نازحو الشرقاط جنوب الموصل يواجهون الموت البطيء

مع استمرار المعارك في أطراف الموصل تمهيدًا للوصول إليها كهدف نهائي لاستعادتها من تنظيم داعش، كآخر هدف عراقي استراتيجي ثمين، تتفاقم مأساة من نوع آخر، تلك هي معاناة نازحي قضاء الشرقاط (115 كيلومترًا جنوب الموصل)، الذين سدت بوجوههم كل منافذ الحياة في ظل غياب شبه تام لمؤسسات الدولة، بالإضافة إلى ممارسات يصفها عضو البرلمان العراقي عن أهالي الشرقاط مشعان الجبوري لـ«الشرق الأوسط» بأنها «لا إنسانية، وتنطوي على إذلال لأبناء المنطقة، من قبل بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى انتهاكات كان يمكن أن تتطور، لولا تدخل بعض القيادات السياسية والحزبية للحد من هذه المأساة، التي لا تزال تتفاقم مع قلة الناصر والمعين، إلا ما ندر».
اللجنة الدولية للصليب الأحمر رسمت لوحة قاتمة لمستقبل عمليات النزوح في الموصل، مع استمرار تقدم القوات الأمنية نحو أهدافها، حيث توقعت نزوح ما لا يقل عن مليون شخص. وقال روبرت مارديني مدير عمليات الصليب الأحمر في الشرق الأدنى والأوسط في بيان له، إن «المنظمة تسعى إلى جمع 17.1 مليون فرنك سويسري أخرى لبرنامج في العراق، هو ثالث أكبر برامجها على مستوى العالم، لتصبح ميزانيتها لهذا البلد 137 مليون فرنك سويسري». وأضاف أنه «لا يمكن التكهن بالوضع، لكن علينا أن نستعد للأسوأ، ومن المرجح أن تزداد حدة القتال، خصوصًا بمنطقة الموصل، وقد يتحرك مئات الآلاف في الأسابيع والشهور المقبلة، سعيًا للحصول على المأوى والمساعدة».
ويضيف الجبوري: «استقبلنا حتى الآن 70 ألف نازح من الشرقاط وحدها، ولم تبادر الحكومة المحلية أو الاتحادية أو أي منظمة لإقامة مخيم لهم»، مشيرًا إلى أنه «تم نصب 68 خيمة في مركز التدقيق الأمني فقط بقرى الحاج علي». وأضاف الجبوري: «لقد حصلت عمليات إذلال للنازحين من قبل جهات كثيرة هناك، بل وصل الأمر حد الإهانة، فضلاً عن الانتهاكات التي كان يمكن أن تتطور إلى ما هو أكثر من ذلك لولا نداءاتنا». ويمضي الجبوري في وصف المأساة قائلاً إن «هناك أطفالاً ماتوا في الصحراء عطشًا، وقد رأيت بأم عيني إحدى الأمهات انتزعت قطعة من ملابسها وعملته كفنًا لأطفالها الذين ماتوا ولم تقوَ على حفر قبر لهم، فهالت عليهم التراب المتحرك، وكل هذا يجري وسط صمت حكومي مذل وعجيب، بينما الناس في تكريت تفترش الطرقات بعد أن قطعت كل من كركوك وسامراء، الطرق، لمنع دخول النازحين إليها، في حين أن بيجي تحولت الآن إلى أنقاض».
واختزل الجبوري المأساة بالقول إننا «نعاني من الإيواء والعطش والجوع». ويستمر في سرد المأساة قائلاً إن «الناس بدأت تتكيف بطبيعة الحياة رغم قسوتها، إذ إن هناك أكثر من عائلة في غرفة واحدة، حيث يتقاسمون كل شيء، الغرفة والحمام، وبعض البيوت يسكنها أكثر من مائة شخص»، مبينًا أن «هناك توترًا بين النازحين من أهالي الشرقاط وأهالي تكريت، رغم دعوات عدد من الشيوخ والوجهاء بضرورة استضافة النازحين». ووصف الجبوري الإجراءات الحكومية بأنها «مخيبة للآمال، بل أستطيع القول لا يوجد أي جهد جدي من قبل الدولة، رغم الحديث في أجهزة الإعلام عن القيام بجهود تشترك فيها عدة وزارات، ولكننا في حقيقة الأمر لا نتعدى الزعيق الإعلامي فقط، لا سيما من قبل وزارة النقل التي أرسل وزيرها عددًا من سيارات النقل، ومن ثم سحبها بسبب خطورة الأوضاع التي لا ننكرها، لكن في النهاية لا يمكن للدولة أن تبقى تتفرج على موت الناس البطيء»، محملاً كل الجهات مسؤولية ذلك، «إذ إن الأمر يتطلب خلية أزمة من عدد من الوزارات ذات العلاقة، بالإضافة إلى إمكانية الاستعانة بطيران الهليوكوبتر، حيث يوجد عالقون لا يمكن إخراجهم إلى مناطق آمنة إلا بالطائرات أو على الأقل بإيصال المساعدات الغذائية والدوائية لهم». وأشاد الجبوري بـ«المبادرات الشعبية، حيث توجه كثير من المواطنين من محافظات مختلفة بما فيها بعض محافظات الوسط والجنوب، لتقديم العون للنازحين، ولكن بعض المناطق لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال جهد الدولة، الذي لا يزال غائبًا بل غامضًا، كأن أهالي قضاء الشرقاط ليسوا عراقيين».
من جهته، أعلن وزير الزراعة والقيادي في تحالف القوى العراقية، فلاح الزيدان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم حجم المأساة واستمرار المعارك التي تقوم بها القطعات العسكرية والحشد الوطني العشائري هناك والتقدم باتجاه الموصل، فإن مشكلة نازحي الشرقاط يجب أن تكون لها الأولوية الآن على صعيد عمليات الإغاثة». وأضاف: «لقد جرى التنسيق في هذا المجال مع قيادة عمليات نينوى من جهة ومع النائب مشعان الجبوري الذي يتولى مهمة التنسيق هناك، لإنقاذ حياة المواطنين المحاصرين ممن لا يستطيعون الخروج إلا من خلال القطعات العسكرية، بالإضافة إلى تقديم ما يلزم من مساعدات إغاثية لهم.