فيتولو: الكرة الإسبانية أفضل فنيًا.. لكن الإنجليزية أقوى

ثمة مقولة شهيرة بأن أبناء جزر الكناري هم «برازيليو إسبانيا». وخلال فترة المراهقة والصبا في ملعب غران كاناريا بمدينة لاس بالماس، لطالما نظر فيتولو إلى رونالدو باعتباره مثله الأعلى ومعشوقه. إلا أنه استقى إلهامه في الوقت ذاته أيضًا من رجل في «بيثنال غرين». لقد نشأ جناح فريق إشبيلية - والذي شارك بصفوف الماتادور «المنتخب الإسباني» أمام نظيره الإنجليزي على استاد ويمبلي منتصف الشهر الماضي - في لاس بالماس، ولعب مع فريق ناشئي نادي يونيو ديبورتيفا دي لاس بالماس، وكثيرًا ما تابع مباريات الفريق الأول من مدرجات الجماهير التي باتت مهجورة الآن داخل ملعب إنسيولار، معقل فريق لاس بالماس سابقا، عندما لم تكن الفرصة تتاح له لمشاهدتها من عند خط التماس، حيث كان يشارك أحيانًا لالتقاط الكرة عندما تنحرف إلى خارج الملعب.
كانت المرة الأخيرة التي رأى خلالها فيتولو النادي وهو يفوز بالترقي عام 2015. وفي تلك الليلة، شارك بمسيرة الحافلات التي نظمت احتفالاً بالمناسبة رغم أنه كان قد رحل عن النادي قبل ذلك بعامين. أما المرة الأولى التي عايش خلالها صعود النادي فكانت عام 2000 وكان عمره حينها لا يتجاوز الـ11. وفي قلب فريق لاس بالماس هذا العام، وعلى امتداد ست سنوات، شارك لاعب خط وسط قوي البنية كان معشوق الجزيرة بأكملها. بالتأكيد ما تزالون جميعًا تذكرون لاعب خط الوسط الإنجليزي فيني ساموايز. أما فيتولو فيذكره بالتأكيد، خاصة أنه كان من أشد المعجبين به.
وعن ذلك، قال: «كان ساموايز داخل الملعب، وكنت أنا في المدرجات. كنت أجلس من لاعبي الفريق دون الـ12 عاما وأتناول بذور دوار الشمس، وكان اللاعبون يحتفلون بالأهداف التي يسجلونها معنا. وأتذكر أيضًا انتظاري للحصول على توقيعات تذكارية من اللاعبين. ولا أعتقد أنني نجحت في الحصول على توقيع ساموايز، لكنني حصلت على توقيع المهاجم الأرجنتيني تيرو فلوريس. إنها من الأمور التي لا ينساها المرء قط. وكنت أتحدث إلى ليونيل سكالوني، لاعب خط وسط ديبورتيفا لا كورونا السابق، الذي كان يتولى التدريب هناك، وقال: (نعم، فيني كان لاعبًا عظيمًا، لكنه كان مجنونًا بعض الشيء). وأتذكر ذهابي لمشاهدة المباريات برفقة والدي وأصدقائي، وكان والدي يفقد رباطة جأشه ويحتد على الجميع، أو أقرأ في الصحف أن شجارًا وقع بينه وبين المدرب أوكتاي ديريليوغلو أثناء التدريب».
الآن، يضحك فيتولو. تعرض ساموايز للطرد بعد 13 دقيقة من مشاركته بمباراته الأولى. ومع هذا، كان المدربون يعشقونه لمهاراته وقدرته على السيطرة على الكرة وتمريرها لأقرانه، بجانب التوجه الذي كان يتبعه في الملعب. لقد شارك في 160 مباراة، ونجح في كسب حب الجماهير ـ وكان فيتولو واحدًا من محبيه.
عندما قفز فيتولو إلى الحافلة للاحتفال بصعود لاس بالماس عام 2015 إلى الدوري الممتاز، كان ذلك بعد أيام قليلة من مشاركته في احتفالات مشابهة جابت شوارع إشبيلية، بعد الفوز ببطولة الدوري الأوروبي للمرة الثانية على التوالي. وجاءت المرة الثالثة في العام التالي بعد الفوز في النهائي أمام ليفربول. وفي مارس (آذار) 2015، جرى استدعاء فيتولو للمشاركة في المنتخب الإسباني تحت قيادة المدرب فيسنتي ديل بوسكي.
الآن، وفيما يخص إنجلترا، لم يتحقق فوز ساموايز ببطولة كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم على استاد ويمبلي، ومع ذلك يبقى للاستاد قيمة كبرى لا يمكن إنكارها. وعن ذلك، قال فيتولو: «هذا الاستدعاء للمنتخب الإسباني يحمل أهمية خاصة، كانت فرصة للمشاركة هناك أمام فريق بحجم المنتخب الإنجليزي. إن لاستاد ويمبلي رمزية كبرى، ليس فقط بالنسبة لكرة القدم الإنجليزية، وإنما لكرة القدم عمومًا».
إنها فرصة تطلع نحوها الكثيرون منذ أربعة شهور. وقد منحه المدرب ديل بوسكي شرف المشاركة مع المنتخب، لكن ذلك لا يضمن له بالضرورة الاستمرار مع الفريق. جدير بالذكر أن فيتولو لم يشارك في بطولة «يورو 2016»، ولم تتسن له فرصة المشاركة بشكل كامل في التشكيل الأساسي إلا مع قدوم جولين ليبتغوي مدرب المنتخب الإسباني الجديد.
وعن هذا، قال فيتولو: «سأظل دومًا ممتنًا تجاه ديل بوسكي لاستدعائه إياي للمشاركة مع المنتخب، لكنني رغبت حقًا في السفر إلى فرنسا للمشاركة في يورو 2016». وفي رده عن سؤال حول ما إذا كان استبعاده من المشاركة في فرنسا قد آلمه، قال: «حسنًا، لقد شعرت بالضيق آنذاك، لكن لا يمكنني إعلان أي شكوى بحق ديل بوسكي لأنه الشخص الذي منحني شرف المشاركة للمرة الأولى مع المنتخب في ظل منافسة محتدمة حول الانضمام إلى المنتخب. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أنني كنت أود حقًا السفر إلى فرنسا. وبعد ذلك، قدم ليبتغوي، وأنا أشارك الآن على نحو منتظم وأثق به كثيرًا». الواضح أن هذه الثقة كوفئت.
في الواقع، لو كان هناك ثمة اختلاف كبير، شخص يمثل التحول على صعيد الكرة الإسبانية، فهو اللاعب الذي سجل ثلاثة أهداف خلال أول خمسة مباريات له تحت قيادة ليبتغوي، بما في ذلك في تورينو أمام المنتخب الإيطالي وفوزه على أرضه أمام مقدونيا،، بأربعة أهداف دون مقابل في تصفيات كأس العالم 2016 بروسيا، عندما كان هو وزميله ديفيد سيلفا، المنتمي هو الآخر لجزر الكناري، أصحاب الأداء الأكثر إبهارًا في صفوف المنتخب الإسباني.
وقال فيتولو: «خلال المرة الأولى التي تدربت مع المنتخب الإسباني، شعرت بالدهشة، فأنت بطبيعة الحال تدرك أن المستوى سيكون رفيعًا، لكنني فوجئت أنه كان مذهلاً في واقع الأمر. وما أزال أتذكر أول جلسة تدريب مع لاعب خط الوسط سيرغيو بوسكيتس. ورغم أنه قد يبدو بطيئًا للوهلة الأولى عندما تراه، لكنه يعتمد على أسلوب اللعب من لمسة واحدة ومن العسير للغاية استخلاص الكرة منه».
وكان هناك أيضًا سيلفا، والذي قال عنه: «عندما انضممت إلى لاس بالماس (الفريق الثاني) عام 2008، كان سيلفا لاعبًا مهمًا بالفريق بالفعل. وكان قد شارك في صفوف المنتخب الإسباني (منذ عام 2006). وقد شارك في 100 مباراة حتى اليوم، مستوى لا يصل إليه سوى اللاعبين العظام. إنه أسطورة داخل مانشستر سيتي، ويعد بمثابة قدوة يحتذى بها بالنسبة لي كلاعب قدم من جزر الكناري حتى وصل لهذا المستوى». إلا أنه مع وجود لاعبين بحجم أندريس أنييستا وزافي هيرنانديز بجواره، فإن قليلين للأسف أدركوا مدى أهميته وقيمته الحقيقية. ويتفق مع هذه الفكرة فيتولو، الذي قال: «نعم. ربما لا يجري مقابلات صحافية، والواضح أن ابتعاده عن الأضواء ترك تأثيرًا سلبيًا».
يبدي فيتولو شعورًا بالفخر تجاه سيلفا، لكنه يبقى مختلفًا هو الآخر، ذلك أن ثمة أمرا يتعلق به يجعله مختلفًا عن النمط الإسباني المألوف، فهو لاعب موهوب قادم من جزر الكناري، حيث يقول إن «كرة القدم ما تزال تجري ممارستها في الشوارع»، ويجسدها لاعبون أمثال ديفيد سيلفا وخوان كارلوس فاليرون، لكنه يقدم أداءً أقوى وأسرع وأكثر مباشرة وعادة ما تفوق المساقة التي يجريها خلال كل مباراة 12 كيلومترًا. وعن ذلك، قال: «لطالما كنت قويًا، لكن داخل لاس بالماس لم أجر قط بالدرجة التي أمارسها الآن».
في إشبيلية، اضطر لذلك. ويوعز فيتولو التغيير الذي طرا عليه إلى أوناي إيمري مدرب إشبيلية السابق وباريس سان جيرمان حاليا، وقد نجحا معًا في الفوز بثلاث بطولات للدوري الأوروبي على التوالي. والآن، أصبح عنصرًا رئيسيًا في الفريق الهجومي السريع الذي يتولى خورخي سامباولي تدريبه في إشبيلية، وأصبح يجري داخل الملعب بسرعة تقارب الطيران حيث يتولى تغطية الجناح بمفرده. وبالتأكيد، استفاد المنتخب الإسباني كثيرًا من هذا الأمر.
وقال فيتولو: «يقول لي المدرب: لدينا الكثير من اللاعبين رفيعي المستوى ممن يجيدون التعامل مع الكرة، أما ما نحتاج إليه فلاعبين بإمكانهم التحرك حول الفريق الخصم واللعب بصورة مباشرة للغاية. لقد كان الأسلوب الذي لطالما اتبعه المنتخب الإسباني يقوم على السيطرة على الكرة والاستحواذ عليها والسيطرة على الخصم من خلال امتلاك الكرة. إلا أنك أحيانًا تحتاج إلى التغيير، فأنت بحاجة إلى خيارات متنوعة عندما تواجه خصمًا عتيدًا».
الواضح أن فيتولو يتميز بمزيج مفيد من المهارات بإمكانه مساعدة المنتخب الإسباني كثيرًا. أما فيما يخص إنجلترا، فإنه تجدر الإشارة إلى أن أحد أقرب أصدقاء فيتولو، هو الإسباني ألبرتو مورينو، الذي يشارك مع ليفربول بمركز الظهير الأيسر. داخل إشبيلية، ربطت بين الاثنين صداقة متينة للغاية، ويؤكد فيتولو على أن مورينو بمقدوره أن يصبح «لاعبًا متميزًا للغاية على مدار سنوات كثيرة قادمة. لقد شعرت بالحزن عندما واجه الكثير من الانتقادات بعد مباراة نهائي الدوري الأوروبي أمامنا. إنه ما يزال صغيرًا وأعتقد أنه كان محقًا تمامًا في الانضمام إلى ليفربول». ولدى سؤاله حول ما أخبره به مورينو عن الدوري الإنجليزي الممتاز، قال فيتولو بسرعة وصدق واضح: «أخبرني أنه يلائمني كثيرًا».
ولدى سؤاله حول ما إذا كان يتحدث اللغة الإنجليزية، أجاب: «ليس كثيرًا». وسألناه: «هل بمستوى ألبرتو؟»، فضحك قائلاً: «ذلك المستوى! أنا أنتمي إلى العاصمة لاس بالماس، حيث لا يوجد الكثير من السائحين. عندما تتجه نحو الجنوب أكثر، تجد الكثير من السياح، لكنني لم أتعلم الكثير من الإنجليزية».
في الواقع، يتحدث فيتولو بصراحة لافتة، لكنها غير مثيرة للدهشة كثيرًا بالنظر إلى أنها جاءت من لاعب كان في صفوف إشبيلية، النادي الذي أصبح رحيل اللاعبين منه إلى أندية أجنبية أمرا عاديا ومألوفا. وعن هذا، قال فيتولو: «تلك هي السياسة التي يتبعها النادي، وقد أثبتت نجاحها. ورغم أن مثل هذا الأمر قد يؤثر على النتائج داخل أندية أخرى، فإن الأمور تسير على ما يرام داخل إشبيلية. ودعونا ننظر إلى ما يجري. هناك. إلا أنني سعيد للغاية هنا، كما تشعر أسرتي بسعادة بالغة هنا». إذن، ربما ينبغي أن يجري مورينو حديثًا مع يورغين كلوب بشأن ضم فيتولو. عن هذا، قال اللاعب مبتسمًا: «حسنًا، إنه نادٍ عظيم. وهناك الكثير من الأندية العظيمة».
إذن، ما سر النتائج السيئة التي تلحق بالأندية الإنجليزية في البطولات الأوروبية خلال السنوات الأخيرة؟ إذا كانت إنجلترا تملك الموهبة والقوة، ما الذي تفتقر إليه إذن هذه الفرق؟ عن هذا، أجاب فيتولو: «خلال الشوط الأول من نهائي بطولة الدوري الأوروبي، ضغط علينا ليفربول. وكان لاعبوه أقوياء للغاية ويفرضون علينا ضغطًا بالغًا. وهذا الأمر تلحظه كثيرًا مع الفرق الإنجليزية. ومما أخبرني به ألبرتو وما عاينته بنفسي، أعتقد أن السمة الأكثر وضوحًا في الفرق الإنجليزية هي القوة».
إذن أين المشكلة؟ يجيب فيتولو: «يبدو أن الفرق الإسبانية أفضل من الناحية الفنية، وأكثر تدريبًا. أعتقد أن نجاح إسبانيا على المستوى الأوروبي يعود بدرجة أكبر إلى أنها أفضل تكتيكيًا، وليس مجرد أنها تمتلك لاعبين جيدين».
هل يعني ذلك أن الأندية الإنجليزية تلعب بسرعة بالغة دون التفكير بما يكفي في اللعب؟ أجاب فيتولو: «نعم، ربما تلك هي المشكلة الرئيسية، خاصة أنك إذا أمعنت النظر في لاعبي الفرق الإنجليزية ستجد أنهم رائعون. أما الخبر السار هنا فهو أن الجانب التكتيكي يمكن العمل عليه وتطويره بمرور الوقت، خاصة أن العناصر المهمة الأخرى متوافرة».
وأوضح فيتولو أنه سعيد في إشبيلية، ويبدو هذا واضحًا عليه أثناء جلوسه داخل ملعب التدريب، فهو يتحدث كثيرًا بصراحة وأريحية ـ ويبدو أن هذا هو النمط المميز لأبناء جزر الكناري. ورغم أن إشبيلية ليست لاس بالماس، فإنها قريبة منها. وقد استقر فيتولو بالمكان ويشعر أنه يلائمه كثيرًا وأنه حقق بداخله النجاح الذي مكنه بدوره من الانضمام إلى المنتخب الإسباني. ومع هذا، تبقى هناك طموحات أخرى، حيث قال فيتولو: «في نقطة ما بالمستقبل ربما يصبح من الجيد بالنسبة لي محاولة اللعب داخل إنجلترا». في الواقع، هذا الأمر تحقق بالفعل، منتصف الشعر الماضي.