عودة مزدوجة لمل غيبسون.. ممثلاً ومخرجًا

يعود الممثل والمخرج مل غيبسون إلى الأضواء الكبيرة هذا العام، عبر تقديم فيلمه الجديد «هاكسو ريدج» في مهرجانين، هما فنيسيا وتورنتو. إنه فيلمه الأول كمخرج منذ عشر سنوات، عندما قدّم «أبوكاليبتو» سنة 2006، وهو يكتفي فيه بالوقوف وراء الكاميرا، تاركًا مهام التمثيل لفريق يتضمن سام وورثنغتون وفينس فون وهوغو ويفينغ وأندرو غارفيليد من بين آخرين.
ويلعب غارفيلد دور الضابط دزموند دوس الذي التحق بالجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تم إرساله إلى جزيرة أوكيناوا خلال القتال ضد اليابان. وهناك، امتنع عن المشاركة في القتال من مبدأ إنساني، وانصرف لمعالجة الجرحى والمصابين، مما أثار غضبة رؤسائه، لكن التقدير واكبه فيما بعد، وكان أول ضابط ينال وسام شرف، على الرغم من أنه لم يشترك في القتال.
* بنات الليل
مل غيبسون كانت له حصته من القتال في السنوات الأخيرة. فقد ارتكب خطأ التفوّه بعبارات عنصرية علنًا ضد رجل شرطة أسود، وضد اليهود، مما أوعز للإعلام بوصفه بـ«معاد للسامية». ومع أنه تقدم باعتذار لكلا الطرفين، فإن كثيرين في هوليوود اعتبروه ممثلاً انتهت خدماته في مدينة غالبية رؤسائها من اليهود.
«كانت فترة صعبة علي طبعًا؛ أنا الذي لا أستطيع مزاولة أي شيء آخر سوى التمثيل أو الإخراج، أجد أن هوليوود أوصدت الباب في وجهي»، هذا ما قاله غيبسون لأحد النقاد في مقابلة تمت قبل أربع سنوات، أي بعد نحو عامين من الحادثة. لكن ما حدث أن هذا الباب المقفل الذي ارتابت هوليوود أن يُفتح من جديد، فُتح فعلاً، وغيبسون لم ينقطع عن العمل سنويًا إلا لعامين، ما بين 2008 و2010. أما ما بعد ذلك، فقد عاد ولو متسربًا.
في البداية، اختارته جودي فوستر لبطولة «القنفذ» (2011)، حيث ذكّر غيبسون مشاهديه إلى أي خامة جيدة ينتمي كممثل، هذا على الرغم من أن البعض كال للفيلم بسببه. وفي العام التالي، أدى بطولة فيلم أكشن جيد بعنوان «أقبض على الأميركي» (Get the Gringo)، ثم ظهر في دور الشرير الأول في فيلم «المستهلكون 3» مقابل سلفستر ستالون. في ذلك الفيلم، سجل لغيبسون أنه الممثل الحقيقي الوحيد في الفيلم، إذ دمج التنميط المعتاد بأداء مميز وضع فيه جهدًا جيدًا.
هذه الأفلام المذكورة هي من بين عشرة أعمال قام بتمثيلها قبل وصوله إلى قرار القيام بإخراج «هاكسو ريدج»، مستفيدًا من استعداد شركة Summit Entertainment لتوزيعه. في الوقت نفسه، انطلق فيلم آخر من أفلام الأكشن التي يجيد تمثيلها تحت عنوان «دم أب» الذي ينتمي إلى سلسلة الأفلام التي يقوم ببطولتها أخيرا ممثلو الصف الثاني في السن الحرجة الذي بلغوه: ليام نيسون في سلسلة «مخطوفة»، كَفن كوستنر في «مجرم»، ونيكولاس كايج في عشرات الأفلام السريعة التي انصرف لها في السنوات الأخيرة.
في «دم أب» هو الأب الذي لم يلتق بابنته منذ أكثر من خمس عشرة سنة، لكنها تتصل به فجأة لتطلب مساعدته: لقد قتلت صديقها الذي كان يعمل في عصابة مخدرات، والآن ها هي العصابة في أثرها، ولا معين لها سوى أبيها الذي يخرج سلاحه غير المستخدم منذ سنوات بعيدة، ويواجه الأشرار دفاعًا عن ابنته.
لكن هو يعلم، وكذلك المتابعون، أن مهنة غيبسون ومسألة عودته كلاعب أساسي في هوليوود متوقفتان على «هاكسو ريدج» أكثر من سواه. والاستقبال النقدي مهم لأنه يساعد في انتشار العمل جماهيريًا.
مل غيبسون (60 سنة) كان قد لفت الأنظار إلى موهبته ووسامته منذ بطولته لفيلم «ماد ماكس» سنة 1979، الذي كان إنتاجًا أستراليًا وضع غيبسون في هوليوود، حيث توالت عليه الفرص سريعًا، من أفلام درامية عاطفية مثل «مسز سوفتل»، إلى مغامرات بحار كما «الباونتي»، ومن أدوار شكسبيرية، عندما قام ببطولة «هاملت» سنة 1990 بنجاح كبير، إلى أفلام الأكشن البوليسية التي بدأت بفيلم «سلاح قاض» سنة 1987.
قراره بالتحول سنة 1993 إلى الإخراج كان قرارًا صائبًا نتج عنه «الرجل بلا وجه»، تبعه بعد عامين فيلم «قلب شجاع» التاريخي. وبقي في غمار التاريخ منذ ذلك الحين، فقدم فترة المسيح في «آلام المسيح» (2004)، وانتقل إلى حضارة هنود المايا في «أبوكاليبتو»، ثم ها هو الآن يحط في رحى الحرب العالمية الثانية.