كلينزمان ليس الرجل المناسب لإنقاذ منتخب إنجلترا

لم يستغرق الأمر طويلاً لظهور القائمة القصيرة. وكان ظهورها تقريبًا بنفس السرعة التي أعلن بها روي هودجسون استقالته من تدريب إنجلترا، حيث كانت خرجت بالفعل تكهنات حول خليفته. وردت الأسماء المعتادة - هاري ريدناب، سام ألارديس، آلان باردو، وتحديدًا كل إنجليزي درب في الدوري الممتاز - لكن ظهر أحد الأسماء المقترحة باعتباره المرشح البديل، الألماني يورغن كلينزمان.
وبالنسبة إلى أولئك الذين أتعبتهم دورة الكرة الإنجليزية المملة، فإن فكرة يورغن كلينزمان باعتباره المدرب القادم لإنجلترا تجد قبولاً (واقع الحال أن الترشيحات في صالحه وصلت يوم الخميس نسبة متدنية بلغت 4 - 1). وطرحت دوائر من المشجعين ووسائل الإعلام اسم الألماني خيارًا لخلافة هودجسون، مع تقارير تفيد بأن كلينزمان مدرب الولايات المتحدة نفسه «يمني نفسه» بهذه المهمة. ولعل المشجعين الأميركيين، الذين أربكتهم تلك التقارير، يشعرون بنفس الشيء، بل يناشد بعض المشجعين الرجل الألماني علنًا تولي تدريب إنجلترا على أمل أن يرحل من منصبه الحالي.
إذن ما الذي يملكه كلينزمان ودفع البعض إلى الاعتقاد بأنه الرجل المناسب لإصلاح الكرة الإنجليزية؟ قبل أسبوعين فقط كان منصبه مدربًا للولايات المتحدة معرضًا لانتقادات شديدة خلال مناسبات كوبا أميركا، بعد الضغوط التي كانت تتراكم حول الألماني على مدار العامين الماضيين. لماذا رجل يعتبره الكثيرون ليس جيدًا بما يكفي لقيادة منتخب الولايات المتحدة، يبدو على نطاق واسع هكذا خيارًا قائمًا ليصبح المدرب الجديد لإنجلترا؟
ويعود هذا إلى حد بعيد إلى تصور خاطئ حول ما حققه كلينزمان خلال السنوات الخمس التي قضاها في الولايات المتحدة. ومن المفهوم أن هذه الفترة ستعتبر بمثابة نجاح. خلال قيادته المنتخب الأميركي فنيًا، فازت الولايات المتحدة في 2013 بالكأس الذهبية، ووصلت إلى دور الـ16 في كأس العالم 2014 ووصلت إلى نصف نهائي كوبا أميركا هذا الصيف، وارتقت عاليًا في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، حيث وصلت إلى رقم 13 في التنصيف العالمي الأخير. لكن نجاحات أو إخفاقات مدرب كرة القدم لا يمكن أن تؤخذ في سلة واحدة.
هناك أمور أكثر بكثير تحتاج لأن توضع في الاعتبار، مثل الهزيمة أمام جامايكا في الكأس الذهبية في 2015. أو الإخفاق في التأهل إلى كأس القارات العام المقبل، وهو أمر وصفه كلينزمان نفسه بأنه «أولوية كبرى». أو الخسارة أمام غواتيمالا في تصفيات كأس العالم، التي جعلت فرص الولايات المتحدة في الوصول إلى روسيا محل شك تقريبًا. في مقابل كل نجاح حققه كلينزمان، هناك إخفاق مهين على طول الطريق.
لكن أكبر علامة سلبية ضد كلينزمان أنه نكص بوعده الذي كان سببًا في فوزه بالمنصب في المقام الأول. أخفق الألماني في إضفاء النزعة الهجومية الشرسة على المنتخب الأميركي، وهو الأمر الذي تم تعيينه من أجل تحقيقه. وبعد 5 سنوات على تعيينه، لا تزال الولايات المتحدة تلعب كرة قدم متحفظة تعتمد على الهجمات المرتدة، وما زال فريق كلينزمان أقل من المطلوب على المستوى الفني.
كان التطور الفني العمود المحوري الذي تم تعيين كلينزمان على أساسه. كانت كرة القدم الأميركية تنظر إلى التزامن بين توليه تدريب منتخب ألمانيا، والإصلاح في البنية التحتية لكرة القدم في البلاد، والتقدم في حظوظ المنتخب الوطني، ومن ثم قرر المسؤولون الأميركيون أن كلينزمان هو الرجل المناسب لتحقيق نتائج مماثلة في أميركا.
ومن ثم فإن واجب كلينزمان تجاه كرة القدم في أميركا هو أكبر بكثير من دوره مدربًا للمنتخب الألماني. كما أنه المدير الفني لكرة القدم الأميركية، المسؤول عن تحديث اللعبة على المستوى الوطني، داخل وخارج الملعب. ولم يسبق من قبل أن وضعت كرة القدم الأميركية ثقتها بشدة في رجل واحد مثلما وثقت بكلينزمان. وحتى الآن هذه الثقة في غير محلها في المجمل.
بالطبع هناك بعض الجوانب في شخصية كلينزمان قد تصنع منه مدربًا جيدًا لإنجلترا. يتمتع الألماني بقدر كبير من الثقة الإيجابية والكاريزما، التي تصل تقريبًا إلى حد إثارة الغضب. في بعض الأوقات كانت الولايات المتحدة تحتاج إلى أن يظهر مدربها ميزة فنية أقوى، لكن إنجلترا تحتاج الآن إلى الثقة، وهذا شيء يمكن أن يحققه كلينزمان. صحيح أن أداء منتخب الولايات المتحدة بقيادة كلينزمان فاق التوقعات في كأس العالم في البرازيل قبل عامين، حيث نجح في الإفلات والتأهل من المجموعة التي أطلق عليها مجموعة الموت، والوصول إلى دور الـ16 (حيث خرج الأميركيون على يد البلجيك في الوقت الإضافي)، لكنهم حققوا هذه النتائج من خلال التراجع إلى عمق ملعبهم، وامتصاص الضغط واللعب على الهجمات المرتدة. هل كان هذا فعلاً هو التغيير الأيديولوجي الذي طالبت به الكرة الأميركية عند تعيين الألماني؟ وهل بلغت الكرة الإنجليزية من اليأس مبلغًا جعلها تقبل بمثل تلك النتائج المتوسطة، بغض النظر عن الطريقة التي تتحقق من خلالها؟
يقول البعض إنه في ظل مستودع المواهب الأكبر في إنجلترا، ستكون أمام كلينزمان فرصة أفضل لفرض طريقة اللعب والعقلية اللتين فشل في فرضهما على الكرة الأميركية. لكن على العكس مما تحتاجه إنجلترا في الوقت الراهن، فإن كلينزمان ليس رجلاً تكتيكيًا. كما أنه ليس الشخصية التي يمكنها توحيد اللاعبين، فالحكايات عن سخط واستياء اللاعبين الأميركيين من المدرب الألماني تعود إلى عام 2013. ولا هو يحمل كثيرًا من الصفات التي تجعله يبدو مفكرًا، على رغم شخصيته العامة كأحد مفكري الكرة الحديثة. لقد عانى كلينزمان، مدربًا للولايات المتحدة، لفرض طريقة لعبه على فريقه، لأنه ليس لديه أي طريقة لعب محددة.
إذا كانت إنجلترا تبحث عن مدرب لتنفيذ إصلاح فلسفي وفكري في كرة القدم الإنجليزية، ورفع المنتخب الوطني إلى المستوى الأنيق لنظرائه، فإن كلينزمان ليس الرجل المناسب. وإذا كانت إنجلترا تحتاج لشخص يمكنه إخراج أفضل ما لدى الفريق من إمكانات متاحة، فإن كلينزمان ليس الرجل المناسب كذلك. في كل الأحوال تقريبًا، كلينزمان ليس الرجل المناسب لإنجلترا.