القوات الأمنية تواصل ملاحقة فلول «داعش» في كركوك.. ولا تفصلها عن الموصل سوى 5 كيلومترات

شهدت كركوك أمس، لليوم الثاني على التوالي، اشتباكات عنيفة بين ما تبقى من مسلحي «داعش» الذين هاجموها فجر أول من أمس والقوات الأمنية المتمثلة بقوات الآسايش (الأمن الكردية)، والشرطة، وقوات البيشمركة التابعة لنائب رئيس الإقليم كوسرت رسول علي، والمتطوعين من أبناء المدينة ومدن دهوك وأربيل وخانقين وكلار وكفري والسليمانية، والمدن الكردية الأخرى الذين وصلوا إلى كركوك للدفاع عنها ضد «داعش»، وتمكنت هذه القوات من القضاء على مسلحي «داعش» الذين تحصنوا في البيوت والمدارس في أحياء دوميز وتسعين والمناطق الأخرى من كركوك.
وغداة صدمة الهجوم على كركوك التي يسيطر عليها الأكراد، كان قناصة وانتحاريون لا يزالون يتحصنون أمس في مواقع مختلفة، ما دفع بغداد إلى إرسال تعزيزات عسكرية. من جهة أخرى، قال عميد في وزارة الداخلية يوجد في كركوك، لوكالة الصحافة الفرنسية أن «46 شخصًا قتلوا وأصيب 133 بجروح خلال الاشتباكات في مدينة كركوك». وأضاف أن «الغالبية العظمى من القتلى والجرحى من قوات الأمن». وأكد «مقتل ما لا يقل عن 25 من عناصر خلال الاشتباكات» التي ما زالت متواصلة في عدد من أحياء المدينة. وأكد مصدر طبي في مديرية صحة كركوك الحصيلة. ودعي أهالي كركوك إلى التبرع بالدم في مستشفيات المدينة، وفقًا للمصدر.
والهجوم الذي ينفذه الانغماسيون عادة وهم مسلحون يرتدون أحزمة ناسفة، هدفه خلق فوضى وقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين وقوات الأمن، وليس تحقيق نصر عسكري. واستخدموا مكبرات الصوت في المساجد للتكبير ومدح تنظيم داعش.
وظل أبو عمر 40 عامًا وهو قصاب لمدة 24 ساعة في داخل منزله، مع زوجته وأولاده الثلاثة. وقال: «شعرنا بأن هذا اليوم دام عامًا كاملاً، كنا نسمع إطلاق النار والانفجارات كل الوقت، لم نتمكن من الخروج لمشاهدة ماذا يحدث في الخارج». وقال أحد عناصر التنظيم ممن اعتقلتهم أجهزة الأمن الكردية إن الهجوم على كركوك خطط له زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، للفت الانتباه عن هجوم الموصل. ونقل مراسل وكالة الصحافة الفرنسية الذي حضر التحقيق عن المعتقل قوله إن «هجوم اليوم كان من مخططات الخليفة البغدادي، ليظهر من خلاله أن الدولة الإسلامية (داعش) ما زالت باقية وتتمدد، ويخفف الضغط على جبهة الموصل».
وقال حيدر عبد الحسين وهو مدرس من كركوك لوكالة الصحافة الفرنسية: «عند صلاة الصبح، شاهدت عددا من (الدواعش)، يدخلون مسجد المحمدي». وأضاف: «استخدموا مكبرات الصوت وبدأوا يكبرون، ويهتفون الله أكبر، دولة الإسلام باقية».
وفجر خمسة انتحاريين أنفسهم على الأقل ضد مبانٍ حكومية ومركز الشرطة الرئيسي، وقتل إثرها خمسة من الشرطة و12 عنصرًا من المتطرفين في الاشتباكات. وقال ضابط شرطة رفيع إن «العقبة الأساسية التي عطلت ملاحقة المهاجمين هي القناصة». وقرر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إرسال تعزيزات عسكرية إلى كركوك، حسبما أفاد مكتبه الإعلامي.
في غضون ذلك وجه رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، أمس رسالة إلى مواطني محافظة كركوك جاء فيها: «هذه الهجمة الإرهابية المباغتة، ليست إلا محاولة يائسة من قبل الإرهابيين لتعويض خسائرهم وفشلهم في جميع جبهات القتال، وبهذا الصدد أطمئن المواطنين في مدينة كركوك وكل شعب كردستان، بأننا بعون الله تعالى وبإرادة قوية وبوحدة صف قوات البيشمركة والجماهير المخلصة، سنواجه الإرهاب وسنقف في وجهه، وسنقضي على مخططاته كافة». وتابع بارزاني: «منذ بدء هجمات يوم الجمعة، أجريتُ مراجعة دقيقة للأوضاع، ووجهت نائب رئيس الإقليم ومحافظ كركوك وعدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين للسعي للسيطرة على الوضع بأقصى سرعة». وشدد بارزاني في ختام رسالته بالقول: «ستبقى كركوك محمية، ولن تقع تحت أيدي الأعداء مهما كان الثمن».
وعلى صعيد معارك الموصل، مركز محافظة نينوى، أعلنت قيادة العمليات المشتركة أمس اقتحام الفرقة التاسعة بلدة قرة قوش (الحمدانية) المسيحية الواقعة شرق الموصل. والسيطرة على قرة قوش ستسمح للقوات العراقية بالوصول إلى أطراف مدينة الموصل، بعد أن فرضت سيطرتها على بلدة برطلة الصغيرة قرب قرة قوش. وأعلنت العمليات المشتركة تقدم قواتها من الجهة الشمالية باتجاه بلدة تلكيف الواقعة ضمن منطقة سهل نينوى.
وتشن القوات الكردية كذلك هجومًا كبيرًا في الجانب الشمالي الشرقي، لكنهم يتذمرون من ضعف الإسناد الجوي من قبل التحالف الدولي. وقال كريم سنجاري، وزير داخلية حكومة إقليم كردستان الذي يقوم بمهام وزير الدفاع وكالة، إن القوات العراقية على بعد خمسة كيلومترات من الموصل، لكنه أضاف أن من غير المتوقع أن تنتهي المعركة قريبا. وأضاف لوكالة «رويترز» أن مقاتلي الدولة الإسلامية المعتقد أن عددهم بين أربعة آلاف وثمانية آلاف سيبدون مقاومة شرسة؛ بسبب أهمية الموصل الرمزية عند التنظيم المتشدد. وأضاف أنه إذا أبدى التنظيم مقاومة في المدينة خاصة في الموصل القديمة فستكون معركة كبيرة، فالطرق ضيقة جدًا، ولا يمكن للمركبات السير فيها ولا الدبابات؛ لذا فستكون معركة من شخص لشخص. وأعرب سنجاري عن اعتقاده بأن معركة الموصل ستكون أطول من معركة الفلوجة وتكريت، مشيرًا إلى أن الموصل مدينة كبيرة. وأضاف أن القوات الكردية سيطرت حتى الآن على 20 قرية، فيما سيطر الجيش العراقي على عشر.
وحول مكان وجود زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، أشار سنجاري: «ليس من الواضح إن كان البغدادي سيخاطر بحياته أو باعتقاله وينضم لمقاتليه في معركة الموصل، وهي مدينة أغلب سكانها من السنة، ويقطنها أكثر من 1.5 مليون نسمة». وقال سنجاري إن تقارير غير مؤكدة تشير إلى أن أبو بكر البغدادي كان في الموصل منذ ثلاثة أيام، وشاهده بعض الأشخاص وهو يزور المقاتلين ويحفزهم، لكنه أضاف أنهم ليسوا متأكدين من وجوده. وقال إن القوات العراقية لن تتمكن من هزيمة الدولة الإسلامية دون مساعدة من الداخل، مثل المخبرين أو الجواسيس والتعاون من العشائر السنية.