ولاء المقتنين في السوقين الأميركية والألمانية يرتبط بمستوى الخدمة والصيانة والسعودية تسجل أدنى أسعار للسيارات وقطعها على مستوى دول الخليج

يرى اقتصاديون متخصّصون في قطاع تجارة السيارات أن هذا القطاع له حالة خاصة معقّدة لا تنطبق عليها حصرا معايير العرض والطلب، ولا تؤثر فيها كثيرا تدابير منع الاحتكار التي تنطبق على تجارة المواد الاستهلاكية العادية أو المعمّرة البسيطة، لأنها تنطوي على عناصر إضافية تتجاوز «ثلاثي» الاستيراد والتخزين والبيع.
من الثابت في أي عملية تجارة، نظريا على الأقل، أن الاحتكار يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار في حين أن فتح باب المنافسة يساهم بخفضها، وهذا ينطبق على غالبية نشاطات البيع والشراء. غير أن دولا كثيرة أقرّت تشريعات لإلغاء الوكالات الحصرية، التي يعدها البعض شكلا من أشكال الاحتكار، فأدّت بالفعل إلى خفض الأسعار لكنها لم تضمن تحسّن مستوى الخدمة. ثم إنه حتى بعد سن تشريعات لإلغاء الوكالات الحصرية أدّت ظروف العرض والطلب إلى نموّ مؤسّسات بعينها لديها الإمكانيات الكفيلة بالتوسّع وتقديم مستويات عالية من الخدمة على حساب مؤسّسات صغيرة لا تستطيع منافستها من حيث نوعية الخدمة وإن كانت أسعارها أدنى.
السبب المباشر لذلك هو أنه في تجارة السيارات، إلى جانب «ثلاثي» الاستيراد والتخزين والبيع، هناك مسائل الصيانة والتصليح وخدمة ما بعد البيع، بما فيها قطع الغيار، وكلها تقتضي توافر الورَش والمهندسين والتقنيين المتخصّصين المدرّبين في مجالات تقنية كثيرة تشمل الميكانيكا والكهرباء والإلكترونيات، بمعنى أن دور التاجر لا ينتهي مع بيعه السلعة. وهنا تكمن أهمية وجود علاقة ثقة متبادلة بين الوكيل-الموزع والمشتري-المقتني، لما لها من دور في تنمية ولاء المقتني لماركة بعينها.
ووفق دراسة عن «مؤشر خدمات الزبائن» في مجال تجارة السيارات بالولايات المتحدة، أجرتها مؤسسة جي دي باور الأميركية، المرموقة في الأبحاث السوقية الاستهلاكية والنوعية، تبين أن نسبة مقتني السيارات الذين يحصلون على خدمات صيانة وتصليح مجانية أو سابقة الدفع، ازداد بأكثر من الضعفين خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما يفيد الشركات الصانعة والوكلاء والموزّعين بتعزيز مستوى الولاء للماركات وأسعار إعادة الشراء.
الدراسة، التي نشرت حصيلتها يوم 9 أبريل (نيسان) الجاري، قاست نسبة رضا الزبائن على خدمات الوكيل أو الموزع في مجالات الصيانة والتصليح للسيارات المشتراة أو المؤجرة وعمرها ما بين السنة الواحدة والسنوات الخمس. وكشفت أن 68 في المائة من مقتني سيارات الفئة الفاخرة و48 في المائة من مقتني سيارات الفئة الشعبية أن سياراتهم مغطاة بصفقات خدمة مجانية أو سابقة الدفع خلال السنوات الخمس من اقتنائها، مقابل 35 في المائة و15 في المائة – على التوالي – في عام 2009. ما يساعد على رفع أسعار إعادة شرائها بعد استعمالها، وتعزيز الولاء للماركة الذي يترجم بعودة نسبة 72 في المائة من المقتنين إلى الشراء من الماركة نفسها بالمقارنة من 62 في المائة ممن لا يملكون هذا النوع من الصفقات الخدماتية.
وكانت جي دي باور قد أجرت خلال العام 2013 دراسة أخرى ذات دلالة عن السوق الألمانية، أهم أسواق أوروبا الغربية، بيّنت أن الولاء للماركة وعلاقة الثقة مع الصانع والوكيل-الموزّع من أهم الاعتبارات التي تدفع الألمان لشراء سياراتهم. فلقد كشفت دراسة رضا مقتني شراء السيارات في ألمانيا لعام 2013 المتعلقة بسيارات يتراوح عمرها بين السنة وثلاث سنوات أن أهم الاعتبارات عن الألمان عند شرائهم سيارات هي كما يلي، بالترتيب:
1 - جاذبية السيارة، بما فيها مزاياها الأدائية والتصميمية-الجمالية وراحة ركوبها ومستوى تجهيزاتها – 27 في المائة.
2 - كلفة الاقتناء، وتشمل نسبة استهلاك الوقود، وقيمة التأمين، وتكاليف الصيانة والتصليح وقطع الغيار – 25 في المائة.
3 - الجودة النوعية والموثوقية والاعتمادية – 24 في المائة.
4 - الرضا عن الخدمة (بما في ذلك الاستقبال وتأمين سيارة بديلة، وتسهيلات أخرى) – 23 في المائة.
وحقا، خلال لقاء لـ«الشرق الأوسط» مع مسؤول أوروبي في قسم التسويق بإحدى كبريات شركات صناعة السيارات الأوروبية، قبل بضع سنوات، أجاب على سؤال عابر عن نوع السيارة التي يقتنيها، فأجاب أنه يقتني سيارتين: الأولى من إنتاج شركته وهي مُقدّمة له مجانا ويستخدمها في عمله اليومي، والثانية سيارته الخاصة التي يستخدمها مع عائلته أيام إجازته وهي من ماركة منافسة. ولإيضاح الالتباس، تابع المسؤول: «كل السيارات التي ينتجها الصانعون الكبار حاليا ممتازة، لأن الصانعين الضعفاء انتهوا وطويت صفحتهم. كما أن كل السيارات اليوم تصمّم بالاستعانة بالكومبيوتر ويصنّعها الروبوت، وبالتالي، فإن تفضيل سيارة على أخرى يعتمد على خمسة اعتبارات أساسية هي:
1 - طبيعة الحاجة إلى المركبة وفئتها (سيارة عادية بأربعة أبواب، أو رياضية، أو ناقلة عائلية، أو وعرية، أو شاحنة خفيفة...إلخ).
2 - الفئة السعرية.
3 - جاذبية تصميم السيارة ومزاياها وزوائدها.
4 - الولاء العاطفي أو التلقائي لماركة بعينها.
5 - التجربة مع الوكيل أو الموزّع».
والحقيقة أن الاعتبارين الرابع والخامس على درجة كبيرة من الأهمية، كما أنهما في معظم الأحيان مترابطان أو متلازمان، وذلك أن تجربة سيئة واحدة مع وكيل أو موزّع تكفي لنفور المشتري من ماركة والتوجّه إلى ماركة أخرى. في المقابل، طوّرت كثرة من مشتري السيارات علاقات صداقة خاصة مع وكلاء عرفوهم ووثقوا بهم على مرّ السنين، وهذا ما يمكن أن يفسّر الطابع العائلي - الوراثي لعدد كبير من شركات استيراد السيارات في الشرق الأوسط عموما، وفي منطقة الخليج بصفة خاصة. ذلك أن عائلات كثيرة ارتبطت بتجارة السيارات - كعائلات جميل وعلي رضا وزاهد والجميح والعيسى والجفّالي والغانم والملاّ وبهبهاني وبهوان والزبير والمانع والزيّاني والمنّاعي وكانو والمؤيد والفطيم - تعود علاقاتها بهذه التجارة التخصّصية إلى عدة عقود من الزمن، بل، في بلاد الشام يعود بعضها - كعائلات كتّانة وحمصي وغرغور وبو خاطر ورسامني... وغيرها - إلى فترة ما بين الحربين العالميتين.
ولكن عودة إلى واقع تجارة السيارات في الخليج، وبينما يعود إلى الجدل موضوع الوكالات الحصرية، أصدرت دائرة حماية المستهلك في وزارة الصناعة والتجارة بمملكة البحرين حصيلة دراسة خليجية عن أسعار السيارات وقطعها وخدمتها في دول مجلس التعاون الخليجي الست، كانت الغاية منها مقارنة الأسعار في البحرين مع شقيقاتها الخليجيات. ولقد بيّنت الدراسة أن الأسعار الأدنى للسيارات هي تلك المسّجلة في المملكة العربية السعودية، والأعلى في سلطنة عُمان بالنسبة للسيارات، وفي مجال قطع الغيار كانت الأسعار الأدنى في السعودية والبحرين، والأعلى في عُمان والكويت.
الدراسة حلّلت أسعار العرض لعيّنات من السيارات وقطع الغيار الأكثر شيوعا في دول الخليج الست، وأجرت الكثير من المقابلات مع مديري وكالات السيارات ومديري إدارات حماية المستهلك والوكالات التجارية الخليجية، وأرجعت التفاوت بين أسعار السيارات في دول الخليج لبضعة عوامل أبرزها حجم الاستيراد لدى كل وكالة-وكيل وتفاوت أداء العملات واختلاف أسعار صرف عملة الدول الصانعة أو المصدّرة مقابل عملة الدولة المستوردة.
أما على صعيد قطع الغيار والخدمة، فأظهرت الدراسة وجود تقارب في أسعار القطع التي يكثر استهلاكها وتغييرها مثل المكابح ومرشّحات الزيت ومرشّحات الهواء بين وكالات السيارات في الدول الخليجية، وتتفاوت بنسب كبيرة في القطع الأخرى. ورأت الدراسة أن من أهم أسباب الفوارق اختلاف أسعار الاستيراد ونسب الضرائب الجمركية المحصّلة وانعكاسها على السعر النهائي، بالإضافة إلى توفير بعض الوكالات قطع غيار «درجة أولى» وقطع غيار «درجة ثانية» معتمدة من الشركة الأم تتفاوت من حيث السعر بما يصل إلى 50 في المائة لكونها تصنّع خارج بلد المنشأ لانخفاض كلفة التصنيع والشحن، وفي هذا المجال يترك الخيار للمشتري في اختيار ما يناسبه وهو الحال في السوقين السعودية والإماراتية ولا سيما بالنسبة للصانعين اليابانيين. ويضاف إلى ذلك عامل مهم هو امتلاك الشركات والوكلاء مصانع ومخازن ومستودعات بمساحات كبيرة تتيح تأمين أكبر كميات من القطع وتوفيرها للمشتري في أسرع وقت ممكن.