شبح التقسيم يعود إلى ليبيا بعد تلويح إقليم برقة بالانفصال

عاد شبح التقسيم مجددا أمس إلى المشهد السياسي في ليبيا، بعدما هدد بيان صادر عن اجتماع مفاجئ عقده أمس المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب مع عدد من أعضاء المجلس وأعيان ومشايخ وعمداء البلديات في إقليم برقة، باتخاذ التدابير اللازمة لتقرير المصير بالإقليم الذي يمتد من حدود مصر في الشرق إلى مدينة سرت غربا، كما يحوي 75% على الأقل من مخزون النفط الليبي.
وجاء هذا التهديد العلني كأول موقف رسمي تتبناه السلطات المعترف بها دوليا في شرق ليبيا، لكنها ما زالت ترفض الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني المدعومة من بعثة الأمم المتحدة برئاسة فائز السراج.
وبعدما عد البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية، أن «مجلس النواب هو السلطة التشريعية والشرعية الوحيدة في ليبيا»، أكد «على أن الجيش الليبي وقيادته العسكرية خط أحمر ولا يمكن المساس بهما».
كما أعلن البيان رفضه للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبى أول من أمس على رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي يعتبر نظريا القائد الأعلى للجيش الليبي الذي يقوده الفريق خليفة حفتر.
واعتبر البيان أن هذه العقوبات بمثابة «اعتداء صارخ على السيادة الليبية»، وشدد على أنه لن يتم الاعتراف بأي حكومة تحميها الميليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس.
وأكد البيان أنه في حال فرضت هذه الحكومة وتجاهلت لهذه المطالب، فإن «كل الخيارات مطروحة، على أن نتخذ التدابير اللازمة لتقرير المصير بإقليم برقة».
لكن المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي نفى في المقابل أن يكون صالح قد هدد بإمكانية إعلان استقلال إقليم برقة، فيما كان مقررا أن يوجه صالح كلمة متلفزة إلى مواطنيه في وقت لاحق من مساء أمس وتعتبر الأولى له منذ دخول حكومة السراج إلى طرابلس.
من جهة أخرى قال مصدر مقرب من رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله الثني الموالية لمجلس النواب الليبي لـ«الشرق الأوسط» إن الثني لا يعتزم القيام بأي اتصالات مع حكومة السراج في طرابلس، مؤكدا أن الثني ملتزم بقرار المجلس الذي ينص على «ضرورة أن تنال هذه الحكومة الثقة من المجلس بمقره وتحت القبة البرلمانية».
وكان الثني قد أكد الأسبوع الماضي على أن «الشرعية تمنح من الداخل ومن تحت قبة البرلمان ولا تفرض من الخارج»، لافتا إلى أن حكومته جاهزة لتسليم السلطة فور اعتماد حكومة الوفاق الوطني من البرلمان وفق الإجراءات الدستورية».
في المقابل، استمر المجلس الرئاسي لحكومة السراج في تكريس سياسة الأمر الواقع من مقره في العاصمة طرابلس، ووجه أمس رسائل نصية للمواطنين على هواتفهم المحمولة، قال فيها إنه «وهو يباشر أعماله من مدينة طرابلس، عاصمة كل الليبيين، ويثمن عاليًا دعمكم ودعاءكم».
وتابع: «ونبلغكم أننا نعمل على قدم وساق من أجل تذليل كل المشكلات والصعاب، وأن كل اللقاءات التي أجريناها حتى الآن، تبشر بخير».
واعتبر بيان أصدره أعضاء مجلس الأمن الدولي أن وصول أعضاء مجلس رئاسة حكومة السراج إلى طرابلس، خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار في البلاد وإعادة العملية السياسية إلى مسارها لتنفيذ الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات بالمغرب نهاية العام الماضي.
وشجع الأعضاء المجلس الرئاسي على البدء فورًا في عمله في طرابلس لتوسيع قاعدة دعمه ومعالجة التحديات السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية والمؤسسية التي تواجهها ليبيا ومجابهة تهديد الإرهاب المتنامي، وكرروا دعوتهم لكل الأطراف في ليبيا لدعم الجهود في هذا الصدد.
وجددوا دعوتهم للدول الأعضاء للتوقف عن تقديم الدعم والتواصل الرسمي مع المؤسسات الموازية التي تدعي أنها السلطة الشرعية ولكنها خارج اتفاق الصخيرات. لكنهم أكدوا في المقابل على أهمية أن يستمر الاتفاق السياسي الليبي في شموله للجميع وجددوا دعوتهم القوية لكل الأطراف في ليبيا لتكون جزءًا من الاتفاق وتشارك فيه بشكل بناء وبنية حسنة وإرادة سياسية دائمة.
وكرر الأعضاء قلقهم العميق بشأن تنامي التهديدات الإرهابية في ليبيا، وخصوصا من الجماعات التي أعلنت ولاءها لتنظيم داعش والمجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، ودعوا حكومة الوفاق الوطني للتركيز بصفة عاجلة على محاربة هذا التهديد.
إلى ذلك، أعلنت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط أنها تعمل مع حكومة السراج لتنسيق مبيعات النفط المستقبلية ونسيان فترة الانقسامات والتناحرات.
وقال مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في بيان إنه مع إعلان حرس المنشآت النفطية في الآونة الأخيرة نيته إعادة فتح موانئ التصدير وأنه يأمل أن تتمكن المؤسسة وموارد البلاد النفطية في البلاد من توفير منصة ثابتة يمكن أن تكون أساسا لتحقيق الانتعاش في البلاد.
وأعلن علي الحاسي المتحدث باسم حرس المنشآت النفطية مؤخرا، أن الجهاز مستعد لإعادة فتح الموانئ النفطية في الزويتينة والسدر ورأس لانوف لكنه لم يذكر موعدا، علما بأن ميناءي السدر ورأس لانوف أصيبا بأضرار في هجمات متكررة شنها تنظيم داعش.
وانخفض الإنتاج النفطي جراء القتال بين الفصائل المتناحرة وهجمات داعش والنزاعات العمالية إلى أقل من ربع حجمه قبل الانتفاضة الليبية، إذ كان يبلغ 1.6 مليون برميل يوميا.
وفى ليبيا حاليا ثلاث حكومات وبرلمانان يتنازعون جميعا على السلطة فيما بينهم في البلد الذي غرق في أتون الفوضى الأمنية والعسكرية العارمة منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011.