فرنسا تواصل هدم مخيم كاليه مع استمرار إخلائه

بدأ في فرنسا أمس الثلاثاء هدم مخيم اللاجئين العشوائي المثير للجدل في شمال فرنسا بمدينة كاليه في عملية يأمل المسؤولون أن تستغرق أسبوعا. وقال متحدث باسم وزارة الداخلية إن عملية الهدم ستبدأ يدويا وإن الجرافات لن تباشر العملية على الفور في محاولة لتخفيف التوترات. واستمرت عملية إخلاء المخيم المعروف باسم «الغابة» بعد يوم من مغادرة 2300 شخص المكان على متن حافلات. واصطف المئات من المهاجرين قبل فجر صباح أمس انتظارا لتسجيل أسمائهم وإرسالهم لواحد من 450 «مركز استقبال» في أنحاء فرنسا. وسادت الفوضى المشهد العام حيث احتجزت الشرطة القُصر بمفردهم على جانب الطريق.
وهناك خلاف بين لندن وباريس بشأن مصير 1300 طفل من المهاجرين دون عائل. ودعت الحكومة الفرنسية بريطانيا الأسبوع الماضي إلى تعزيز جهودها وأن تعيد توطين الأطفال المهاجرين. ويتم إيواء نحو 400 قاصر مؤقتا في حاويات شحن في جزء من مخيم «الأدغال» حيث تعيش العائلات، بحسب وزير الداخلية برنار كازنوف. وقال كازنوف إن جميع القصر الذين بلا مرافقين «الذين لهم أقارب في بريطانيا» سيتم نقلهم إلى الأراضي البريطانية.
وقال مهاجر باكستاني يدعى حسن يوسفزاي إنه استمتع بثلاثة شهور قضاها في المخيم لكنه سعيد بمغادرته الآن.
وأضاف: «نغادر اليوم وسنذهب إلى منزل بعيد عن هنا ونحن سعداء» مضيفا أنه يأمل في استكمال دراسته للهندسة الكهربائية. وقال «كانت لدي العديد من المشكلات التي دفعتني لمغادرة بلدي. الأمر يتعلق بطالبان. كانت لدي مشكلة لهذا تركت بلدي».
واحتك المهاجرون المصطفون لتسجيل أسمائهم صباح أمس الثلاثاء مع رجال الشرطة، ولكن متحدثا محليا قال إن ذلك لم يسفر عن إصابات. ولم تقع مواجهات عنيفة أيضا مع الشرطة خلال الليل، قبيل بدء اليوم الثاني من عملية الإخلاء والهدم. وقال وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف إنه سوف يتم زيادة تدابير التحكم في المنطقة لمنع إقامة مخيمات غير مشروعة أخرى على الساحل الفرنسي. وتم نقل 1918 شخصا بالغا و400 قاصر غير مصحوبين بعائلاتهم من المخيم في اليوم الأول. وفي وقت مبكر من الثلاثاء كان عشرات القاصرين ينتظرون دورهم في المقابلات مع مسؤولين فرنسيين وبريطانيين.
وتم نقل المهاجرين إلى مراكز أنحاء فرنسا يتمكن المهاجرون خلال الوجود بها من تقديم طلبات اللجوء.
وحسب تقديرات الحكومة ومنظمات غير ربحية، كان ما بين 6500 شخص و8000 شخص يعيشون في المخيم بالقرب من كاليه، قدم معظمهم من أفغانستان والسودان وإريتريا، ومن بينهم كثيرون يأملون في عبور القنال الإنجليزي والوصول إلى بريطانيا. ولكن عملية العبور أصبحت أكثر خطورة في ظل الإجراءات الأمنية المشددة عند بوابة النفق الذي يمر أسفل القنال وعلى طول الطرق السريعة حيث يحاول البعض الاختباء في صناديق الشاحنات لمحاولة العبور.
ومن بينهم علاء (17 عاما) وهو من الموصل ثاني أكبر المدن العراقية. وقد قال لوكالة الصحافة الفرنسية إنه فر من بلاده مع شقيقه (25 عاما) عندما شن تنظيم داعش هجومه على شمال العراق في 2014. وأضاف: «لم يكن أمامنا خيار سوى الفرار (...) كانوا سيقتلوننا لو أرادوا ذلك».
إلا أن الحياة في مخيم «الأدغال» كانت «فظيعة جدا». وأضاف أن «هاتفي سرق وتعرضت للضرب والتهديد». وأضاف أن شقيقه تمكن من التسلل إلى بريطانيا للانضمام إلى عمه هناك، إلا أن علاء بقي «لأن رحلة التسلل كانت مخيفة جدا وخطيرة جدا».
واستقبلت بريطانيا نحو 200 مراهق خلال الأسبوع الماضي، إلا أن عمليات نقل المهاجرين توقفت الاثنين. وقالت وزيرة الداخلية البريطانية امبر رود إن لندن تساهم بما يصل إلى 36 مليون جنيه إسترليني (40 مليون يورو/ 44 مليون دولار) في عملية إخلاء المخيم.
إلا أن مدير وكالة اللاجئين الفرنسية باسكال بريس انتقد بريطانيا بشدة الثلاثاء. وقال للإذاعة الفرنسية: «نحن نقوم بالعمل الذي كان يجب أن يقوموا به»، مكررا الدعوات إلى بريطانيا باستقبال القصر من مخيم كاليه.
ووقعت بريطانيا وفرنسا ما يسمى باتفاق «لاتوكيه» والذي ينقل الحدود البريطانية إلى داخل الأراضي الفرنسية في 2003. وقال كريستيان سالوم رئيس منظمة «فندق المهاجرين» الخيرية إن عملية نقل المهاجرين «تسير على ما يرام» إلا أنه أعرب عن خشيته من أن نحو ألفي شخص «لا زالوا يرغبون في الوصول إلى إنجلترا». إلا أن وزارة الداخلية الفرنسية قالت إن هذا الرقم مبالغ فيه.
وأصبح مخيم كاليه، الواقع في أرض بور إلى جانب ميناء كاليه على مساحة أربعة كيلومترات، رمزا لفشل أوروبا في حل أسوأ أزمة مهاجرين تواجهها منذ الحرب العالمية الثانية.
وفر أكثر من مليون شخص من الحرب والفقر في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وتدفقوا على أوروبا العام الماضي ما أثار انقسامات بين دول الاتحاد الـ28 وأدى إلى صعود اليمين المتطرف.
وعلى مدى عشر سنوات يتجمع في كاليه لاجئون يسعون إلى التوجه إلى بريطانيا اعتقادا بأن فرص العمل والاندماج فيها أفضل. وخلال العام الماضي واجهت الشرطة محاولات شبه ليلية من لاجئين للتسلق على شاحنات متوجهة إلى بريطانيا.
ويشكل إعادة توزيع المهاجرين أمرا يحمل خطورة بالنسبة للرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند قبل ستة أشهر من الانتخابات التي تعتبر مسألة اللاجئين قضية مهمة فيها. وعارضت بعض المناطق الفرنسية استقبال عدد من طالبي اللجوء؛ ففي قرية بورغوني الشرقية لقي نحو عشرين شابا سودانيا استقبالا باردا الاثنين.
ووقف السكان المحليون بعيدا يشاهدون الشباب العشرين ينزلون من الحافلة في القرية التي ستستقبل 50 طالب لجوء بينما لا يزيد عدد سكانها عن 200 شخص. وقالت إحدى سكان القرية جويل شيفو وهي تسير مع كلبها: «وصول هذا العدد الكبير من اللاجئين غير مناسب».
لكن في مناطق أخرى أبدى السكان تضامنا مع اللاجئين حيث نظمت مسيرة في باريس شارك فيها نحو مائتي شخص، وأخرى في مدينة نانت شارك فيها 250 شخصا، بحسب الشرطة.
وصرح جان-مارك بيويزو الرئيس التنفيذي لميناء كاليه لإذاعة «بي بي سي» البريطانية بأنه «سعيد جدا»، مشيدا بانتهاء «الضغط النفسي المستمر» الذي يعاني منه السائقون الذين يخشون من كمائن اللاجئين. وقتل العشرات على الطريق أثناء محاولتهم الصعود على متن القطارات المارة. وحذر بيويزو من أن مخيمات جديدة ستظهر في مناطق كاليه إذا لم تتيقظ الشرطة.
وقال العراقي علاء (17 عاما): «كل ما أريده هو أن أعود إلى الدراسة وأبدأ حياة جديدة».