يورو 2016: غابت الجودة لكن البرتغال تعلمت «الدرس» اليوناني

اختتمت منافسات يورو 2016، التي تعد أكبر نسخة من كأس الأمم الأوروبية، حيث أقيمت النهائيات على مدار شهر بمشاركة 24 منتخبا، بتتويج البرتغال باللقب للمرة الأولى إثر الفوز على فرنسا المستضيفة 1 - صفر بعد مشوار عكس قلة الجودة وإن بقيت الإثارة. ومع استثناءات محدودة للغاية، افتقدت البطولة، التي شهدت 51 مباراة، العروض المبهرة، بينما شهدت عددا من المفاجآت وبعض الأهداف المتأخرة وكذلك بعض ومضات التألق الفردي التي هللت لها الجماهير. وتلخص كلمات فرناندو سانتوس المدير الفني للمنتخب البرتغالي المتوج بطلا قبل مواجهة النهائي ما يمكن أن يقال عن تقييم البطولة بقوله: «نعرف أننا لسنا المنتخب الأفضل في العالم ولكننا لسنا لقمة سائغة».
وقد حدد سانتوس أولوياته بوضوح دون الاكتراث بالانتقادات، قائلا: «هل أريد أن نلعب بطريقة جميلة؟ نعم. لكن بين اللعب بطريقة جميلة والعودة إلى وطننا أو اللعب بطريقة بشعة والبقاء هنا، فأنا أفضل أن نلعب بطريقة بشعة».
ونجحت المقاربة التي اعتمدها سانتوس في نهائيات فرنسا 2016 وتمكن المنتخب «القبيح» بحسبه من منح البرتغال لقبها الأول على الإطلاق والذي تحقق بعد أن «زحفت» بكل ما للكلمة من معنى، لأن وصولها إلى دور الأربعة للمرة الرابعة في النسخ الخمس الأخيرة والخامسة من أصل 7 مشاركات لم يكن «سلسا» على الإطلاق، رغم أن طريقها لم يكن شائكا كثيرا.
ووصل كريستيانو رونالدو ورفاقه إلى هذه المرحلة من البطولة بعد أن تخطوا الدور الأول بثلاثة تعادلات ثم اصطدموا بكرواتيا في الدور الثاني واحتاجوا إلى هدف من ريكاردو كواريزما في الدقيقة 117 من الوقت الإضافي لكي يخرجوا فائزين في مباراة كان المنافس الطرف الأفضل فيها.
وحجز برازيليو أوروبا مقعدهم في دور الأربعة عبر ركلات الترجيح بتخطيهم بولندا 5 - 3 بعد تعادل الطرفين 1 - 1 في الوقتين الأصلي والإضافي في لقاء كانت الأفضلية فيه لروبرت ليفاندوفسكي ورفاقه قبل أن يدخل الشاب ريناتو سانشيز على الخط وينقذ فريق المدرب فرناندو سانتوس.
وكان الفوز على ويلز في الدور نصف النهائي (2 - صفر) الوحيد الذي تحققه البرتغال في الوقت الأصلي لأن مباراة التتويج ضد فرنسا حسمت في الدقيقة 109 من الوقت الإضافي بفضل هدف البديل إيدر.
ومن المؤكد أن سانتوس لعب دورا هاما في وصول بلاده إلى هذه المرحلة بعدما زرع روح الوحدة في الفريق وهو الذي درب المنتخب اليوناني، المثال الذي يحتذى به عندما يتحدث المرء عن «الزحف» لأنه توج بلقب 2004 حين كان بقيادة المدرب الألماني أوتو ريهاغل بعد أن أنهى الدور الأول بفوز ضئيل على البرتغال بالذات (2 - 1) ثم تعادل مع إسبانيا (1 - 1) وخسر أمام روسيا (1 - 2) قبل أن يتخطى فرنسا في الدور ربع النهائي بهدف وحيد، وتشيكيا في نصف النهائي بهدف في الشوط الإضافي الأول ثم البرتغال مجددا في النهائي بهدف انغيلوس خاريستياس.
واعترف حارس البرتغال السابق فيتور بايا: «الانتقادات وجهت للمنتخب البرتغالي لأنه لم يقدم كرة جميلة وهذا صحيح لأنه لم يلعب بالأسلوب المغري الذي كان يقدمه في الفترة الأخيرة لكنه (الأسلوب) كان فعالا ويجب أن نشعر بالفخر لأننا نرى الآن فريقا موحدا».
وإذا كانت البرتغال التي اكتسبت لقب منتخب «برازيليي أوروبا» بفضل طريقة لعبها المثيرة والجميلة واللاعبين المهاريين الذين أنتجتهم مثل الأسطورة أوزيبيو ولويس فيغو والقائد الحالي كريستيانو رونالدو، إلا أنها فطنت مؤخرا إلى أن هذه الطريقة لم تصل بهم إلى أي مكان وكل ما حققته على صعيد كأس العالم احتلالها المركز الثالث عام 1966 والرابع عام 2006 ووصولها إلى نهائي كأس أوروبا عام 2004 على أرضها. وأدرك المدرب سانتوس أنه إذا أراد تحقيق شيء ما فعليه التعلم من الدرس اليوناني في النهائيات القارية عام 2004 حين أسقطت البرتغال مرتين، في الجولة الافتتاحية للدور الأول (2 - 1) والمباراة النهائية (1 - صفر).
ويبدو أن البرتغاليين تعلموا «الدرس» اليوناني لكنهم انتظروا 12 عاما لتطبيقه بعد أن سئموا الاكتفاء بلعب دور المرشح الذي لا يرتقي في نهاية المطاف إلى مستوى التوقعات.
وقد أدرك البرتغاليون على الأرجح أن البرازيليين «الأصليين» لم يبقوا نفس البرازيليين الذين قدموا للعالم أجمل اللمحات الفنية في كؤوس العالم وأكثر اللاعبين المهاريين دون أن يتمكنوا من رفع كأس العالم منذ 1970 ما دفعهم إلى تغيير أسلوبهم وهو الأمر الذي أعطى ثماره عام 1994 حين أحرزوا لقبهم العالمي الرابع بركلات الترجيح على حساب إيطاليا قبل إضافة الخامس والأخير عام 2002 على حساب ألمانيا.
وكانت المهمة الرئيسية لسانتوس، 61 عاما، كما كانت حال أسلافه بنتو وكارلوس كيروش والبرازيلي لويز فيليبي سكولاري، استخراج الأفضل من رونالدو إلا أن هذا المدرب عرف كيف يقدم البديل في حال لم يكن نجم ريال مدريد الإسباني في يومه وهذا البديل كان أولا ريناتو سانشيز ثم إيدر في النهائي.
وآمن سانتوس بأن مفتاح النجاح يتمثل بتخفيف العبء عن رونالدو من خلال بناء الفريق من حوله، وهو قال بهذا الصدد قبيل انطلاق البطولة: «أبحث عن حل لتعزيز قوة كريستيانو من خلال ميزات لاعبي فريقي.. لا يمكن أن نطلب منه اللعب كجناح في الدفاع لأنه يبذل جهدا واضحا في الهجوم، كونه أفضل لاعب في العالم، وأكثر اللاعبين غزارة في الأهداف، فلا يمكنه أن يكون مدافعا».
وأثبت سانتوس الذي قاد اليونان إلى الدور الثاني في كأس أوروبا 2012 ومونديال 2014 رغم غياب المهارات، أن فلسفته ناجحة تماما وأن الانتقادات التي وجهت إليه بسبب خروج البرتغال عن «تقليدها» الهجومي، ستصبح طي النسيان ولن يستذكر أحد سوى اللقب الذي أدخل منتخب بلاده في سجل الأبطال وجعله عاشر فريق يحرز اللقب.
وتخلى المنتخب البرتغالي عن رقمه القياسي كأكثر منتخب خوضا للمباريات في البطولة القارية دون لقب (35 قبل نهائي فرنسا) لإنجلترا (31 مباراة) وذلك رغم أنه لم يكن في المقدمة سوى خلال 73 دقيقة من أصل 720 دقيقة خاضها في نهائيات 2016. وأظهرت البطولة، التي شهدت 108 أهداف بمعدل تهديفي منخفض بلغ 12.‏2 هدف في المباراة، أن مبدأ التأمين الدفاعي أولا لم يكن قاصرا على الوافدين الجدد فقط مثل منتخب ألبانيا. ورغم اتباع منتخب ألبانيا لهذا المبدأ، خرج مبكرا من البطولة، ليكون الوافد الجديد الوحيد الذي يخرج مبكرا بينما صعد منتخبا سلوفاكيا وآيرلندا الشمالية إلى دور الستة عشر. وفجرت آيسلندا مفاجأة من العيار الثقيل في البطولة حيث تغلبت على إنجلترا 2 - 1 في مباراة بلغت نسبة مشاهدتها عبر التلفاز في آيسلندا 8.‏99 في المائة وقد ذكر الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) أن 298 مواطنا فقط من البلد التي يبلغ عدد سكانها 330 ألف نسمة منهم نحو عشرة آلاف سافروا إلى فرنسا، كانوا يشاهدون أشياء مختلفة وقت المباراة.
ورحل روي هودجسون عن منصب المدير الفني للمنتخب الإنجليزي عقب نهاية المباراة أمام آيسلندا التي شكلت انهيارا مبكرا جديدا لطموح إنجلترا.
كذلك واجه مارك فيلموتس المدير الفني للمنتخب البلجيكي ضغوطا كبيرة بعد أن خسر المنتخب المصنف الأول على العالم سابقا أمام منتخب ويلز 1 – 3، حيث عمل غاريث بيل ورفاقه بمقولة مدربهم كولمان : «لا تخشوا أن يكون لديكم أحلام».
كذلك شهدت يورو 2016 خروجا مبكرا للسويد والتشيك واعتزال أبرز نجمين بالفريقين زلاتان إبراهيموفيتش والحارس بيتر تشيك، على الترتيب، اللعب الدولي.
كذلك كان مشوار المنتخب الإسباني الفائز باللقب في النسختين الماضيتين، قصيرا في يورو 2016، حيث خرج من دور الستة عشر بالهزيمة أمام نظيره الإيطالي صفر – 2، فيما اعتبر نهاية للعصر الذهبي لأسلوب اللعب الشهير «تيكي - تاكا».
وبعدها مني المنتخب الإيطالي بأول هزيمة له أمام نظيره الألماني في البطولات الرسمية، حيث حسم فريق الماكينات مباراة دور الثمانية بضربات الجزاء الترجيحية التي شهدت تسديد 18 ضربة بعد نهاية الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل. لكن سرعان ما تبخرت فرحة المنتخب الألماني بطل العالم، حيث خرج من الدور قبل النهائي بعد أن مني بأول هزيمة له أمام نظيره الفرنسي في نهائيات البطولات الكبرى منذ 58 عاما.
وحقق المنتخب الفرنسي انتصارات حسمت في الأوقات القاتلة أمام رومانيا وألبانيا وتعادل سلبيا مع سويسرا ثم حقق انتصارا مثيرا أمام آيرلندا في دور الستة عشر حيث حول تأخره بهدف إلى الفوز 2 - 1.
ورفع المنتخب الفرنسي سقف توقعات جماهيره بشكل هائل إثر الفوز على آيسلندا 5 - 2 في دور الثمانية وعلى المنتخب الألماني بطل العالم 2 - صفر في الدور قبل النهائي، عندما سجل غريزمان هدفي الفريق، رغم تفوق المنتخب الألماني في الأداء خلال أغلب فترات المباراة. أما المنتخب البرتغالي فقد قدم بداية غير مقنعة في البطولة، ومع ذلك كانت له الكلمة الأخيرة، حيث حسم اللقب على حساب نظيره الفرنسي بهدف وحيد.
وأثارت سيناريوهات مباريات يورو 2016 التساؤلات حول رفع عدد المنتخبات المشاركة إلى 24 لكن الرقم القياسي لعائدات يويفا الذي وصل إلى 93.‏1 مليار يورو (بزيادة نحو 34 في المائة مقارنة بيورو 2012) يستبعد تقليص العدد من جديد.