنا». لكن فينغر لم يقدم أي ضمانات على أن هذا الثنائي - الذي ساهم بشكل مؤقت في تقدم آرسنال للمركز الثاني وتصدر مجموعته في دوري أبطال أوروبا - سيستمر لفترة أخرى بعد انتهاء عقديهما. وقال فينغر: «لست الشخص الوحيد الذي يستطيع تحديد ذلك. يتبقى 18 شهرا على نهاية العقد وهما ملتزمان بتقديم أفضل أداء طوال فترة الوجود هنا. سنحاول تمديد عقديهما لكني لا أستطيع الحديث عن هذا الأمر في كل مؤتمر صحافي». وأضاف: «بغض النظر عما سيحدث سيستمر اللاعبان لمدة 18 شهرا ونتمنى أن تطول هذه الفترة». ويظهر سانشيز بشكل رائع في قيادة هجوم آرسنال وسجل 13 هدفا في 20 مباراة وتسبب في ابتعاد أوليفييه جيرو عن التشكيلة الأساسية. ويتألق أوزيل أيضا وسجل ثمانية أهداف في 19 مباراة.