سوق العقار السعودية تحقق 12 مليار دولار فقط بالربع الثالث من 2016

سجلت السوق العقارية السعودية أسوأ أداء لها منذ ما يزيد على 5 سنوات، وذلك خلال الربع الثالث من العام الحالي، إذ بلغت قيمة الصفقات بشقيها «التجاري والسكني» نحو 12 مليار دولار، وهي قيمة متدنية مقارنة بالأعوام السابقة، الأمر الذي يشير إلى اتجاه السيولة المحلية لتسجيل مستويات متدنية جديدة ستنعكس على قيمة العقار بشكل عام.
ويأتي هذا الانخفاض ضمن الآثار المباشرة لقرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء، إضافة إلى تأثير أسعار النفط، والعزوف المتزايد عن عمليات البيع والشراء.
وأشار عقاريون إلى أن ما آلت إليه قيمة المؤشر خلال الأشهر الثلاثة الماضية، هو نتيجة فرض رسوم على الأراضي البيضاء التي بدأ تطبيقها رمضان الماضي، لافتين إلى أن ارتفاع الأسعار هو السبب الرئيس في ما يحدث في السوق العقارية في ظل تناقص السيولة مهما تعددت خيارات التمويل التي يجب أن تكون ركنًا أساسيًا في حال انخفاض الأسعار، وعدم تحميل المستهلك البسيط والكيانات التمويلية مخاطرات عالية قد تنصب على الاقتصاد العام ككل بتحميلها تضخمات غير حقيقية، لافتين إلى أن الحل الوحيد لعودة وقوة السوق هو انخفاض قيمة العقار وهو ما تعمل الحكومة على تحقيقه.
وذكر محمد الوادعي، الذي يدير شركة «نمو العاصمة» العقارية، إلى أن انخفاض الحركة خلال الربع الماضي ليس أمرًا جديدًا، في ظل تخبط السوق وتقلص حركتها إلى نسب كبيرة نتيجة عوامل عدة، متوقعًا أن تزيد نسب الانخفاض أكثر من ذلك خلال الأعوام المقبلة، في ظل تضاؤل السيولة في يد المشترين؛ وهو الأمر الذي يشير إلى حدوث الدورة الاقتصادية المعتادة التي سينحسر عندها التضخم إلى أدنى مستوياته خلال الفترة المقبلة وتسجل الأسعار مستويات جديدة تتجه نحو الهبوط، خصوصًا أن قيمة العقار الآن تتجه نحو الانخفاض - وإن كان بنسب محدودة، وهو أمر إيجابي يوضح حالة السوق خلال الفترة المقبلة.
وأضاف الوادعي أن هناك فجوة كبيرة بين أسعار العرض وقدرات المشترين، الأمر الذي تسبب في ركود حاد في القطاع، الذي يعتبر الأكثر غرابة من بين القطاعات الاقتصادية الأخرى، لافتًا إلى أن السوق تفرز من وقت لآخر كميات لا بأس بها من العروض، دون أن تجد لها طلبًا يتلاءم معها في السعر أو نوعية الإقبال، إذ إن المستهلك لا يستطيع توفير الأسعار المرتفعة، مضيفًا أن انخفاض معدل الصفقات العقارية أكبر دليل على ذلك.
وطغى الانخفاض على جميع مؤشرات أداء السوق العقارية المحلية الأخرى، إذ انخفض إجمالي صفقات السوق بنهاية الربع الثالث إلى نحو 166.1 ألف صفقة، منخفضًا بنسبة 32.6 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2014، وبنسبة انخفاض 21.2 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2015. كما انخفضت أعداد العقارات المبيعة في السوق بنهاية الربع الثالث إلى نحو 178.7 ألف عقار، منخفضة بنسبة 32.5 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2014، وبنسبة انخفاض 21.1 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2015.
وشدد خالد الدوسري، الذي يدير عددًا من الاستثمارات العقارية، على أن فقدان السوق هذا المعدل الكبير مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، يحتاج إلى دعم أكبر من ناحية انخفاض السعر. وتابع: «رغم سعي الدولة لاحتواء الأسعار وإعادتها إلى ما كانت عليه عبر سن التشريعات التي تدعو إلى ذلك، إلا أن الحلقة المفقودة تتمثل في ارتفاع أسعار العقار إلى مستويات كبيرة، لا يستطيع كثير من الراغبين الشراء بها، الأمر الذي يعكس الحال في السوق التي تعيش أسوأ أيامها منذ سنوات طويلة في ظل شح السيولة لدى المشترين، خصوصًا لقطاع الإسكان الذي يواجه أيامًا عصيبة في ظل ضبابية الرؤية، وانتظار ما تفضي إليه الرسوم من انخفاض حقيقي في الأسعار، وبالتالي التمكن من الشراء، وبذلك توقف الربح العقاري للمستثمرين».
وأضاف الدوسري أن السوق تترنح بين ارتفاع الأسعار إلى درجة كبيرة، وبطء الحلول لدى المستثمرين الذين لم يستطيعوا معرفة توجه السوق وعقلية المشتري الذي يعزف عن جميع الخيارات نتيجة عدم توافر المال أو وجوده بنسب تقل عن الأسعار الحالية للسوق، لافتًا إلى أن القطاع قد يحقق الكثير من المفاجآت خلال فترة قصيرة، إذ ستقع السوق تحت مقص الرسوم التي ستغير خارطة أداء العقار المحلي، خصوصًا في معدل العرض والطلب وانخفاض الأسعار، خصوصًا أن فقاعة العقار وصلت لأقصى درجاتها بحسب تعبيره.
واعتبر الدوسري أن المشاريع الحكومية غير الربحية لقطاع الإسكان أصبحت الخيار الأكثر ملاءمة حيال معطيات السوق، وأن هناك مشكلة أخرى وهي نقص السيولة، الأمر الذي سيكون له كلمة الفصل في ذلك.
ويعتبر أداء السوق العقارية خلال الربع الأخير الأسوأ منذ الربع الرابع من عام 2010، ويعكس حالة الركود التي تسيطر على السوق، وتراجع معدلات أدائها للعام الثالث على التوالي، ويقف خلف ذلك عوامل رئيسة اقتصاديًا وماليًا، تمثلت في الانخفاض الشديد لأسعار النفط منذ منتصف عام 2014، الذي انعكس انخفاضًا على الإنفاق الحكومي، وبدوره أدى بصورة كبيرة إلى انخفاض معدلات نمو السيولة المحلية والودائع المصرفية، وتباطؤ معدلات نمو الائتمان المحلي، والتمويل العقاري.
إلى ذلك، أكد طارق العريفي، الرئيس التنفيذي لشركة «تمقبل» العقارية، أن مستويات الانخفاض كبيرة وليست محدودة قياسًا ببدء تطبيق الرسوم، إلا أنها تعد مؤشرًا مهمًا للمستقبل الذي سيكون عليه القطاع العقاري، خصوصًا أن المؤشرات العقارية ثابتة ومن الصعب جدًا أن تتحرك إلا في مجال الارتفاع؛ ما يعني أن الانخفاض الحاصل كان من السيناريوهات شبه المستحيلة، إلا أن الواقع الجديد سيجبر الشركات على التعاطي مع الحالة الجديدة، وهي الانخفاض في الطلب الذي سيلقي بظلاله على انخفاض القيمة العامة للعقار بشكل أو بآخر.
ونصح العريفي بتنويع الاستثمارات العقارية، خصوصًا لمن كان يعتمد فقط على عمليات بيع وشراء الأراضي المطورة، إذ إن السيولة لديهم تشهد نزولاً ملحوظًا في ظل توقف عمليات البيع والشراء، رغم توجه بعضهم إلى تجزئة الأراضي إلى مساحات صغيرة لا تتجاوز 350 مترًا في محاولة لبيعها، إلا أنها لم تكن ذات انعكاس ملحوظ على الحركة، مضيفًا أن انتعاش السوق مرتبط بمزيد من الانخفاض، الذي سيمكن الجميع من التملك، ما سيؤدي إلى ازدهار في الحركة العقارية يستفيد منها الجميع.
وتتضح التطورات اللافتة للسوق العقارية المحلية؛ في عمليات بيع واسعة للأراضي بأسعار أدنى بكثير من قبل كبار مالكي الأراضي، وهو أمر كان متوقعًا سابقًا لكن بأدنى من ذلك بكثير، أثناء دراسة آثار بدء تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، وهو ما رسم الشكل الحالي لأداء القطاع.