سعوديات يتجاوزن «استنساخ» المشروعات.. ويستثمرن في قطاعات «ذكورية»

كشفت أحدث الإحصاءات الرسمية عن أن نحو 75 في المائة من حجم الأنشطة التجارية النسائية في السعودية تتركز في قطاع التجميل، الذي يتمثل في المراكز والصالونات. وعلى الرغم من حالة «الاستنساخ» التي يعيشها الكثير من المشروعات الاستثمارية النسائية، فإن ذلك لم يمنع بعض سيدات الأعمال السعوديات من كسر القوالب التقليدية لمشروعاتهن، والابتعاد عن عالمي التجميل وصناعة الأغذية اللذين كانا يسيطران على معظم مشروعات السيدات السعوديات في السنوات السابقة.
ويبدو لافتا أن الرغبة في الخروج عن المألوف اجتاحت قطاعات توسم في المجتمع السعودي بـ«الذكورية»، كونها ظلت سنوات طويلة حكرا على الرجال فقط، خاصة مع تزايد حجم مشاركة المرأة السعودية في قطاعات الأعمال المختلفة خلال العقد الأخير، حيث برزت الكثير من الوجوه الاقتصادية البارزة، بعضها اقتحم مجالات لم يكن للنساء حيز فيها، مثل الاستثمار في قطاع المقاولات، والاستثمار في مجال الرياضة، والاستثمار في القطاعات الزراعية والحيوانية.
ومن ذلك تجربة سيدة الأعمال فوزية الكري، التي تعد أول سيدة تعمل في قطاع المقاولات شرق السعودية، بعد أن هجرت مهنة التدريس وحصلت على سجل تجاري لأنشطة الخدمات العامة، ثم انطلقت فعليا في هذا المجال عام 2006. وعن تجربتها تتحدث الكري لـ«الشرق الأوسط»، قائلة «العمل في المقاولات صعب جدا، لكني سياسية وصبورة بطبعي، ولم أدخل هذا المجال إلا بعد سنتين من الدراسة والبحث والتقصي».
ولا تنكر الكري أنها كثيرا ما تصدم من نظرات التعجب والاستغراب التي تواجهها، خاصة عند نزولها العمل الميداني، قائلة «أصادف الكثير من الرجال الذين يتعجبون حين رؤيتي، والبعض منهم لا يرد علي منذ الوهلة الأولى بسبب الصدمة من وجود سيدة مقاولة في موقع العمل»، إلا أنها تؤكد أن هذا المجال لا يتعارض أبدا مع طبيعة واهتمامات المرأة، قائلة «أتمنى أن أجد الكثير من السيدات يعملن في المقاولات، فهذا المجال ليس حصرا على الرجال، خاصة أن السيدات يمتزن بالدقة والاهتمام بالتفاصيل».
وبسؤال الكري عن المعوقات التي تواجهها في العمل، تقول «أتعب كثيرا من متابعة العمالة والتعامل مع العملاء، إلى جانب إشكالية غرس الثقة بعملي، فالكثيرون يتخوفون من العمل مع سيدة في مجال المقاولات، وهو ما أحاول تغييره»، وعلى الرغم من صعوبة تجاوز هذه المعوقات فإن الكري تؤكد خلال حديثها أن ذلك لن يمنعها من العمل على تطوير قطاع المقاولات ودعم وتدريب السيدات الراغبات في اقتحام هذا المجال، لزيادة حظوظ المرأة في القطاع، حسب قولها.
وعند الحديث عن المشروعات النسائية غير التقليدية فلا يمكن إغفال التجربة السباقة لسيدة الأعمال السعودية دينا الفارس، التي كسرت احتكار الرجال للاستثمار في المجالات الزراعية والحيوانية، حيث تدير الفارس مزرعة للكافيار، تعد من أكبر المزارع في الشرق الأوسط، ويصل حجم إنتاجها الحالي إلى طنين ونصف الطن في السنة، مما يمثل نقلة جديدة لموقع المرأة في عالم الكافيار الذي يوصف بأنه «الألماس الأسود»، الذي يصل استهلاك السعودية منه إلى نحو 20 في المائة سنويا.
وبالعودة إلى قصة البداية والخطوة الأولى للدخول في عالم الكافيار، أوضحت الفارس لـ«الشرق الأوسط» أن ذلك جاء بدعم مباشر من والدها، وتقول «من حسن حظي أن سنوات البحوث والإعدادات لهذا المشروع من قبل والدي كانت في نهايتها عندما تخرجت، وانضممت للإسهام في تأسيس إدارة المشروع الضخم، وكان ذلك في بداية عام 2001»، فيما تصف نفسها بأنها «فتاة سعودية طموحة تربت على يدي والدها رجل الأعمال المغامر، وتعلمت منه خوض التجارب في تحديات الأعمال والاستثمار».
وفي محور آخر، فإن الاستثمار في الرياضة لم يعد هو الآخر حكرا على الرجال فقط، حيث شهد هذا العام افتتاح أول مركز رياضي للفتيات تمتلكه هناء الزهير سيدة الأعمال، بعد أن حصل على رخصة من الرئاسة العامة لرعاية الشباب في المنطقة الشرقية، حيث يضم عددا من الأقسام، كاللياقة البدنية، والكاراتيه، وبرامج إنقاص الوزن، وبرامج مخصصة للأطفال تربط ما بين التفكير الذهني والبدني، إضافة إلى اليوغا وغيرها.
ورأت الزهير أن افتتاح المركز يعد الخطوة الأولى لبدء استثمار المرأة السعودية في المجال الرياضي، مؤكدة أنها لم تواجه أي صعوبات في الحصول على الترخيص الأول من نوعه في البلاد، في حين أفصحت خلال حفل افتتاح المركز عن خططها في دعم مدربات الرياضة السعوديات وتقديم البرامج التدريبية لهن، إلى جانب توجه المركز لتدريب المدربات في المدارس بعد إقرار دخول الرياضة المدرسية في مدارس البنات بالتفاهم مع القائمين على المدارس وإدارة التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية.
من ناحيته، يعلق فضل البوعينين، الخبير الاقتصادي، على توسع استثمارات النساء السعوديات، بالقول «إن الفكرة الاستثمارية المطروحة يفترض أن تكون هي مفتاح الاستثمار، بحيث تتضمن عنصر الابتكار والابتعاد عن التقليدية»، متابعا بالقول «لدينا مشكلة في عملية التقليد مما يقتل الكثير من الفرص»، موضحا أن الكثير من الفرص الاستثمارية ما زالت تنتظر النساء السعوديات للدخول فيها وعدم تركها حصرا على الرجال أو العمالة الوافدة.
وأبدى البوعينين خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» معارضته لدخول المرأة في قطاع التشييد والبناء، قائلا «أعتقد أن هذا المجال لا يناسب المرأة، خاصة مع وجود فرص استثمارية ذات طبيعة مرتبطة بالمرأة ومن الممكن أن تبدع فيها، مثل مكاتب العلاقات العامة وخدمات التسوق وتنظيم المناسبات وغير ذلك»، وتابع البوعينين حديثه بالقول «ما زال لدينا الكثير من الفرص المفقودة في القطاع النسائي».
ووفقا لتقرير حديث أعدته الإدارة العامة النسائية بمجلس الغرف السعودية، تنامت وتنوعت مساهمات المرأة السعودية في مجالات الاستثمار، بعد أن اخترقت مجالات جديدة غير تقليدية وحققت نجاحات عدة في كثير من المجالات، وخرجت المرأة من مجالات الاستثمار المتاحة التقليدية مثل المدارس والمشاغل النسائية، وطرقت بقوة العقارات والأسهم الصناعية، وتبين اتجاه النساء إلى العقارات في ارتفاع مستمر، ويوضح التقرير أن نشاط سيدات الأعمال السعوديات شهد تطورا ملحوظا في الأعوام الأخيرة، وتنوعت تلك الأنشطة ما بين الملابس وأدوات التجميل، والمؤسسات التعليمية وغيرها من الأنشطة التجارية الأخرى.
وكشف التقرير عن أن حجم رؤوس الأموال النسائية زاد إلى 60 مليار ريال، في حين بلغ إجمالي عدد منسوبات الغرف التجارية حتى عام 2012 نحو 38.750 منتسبة في مختلف مناطق المملكة، وهذه النسبة في تزايد بمعدل مرتفع، بحسب ما يفيد التقرير، الأمر الذي يبشر بتزايد حجم المشاركة النسائية في السعودية خلال السنوات المقبلة.