تقرير شيلكوت: السعودية كانت رافضة للحرب على العراق.. وحذرت من تداعياتها

كشف التقرير الصادر أول من أمس عن اللجنة البريطانية المكلفة التحقيق في الدور البريطاني في غزو العراق عام 2003، أن المملكة العربية السعودية كانت حذّرت من خوض الحرب ورفضتها.
وأكد تقييم للجنة الاستخبارات الحكومية المشتركة صادر في 19 أبريل (نيسان) عام 2002، على أن «السعودية أعلنت عن موقفها الصريح والواضح بمعارضة الهجوم، ومن غير المرجح أن توفر المملكة الدعم المطلوب لمثل تلك العمليات العسكرية». كما حذرت السعودية، وفقا للتقييم، من التداعيات الاقتصادية والأمنية للحرب على العراق والمنطقة. وذكر التقييم أن الدول المجاورة للعراق، وعلى رأسها السعودية، كان رافضة للحرب. وأشار نصا البندين «17» و«19» إلى أنه «سوف يكون من المستحيل سياسيا بالنسبة للدول العربية إسناد أي إجراءات عسكرية تُتخذ ضد العراق»، وأنه «كان هناك إجماع في الآراء بين دول الجوار العراقي على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة العراق وسلامة أراضيه».
وفي هذا الصدد، نقل التقييم عن القادة العرب إعرابهم وبقوة عن «موقفهم الراسخ والداعي إلى أن تسقط الإدارة الأميركية من حساباتها القيام بعمل عسكري ضد العراق».
يذكر أنه تزامنا مع تقييم اللجنة، كان الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز (إبان تسلمه منصب ولاية العهد) قد صرح في مقابلة مع شبكة «إيه بي سي نيوز» الإخبارية بأنه «لا يرى أن من مصلحة الولايات المتحدة أو مصلحة المنطقة بأكملها، أو مصلحة العالم أجمع أن يتم الهجوم على العراق». وأضاف حينها أنه لا يعتقد أن مثل هذا الهجوم سوف يحقق النتائج المرجوة من ورائه.
وفي السياق ذاته، أكد وزير الخارجية الأمير الراحل سعود الفيصل آنذاك، في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على أن «السعودية تعتقد أن الحرب على العراق ستهدد المنطقة بأكملها، خصوصا أنها لم تحظَ بدعم أو موافقة قرار من الأمم المتحدة». وقال الأمير سعود الفيصل إنه «متخوف من ارتفاع نبرات وبوادر التطرف في كل الغرب، وبالأخص في الولايات المتحدة الأميركية».
يذكر أن جون شيلكوت رئيس لجنة التحقيق شدد في تقريره المؤلف من 2.6 مليون كلمة، والمنتظر منذ 7 سنوات، على أن بريطانيا اجتاحت العراق بشكل سابق لأوانه عام 2003، مستندة إلى معلومات استخباراتية لم يتم التحقق منها بشكل كاف.
من جهة اخرى, وعد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بمناقشة تداعيات تقرير شيلكوت في البرلمان، على مدار يومين في الأسبوع المقبل. التقرير الذي صدر أول من أمس بعد انتظار 7 سنوات، أشار بأصابع الاتهام إلى تقصير الأجهزة المعنية في المؤسسة البريطانية، استخباراتية وسياسية ودبلوماسية. إذ يرى خبراء أن مشاركة بريطانيا المثيرة للجدل في الحرب على العراق عام 2003 أثارت شعورا عميقا بعدم الارتياح من عمليات التدخل العسكري.
وأعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، أنه لا يزال مقتنعا بأن العالم أصبح أفضل حالا من دون صدام حسين، وهذا رأي حليفه توني بلير أيضا. وقال فريدي فورد المتحدث باسم الرئيس السابق، في بيان، إنه «على الرغم من الإخفاقات الاستخبارية والأخطاء الأخرى التي اعترف بها سابقا، فإن الرئيس بوش لا يزال يعتقد أن العالم بأسره هو أفضل حالاً من دون صدام حسين في السلطة».
وأضاف البيان أن بوش الذي أمر بغزو العراق في 2003 «ممتن للغاية لعمل القوات الأميركية والتحالف وتضحياتهم خلال الحرب ضد الإرهاب. ولم يكن هناك حليف أكثر صلابة من بريطانيا بقيادة رئيس الوزراء توني بلير».
ولفت المتحدث إلى أنه لم يتسن للرئيس الأميركي السابق بعد، أن يقرأ تقرير لجنة التحقيق البريطانية الذي نشر الأربعاء في لندن. وفي هذا التحقيق وجه جون شيلكوت رئيس اللجنة انتقادات قاسية لتوني بلير، معتبرا أن اجتياح العراق عام 2003 حدث قبل استنفاد كل الحلول السلمية، وأن خطط لندن لفترة ما بعد الحرب لم تكن مناسبة.
بلير وعد بوش بالوقوف إلى جانبه بخصوص العراق «مهما حدث». واعتبر شيلكوت في تقريره أن بريطانيا اجتاحت العراق بشكل سابق لأوانه في العام 2003 من دون أن تحاول «استنفاد كل الخيارات» الدبلوماسية.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد نشر التقرير أمام البرلمان، إن المشرعين الذين صوتوا لصالح انضمام بريطانيا لغزو العراق عام 2003 ينبغي أن يتحملوا نصيبهم من المسؤولية عن الأخطاء التي ارتكبت. وقال كاميرون إن البلاد ينبغي أن تضمن أن قواتها المسلحة مجهزة بشكل جديد للتعامل مع أي صراع في المستقبل. وقال للبرلمان: «قرار الذهاب للحرب جاء من تصويت هذا المجلس، وينبغي أن يتحمل الأعضاء من كل الأطراف ممن صوتوا لصالح العمل العسكري نصيبهم من المسؤولية».
وقال مراقبون إن الحرب أعادت تعريف السياسة البريطانية. ويعزو كثير من هؤلاء تحفظات الحكومة البريطانية على إرسال قوات برية إلى ليبيا أو سوريا، إلى أثر تجربتها في العراق.
ويشن البريطانيون حاليا عمليات قصف ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، لكن البرلمان عارض في 2013 توجيه ضربات جوية إلى نظام بشار الأسد.
واشتبك كاميرون وزعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن في البرلمان، حول ما إذا كان رئيس الوزراء العمالي الأسبق توني بلير قد ضلل البرلمان بشأن المعلومات التي استخدمت لتبرير قراره بغزو العراق في عام 2003. وقال كاميرون إن الحكومة يجب أن «تتعلم الدروس» من تقرير شيلكوت بشأن قرار بريطانيا الانضمام للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، لكنه قال إن التقرير لم يظهر أن الشعب تعرض للتضليل عمدا قبل قرار غزو العراق. وأضاف كاميرون أمام البرلمان: «لم يقل شيلكوت صراحة إن هناك نية متعمدة للتضليل».
وأصر كوربن على أن البرلمان تعرض «للتضليل» عندما صوتت أغلبية بالموافقة على الغزو. وقال كوربن إن «الرأي القانوني الدولي الذي يتمتع بثقل كبير وجد أن الغزو غير قانوني».
واعتبر كوربن أن غزو العراق «لم يكن بأي حال من الأحوال هو الملاذ الأخير»، كما جاء في تقرير شيلكوت. وقال كوربن إن غزو العراق «أدى إلى وفاة مئات الآلاف من الأشخاص»، وكان سببا في تشريد الملايين من اللاجئين، وزعزع استقرار المنطقة وغذى الإرهاب. وأضاف كوربن: «بكل المقاييس، أصبح غزو واحتلال العراق، بالنسبة لكثيرين، كارثة».
العراقي الذي تناقلت صوره وسائل الإعلام في العالم وهو يحطم تمثال صدام حسين بمطرقة، كاظم الجبوري، قال للقناة الرابعة البريطانية، إن العراق كان أفضل تحت حكم صدام، ودعا إلى ضرورة محاكمة جورج دبليو بوش، وتوني بلير، متهما الأخير بأنه مجرم حرب، مضيفا: «لو شاهدته وجهًا لوجه لبصقت عليه».
وقال التقرير إن «السياسة بشأن العراق استندت إلى أسس وتقييمات مخابراتية خاطئة»، وإن مزاعم أن العراق يمثل تهديدا بامتلاك أسلحة دمار شامل «طرحت بيقين غير مبرر». وأضاف التقرير أن الاضطرابات التي حدثت في العراق منذ الغزو لم تكن مفاجئة.
وقال الجبوري: «أنا ندمان على تحطيم الصنم». وينتمي الجبوري للطائفة الشيعية، وقد فقد ما يربو على 10 من أقاربه في عهد صدام الذي كان ينتمي للطائفة السنية. وقال إنهم قتلوا لأنهم كانوا يعارضون صدام الذي أعدم شنقا في عام 2006.
وقال الجبوري: «أتمنى أن يعود صدام. هو أعدم كثيرا من أقربائي، لكن يبقى أحسن من هؤلاء السياسيين ورجال الدين الذين أوصلوا العراق للوضع الذي هو به»، في إشارة إلى الأحزاب السياسية الشيعية التي تولت السلطة بعد الغزو. كان الجبوري، 58 عاما، يمتلك متجرا لإصلاح الدراجات النارية في حي الكرادة بوسط بغداد وقت الغزو.
وشهد الحي الذي يغلب على سكانه الشيعة انفجار شاحنة ملغومة، ليل السبت، أسفر عن مقتل نحو 250 شخصا. وأعلن تنظيم داعش المتشدد مسؤوليته عن هذا الهجوم.
وأسقط الانفجار أكبر عدد من القتلى في هجوم واحد منذ بدأت الفوضى التي أعقبت الإطاحة بصدام قبل أكثر من 10 سنوات.
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي حسن خضير، إن من عانوا خلال الصراع يستحقون تعويضات. وأضاف: «في العراق كثير من الناس والعسكر تضرروا بسبب الحرب، ونفس الأمر حدث في بريطانيا أيضا، وهذا يعني وجوب دفع تعويضات إلى المواطنين والبلد». ولآخرين عانوا في عهد صدام وجهة نظر مغايرة، وقال بعض هؤلاء إنهم يشعرون بالامتنان لحكومتي واشنطن ولندن لإنهاء حكمه.
يقول فارس محمد علي، 46 عاما، وهو سجين سياسي سابق كان يقضي حكما بالسجن المؤبد في مدينة البصرة: «إسقاط نظام صدام كان حلما، وقد حققته القوات الأميركية والبريطانية، ومن يقول غير هذا فهو كاذب».
وقال موفق الربيعي، عضو البرلمان ومستشار الأمن القومي السابق، إن الحرب اندلعت من أجل هدف نبيل هو الإطاحة بطاغية. وأضاف: «أنا شخصيا قلت لتوني بلير في إحدى المرات: أنت أعظم بريطاني في التاريخ لإطاحتك بالديكتاتور». ومضى قائلا: «التخلص منه أتاح لنا فرصة حقيقية للديمقراطية. كان البلد يحكمه زعيم واحد، والآن لدينا برلمان وانتخابات».
وبعد مرور أكثر من 13 عامًا على الغزو، لا يزال العراق في حالة من الفوضى، ويسيطر تنظيم داعش على أجزاء كبيرة من أراضيه.
وأتيح للجنة التحقيق الاطلاع على وثائق حكومية سرية بصورة لم يسبق لها مثيل. وقالت اللجنة إنه جرى التضخيم من شأن التهديد الذي مثلته أسلحة الدمار الشامل التي كان من المعتقد أن صدام حسين يمتلكها، وهو التبرير الأصلي للحرب، وأن التخطيط لتداعياتها لم يكن كافيا.
وفي دفاع مطول استمر ساعتين تقريبا، شرح بلير قراره مساندة بوش وخوض الحرب دعما للولايات المتحدة في مارس (آذار) 2003، بينما وجد التحقيق أن صدام لم يمثل تهديدا وشيكا.
وبلير هو رئيس الوزراء الوحيد من حزب العمال الذي فاز في الانتخابات العامة 3 مرات، وشغل المنصب مدة 10 سنوات حتى عام 2007، وتمتع بشعبية كبيرة في أوج مجده، لكن حرب العراق أضرت بشعبيته وترِكته كثيرا.
وسلط التقرير الضوء على ما حدث بين بلير وبوش في الأشهر التي سبقت غزو مارس 2003، وهو الأمر الذي ظل فترة طويلة موضع تكهنات بشأن صفقات ووعود سرية.
وفي مذكرة مؤرخة في 28 يوليو (تموز) 2002، أي قبل الغزو بـ8 أشهر، قال بلير لبوش: «أنا معك أيا كان الأمر. لكن هذا هو وقت تقييم الصعوبات بصراحة».