مؤشر «البناء البريطاني» يحقق أعلى مستوى نمو في 8 أشهر

أظهر مسح، نشرت نتائجه مطلع الأسبوع الحالي، أن نمو قطاع البناء في بريطانيا لامس أعلى مستوى له في 8 أشهر في نوفمبر (تشرين الثاني)، لكن التكاليف ارتفعت بأسرع وتيرة منذ عام 2011، مدفوعة بانخفاض سعر الجنيه الإسترليني أمام سلة العملات بعد تصويت البريطانيين في استفتاء عام جرى في شهر يونيو (حزيران) لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وصعد مؤشر «ماركت سي آي بي إس» لمديري المشتريات بقطاع البناء في المملكة المتحدة إلى مستوى 52.8 في نوفمبر، من مستواه السابق عند 52.6 في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مدعومًا بتحسن قراءات للأنشطة التجارية والهندسة المدنية، فضلاً عن نمو قوي في بناء المنازل. وتوقع مسح أجرته «رويترز» أن يسجل المؤشر قراءة عند 52.2.
وقال تيم مور، كبير الاقتصاديين لدي مؤسسة ماركت التي تتولي إجراء المسح، إن «شركات البناء البريطانية شهدت انتعاشًا مطردًا في أنشطة أعمالها خلال نوفمبر، وهو ما يمدد التعافي من التراجع الذي سجلته خلال الربع الثالث من عام 2016».
وأبرزت الشركات استئناف المشاريع المعطلة بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، كأحد عوامل التحسن، رغم أن التفاؤل حول العام المقبل يظل قرب أدني مستوياته المسجلة منذ أوائل عام 2013.
وسجل الاقتصاد البريطاني أداء أفضل من المتوقع منذ الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. لكن هناك اختبارات أكبر بكثير في انتظار الاقتصاد العام المقبل، حيث من المتوقع ارتفاع التضخم ليخفض القوة الشرائية للأسر البريطانية.
وزادت شركات البناء البريطانية من سرعة وتيرة تعيين موظفين جدد للشهر الرابع على التوالي، ليسجل نمو التوظيف أعلى مستوى له في 6 أشهر.
وجاءت نتائج مؤشر ماركت لمدير المشتريات بعد ساعات قليلة من صدور بيانات أخرى شككت في تباطؤ نمو القطاع العقاري البريطاني. وقالت شركة «نيشن وايد» للتمويل العقاري، نهاية الأسبوع الماضي، إن أسعار المنازل في بريطانيا ارتفعت الشهر الماضي بأقل وتيرة سنوية منذ يناير (كانون الثاني)، رغم إشارات على أن الطلب في السوق بدأ في الارتفاع.
وأضافت الشركة أن أسعار المنازل صعدت في نوفمبر بنسبة 4.4 في المائة، على أساس سنوي، مقابل نمو بنسبة 4.6 في المائة في أكتوبر. وتوقع اقتصاديون، في استطلاع أجرته وكالة «رويترز»، أن يظل نمو أسعار المنازل في بريطانيا مستقرًا عند 4.6 في المائة.
وفي نوفمبر الماضي، ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 0.1 في المائة، وهو ما يتماشى مع التوقعات.
وكانت تقارير متخصصة، أحدها أصدرته شركة «كي بي إم جي» لتدقيق الحسابات، قد توقعت أن تتعرض عقارات بريطانيا لتأثيرات سلبية بعد «البريكسيت»، غير أن هذه التقارير استبعدت حدوث انهيار في أسعار العقارات.
وفي سياق متصل، أشارت تقارير إعلامية، مع نهاية شهر نوفمبر، إلى أن استفتاء الانفصال أثر بشكل ما على «مدينة الأعمال» في وسط لندن، ولكنه لن يؤدي إلى انهيارها، وفق رئيس مؤسسة مدينة لندن أندرو بارملي، المسؤول عن الوسط التاريخي والمالي للعاصمة البريطانية.
ونقلت «رويترز» عن بارملي قوله: «تواجهنا عواصف، لكننا نتغلب عليها في كل مرة».
وكان بارملي يتحدث في مقر إقامته الرسمي في «مانشون هاوس» عند محطة «بنك» على قطار الأنفاق، قبالة مقر «بنك إنجلترا»، أي في المنطقة المعروفة لأهل العاصمة البريطانية بـ«ذا سيتي» أو «المدينة»، نسبة إلى قلب الأعمال النابض.
وأنشئ منصب اللورد - رئيس بلدية مركز لندن قبل 8 قرون، ليكون مسؤولاً عن الوسط التاريخي للعاصمة البريطانية، حيث يعيش نحو 8 آلاف شخص، ولكن يدخله يوميًا أكثر من 450 ألفًا من موظفي البنوك والشركات المالية.
ويختلف هذا المنصب الذي يتم تجديده سنويًا عن منصب رئيس بلدية لندن الكبرى الذي أنشئ فقط في سنة 2000، ويعين بالانتخاب، ويتولاه اليوم صادق خان.
وقد تولى بارملي، اللورد - رئيس البلدية الـ689 لمركز لندن، مهامه في 11 نوفمبر الماضي، في أجواء تحمل «بعض التحديات»، وفق صياغته المخففة لوصف الوضع، في إشارة إلى تصويت البريطانيين لصالح البريكسيت، رغم أن الأمر سقط كالصاعقة على المركز الذي تبلغ مساحته ميلاً مربعًا، وأكثر ما يخشاه هو أن يفقد مكانته بوصفه المركز العالمي للمال والأعمال، بموازاة نيويورك الأميركية.
وعدا عن الغموض المحيط بالمفاوضات الذي يؤثر سلبًا على الأعمال، فإن ما يثير قلق المركز المالي هو خسارة «جواز السفر» الأوروبي، وهي آلية تتيح بيع أي منتج مالي في كل دول الاتحاد الأوروبي، بعد الموافقة عليه في بلد واحد من بلدانه الثمانية والعشرين. وقد يدفع ذلك بعض الشركات إلى الانتقال، أو نقل جزء من أنشطتها على الأقل، إلى أوروبا حفاظًا على مزايا «جواز السفر» هذا.
وقال بارملي: «بعض الشركات تفكر في نقل بعض أنشطتها بلا شك، ولكن لم يعلن أحد بعد أنه سيغادر لندن؛ الغالبية في حالة ترقب».
وبعد 5 أشهر من استفتاء يونيو، ترفض حكومة تيريزا ماي الكشف عن أي تفاصيل تتعلق بما ستؤول إليه العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. ووعدت ماي المحافظة ببدء مفاوضات الانفصال قبل نهاية مارس (آذار) المقبل. وحتى ذلك الحين ينبغي التريث والانتظار.
وعلق بارملي: «كنا نود تسريع الأمور بعض الشيء، وأن يكون هناك وضوح أكبر ومعرفة أكبر بما تقدمه لنا الحكومة».
وبانتظار رؤية «الدخان الأبيض» يخرج من «وايت هال»، حيث مقر الحكومة، «تعمل أجهزة المركز المالي على قدم وساق مع الحكومة لتقييم الوضع»، والدفاع عن مصالح 17 ألف شركة في لندن سيتي، وفي المراكز المالية الأخرى في البلاد التي يمثلها المركز أيضًا.
ورجح بارملي الاحتفاظ بجواز السفر الأوروبي في صيغته الحالية، معربًا عن أمله في أن «توفر لنا الحكومة أداة شبيهة به، أو أن تجد وسيلة لتسهيل الأعمال مع زملائنا الأوروبيين». وأضاف أن رئيس بلدية لندن صادق خان «اقترح استحداث تأشيرة لندن، ونحن نناقش سلسلة من التأشيرات الإقليمية».
ويبدي مركز الأعمال كذلك قلقًا كبيرًا من فقدان أنشطة التعويضات باليورو، أي دور الوسيط بين باعة ومشتري المنتجات المالية المسعرة باليورو، التي تعتمد عليها 83 ألف وظيفة في المملكة المتحدة، وفق صحيفة «فايننشال تايمز».
وأمام تطلع فرنكفورت وباريس أو أمستردام للحصول على حصة من تلك الأعمال، أكد بارملي أن هذه المدن لا يمكنها منافسة لندن سيتي، لا سيما بمنشآت البنية التحتية.
وقال: «لدينا مبان وموارد بشرية، عدا عن الإنجليزية، لغة الأعمال».
وتشكل الأنشطة الثقافية والتعليمية كذلك جزءًا من جاذبية لندن، وفق بارملي بقوله: «الناس الذين يأتون للعمل والعيش هنا يعرفون أنهم عندما لا يكونون وراء مكتبهم يمكنهم أن يفعلوا أشياء كثيرة، وأن أبناءهم سيحصلون على التعليم الجيد».
وأكد بارملي الذي تولى منصبه خلال حفل تقليدي كبير يجتذب سنويًا أعدادًا كبيرة من السياح، أن مركز الأعمال «محصن»، وأنه سيستعيد مجده من جديد، مضيفًا: «لم لا، إذا وجهنا بصرنا نحو وجهة جغرافية أخرى، إلى البلدان الناشئة التي أهملناها.. ربما».