وزير الخارجية الفرنسي الجديد: ما يهمنا من نتائج ميونيخ هو الأفعال لا الأقوال

للمرة الثالثة تسلم إدارة الدبلوماسية الفرنسية لرئيس حكومة سابق الأمر الذي يدل على أهمية المنصب في دولة نووية تشغل مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي وتحتل موقعا متميزا في أوروبا وتتمتع بنفوذ واسع في أفريقيا وبلدان المغرب العربي وفي مسائل الشرق الأوسط.
فبعد ألان جوبيه الذي كان أول رئيس حكومة للرئيس جاك شيراك جاء لوران فابيوس «ثاني رئيس حكومة في عهد فرنسوا ميتران». وأمس سلم الأخير حقيبة الخارجية لخلفه جان مارك آيرولت، أول رئيس حكومة في عهد فرنسوا هولاند. وفي الكلمة الوداعية - الترحيبية التي ألقاها أمس، أشار فابيوس إلى هذه النقطة مازحا بقوله إنه ربما يأتي يوم يتخلى فيه رئيس حكومة عن منصبه ليأتي إلى وزارة الخارجية التي أعرب عن «إعزازه» بخدمتها و«حزنه» للرحيل عنها أي المجلس الدستوري الذي سيرأسه لمدة تسعة أعوام. واستفاد فابيوس من المناسبة ليقوم بـ«جردة» سريعة لنجاحاته التي وضع على رأسها قمة المناخ والاتفاق النووي مع إيران وإعلاء صوت فرنسا في العالم وعملها من أجل الأمن والسلام. وفي باب الإخفاقات، أشار سريعا إلى النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي سبق أن أعلن بشأنه أن باريس ستطلق في الأسابيع القادمة مبادرة دبلوماسية من مرحلتين: الدعوة إلى مؤتمر دولي من غير الفريقين المعنيين ثم بحضورهما وفي حال فشل هذه المبادرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ورد فابيوس على الذين ينتقدون عمله على رأس الدبلوماسية طيلة أربعة أعوام بالقول إن فرنسا «لا تستطيع حل كل الأزمات» في العالم كما لا تستطيع أن ترفض «شريعتها» على الدول الأخرى.
مع جان مارك ايرولت، تلج الدبلوماسية الفرنسية مرحلة جديدة. لكن المراقبين لا ينتظرون أن تشهد الأشهر الـ14 المتبقية من ولاية الرئيس هولاند تحولات جذرية. والسبب الأول والرئيسي في ذلك أن دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية يخول رئيس الجمهورية رسم السياسة الخارجية وسياستها الدفاعية فضلا عن أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة النووية والأمين على مفاتيح القوة النووية. أما السبب الثاني فهو أن السياسة الخارجية الفرنسية تعتمد على مؤسسة هي ثاني أكبر الوزارات انتشارا في العالم. لكن ما يمكن أن يتغير هو «الأسلوب» وربما المناخ الداخلي في الوزارة التي هيمن عليها طيلة نحو أربع سنوات ظل فابيوس «المتطلب» «وفق تعبيره شخصيا» و«المتعجرف» وفق ما يقوله الموظفون.
والواقع أن وصول آيرولت إلى الخارجية لا يعود لخبرته في الشؤون الدولية إذ أن رئيس الحكومة السابق لم يسبق له أن شغل مناصب وزارية أو اهتم بالشؤون الخارجية والدفاعية. وعودته وزيرا في حكومة مانويل فالس سببها الأول قربه من رئيس الجمهورية وحاجة الأخير لسياسي يغلب عليه الطابع الاشتراكي اليساري من أجل إيجاد نوع من التوازن بين الجناح الليبرالي في الحكومة ممثلا بفالس ووزير الاقتصاد والمال إيمانويل ماكرون والجناح الاشتراكي - الديمقراطي الذي كانت وزيرة العدل المستقيلة كرسيتان توبيرا وجهه الأبرز. وبعد تخليها عن منصبها، كان على هولاند الذي يفكر بالاستحقاقات الانتخابية القادمة أن يسعى لإعادة لم شمل الاشتراكيين واليسار وتوسيع قاعدة الحكومة السياسية عن طريق ضم آيرولت و3 وزراء من حزب الخضر. ولعل الشيء الوحيد الذي يميز آيرولت وقد يكون مفيدا له في وظيفته الجديدة هو إتقانه اللغة الألمانية التي كان يدرسها في بداية حياته المهنية وستكون هذه الميزة رافدا له في توثيق العلاقات الفرنسية - الألمانية ثنائيا وفي إطار الاتحاد الأوروبي.
في أول تصريح له كوزير للخارجية أمس، شدد آيرولت على «استكمال فرنسا لعملها العسكري والدبلوماسي في محاربة الإرهاب» الذي وصفه بأنه «تحول إلى تهديد مباشر لفرنسا ولقيمها وديمقراطيتها». لكنه حرص على التأكيد على أن العمل العسكري يجب أن يكون «في خدمة البحث عن حلول سياسية». وفيما خص ملف الحرب السورية، وصف آيرولت النتائج التي توصلت إليها «مجموعة الدعم لسوريا» خلال اجتماعها في ميونيخ أول من أمس بأنها «مشجعة». لكنه سارع إلى التنبيه إلى أن فرنسا «ستحكم على الأفعال» في انتقاد ضمني لموقف روسيا والنظام اللذين تحملهما باريس مسؤولية إفشال محادثات جنيف 3 قبل أن تنطلق بفعل العمليات العسكرية الجوية والأرضية في مدينة حلب ومنطقتها. وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن نتائج ميونيخ «يمكن أن تفضي إلى أمور إيجابية إذا احترمتها روسيا وإذا عمدت إلى الضغط على النظام من أجل احترامها كذلك». بيد أنها لا تزال «تشكك» في أن يحصل ذلك لأن موسكو «سوف تتذرع بالتنظيمات الإرهابية للاستمرار في عمليات إضعاف المعارضة وتمكين قوات النظام من التقدم» حتى يحسن مواقعه التفاوضية في حال العودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف.
وكان الرئيس هولاند طالب موسكو، في حديثه المتلفز ليل الخميس - الجمعة بوضع حد لعمليات القصف الجوي التي تقوم بها من أجل مساعدة النظام السوري الذي «يقضي على جزء من شعبه» كما أنه ربط إيجاد حل سياسي للأزمة السورية برحيل الرئيس الأسد عن السلطة. وقال هولاند: «علينا أن نعمل بشكل يحمل الرئيس بشار الأسد على التخلي عن السلطة لأنه يقضي على جزء من شعبه ورغم أنه يقاتل بعض الإرهابيين». وهذه المرة الأولى التي يلمح فيها هولاند لدور للرئيس السوري في محاربة الإرهاب إذ أن باريس كانت تحمل النظام مسؤولية تنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية في سوريا. كذلك حث هولاند روسيا على وقف عملياتها الجوية في سوريا فيما اعتبر الوزير فابيوس قبل يومين أن روسيا وإيران «شريكتان» للأسد في عمليات القتل والمجازر.
من جانبه، أدلى فالس أمس بدلوه في ملف الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق مدافعا عن خيار التدخل العسكري الأرضي. وقال رئيس الحكومة في حديث لمجموعة صحف ألمانية نشر أمس إن التدخل الأرضي يمكن أن يكون «حاسما» في الحرب على «داعش». لكنه سارع إلى تأكيد أن بلاده لن تشارك في الحرب البرية. ووفق فالس، فإن العمليات العسكرية في العراق وسوريا «يقوم بها اليوم تحالف من عدة بلدان تقوم بتدريب قوات محلية وإسداء المشورة (العسكرية) لها». وبرأيه، فإن هجوما أرضيا تقوم به القوات المحلية «بمشاركة قوات من عدد من الدول العربية التي تريد المساهمة في ذلك يمكن أن تكون حاسمة» في الحرب على «داعش» وأقله في «الإمساك بالمناطق التي تحرر».
وإذا كان فالس ينفي نية بلاده إرسال قوات إرسال قوات أرضية، إلا أن مسؤولين أمنيين كشفوا أكثر من مرة عن وجود ميداني لقوات خاصة فضلا عن وجود خبراء ومستشارين يساهمون في تدريب القوات العراقية والكردية وتقديم المشورة العسكرية وتسليح بعض الفصائل من المعارضة السورية المعتدلة.