ملكة حفظ الشعر

* بخصوص مقال خالد القشطيني «شلي والذكاء والذاكرة» المنشور بتاريخ 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أود أن أقول إن ملكة الحفظ عند العرب كانت قوية جدا، وكان الخليفة المنصور يحفظ القصيدة من مرة واحدة يسمعها وكان هناك مملوك يحفظ القصيدة من مرتين يسمعها وكانت له جارية تحفظ القصيدة من ثلاث مرات تسمعها. وكان المنصور عندما يأتيه شاعر ليلقي قصيدة بين يديه يقول للشاعر إن كانت قصيدتك مسموعة صرفناك ولم نعطك شيئا، وإن كانت قصيدتك محدثة أعطيناك وزن ما كتبت عليها ذهبا فيوافق الشاعر وعند الانتهاء يقول له المنصور إن قصيدتك مسموعة، فينشده إياه، ثم ينادي على المملوك فينشدها أيضًا، ثم على الجارية فتنشدها أيضًا، ويخرج الشاعر صفر اليدين. ولقد انتبه أحد الشعراء إلى القضية وحزرها وكتب قصيدة وجاء بها إلى المنصور فقال له المنصور الكلام ذاته، فأنشد الشاعر:
صوت صفير البلبل / هيج قلبي الثمل
الماء والزهر معا / مع حسن لحظ المقل
والكل كع كع كعن / خلفي ومن حويللي
لكن مشيت هاربا / من غشية في عقلي
إلى لقاء ملك / معظم مبجل
يأمر لي بخلعة / حمراء كالدمدم لي
أجر فيها مأربا / ببغددٍ كالدلدلي
وهنا اصفر وجه المنصور ولم يحفظ منها شيئًا، فنادى على المملوك فأفهمه المملوك بالإشارة أنه لم يحفظ منها شيئا، وكذلك الجارية، هنا قال المنصور للشاعر: إن قصيدتك محدثة.. هات على أي جلد كتبتها لنعطيك وزنه ذهبًا، هنا قال الشاعر: يا أمير المؤمنين لم أجد في البيت جلدًا لكي أكتب عليه القصيدة بل وجدت قطعة مرمر عندنا من زمن جدي فكتبت القصيدة عليه، فأرسل معي ثلاثة رجال لجلب المرمر وهي أمام قصرك الآن، لأن المرمرة لا يحركها إلا ثلاثة رجال.. هنا أُغشي على المنصور، فخاف الشاعر، وأسفر عن وجهه بصورة تامة، وقد نظر إليه المنصور وأخذ يضحك، وقال: ها قد عملتها يا أصمعي، كيف حال أهل البصرة؟!
adelalkhafaji@yahoo.com