الفساد يتغلغل في الرياضة.. والتنس آخر ضحاياه

تشهد الفترة الحالية موجة عارمة من الفضائح تعصف بمختلف الألعاب الرياضية، من كريكيت وكرة فدم وركوب دراجات ورغبي وكرة سلة وألعاب قوى. والآن، جاء دور التنس. توصل تحقيق أجرته شبكة «بي بي سي» بالتعاون مع مؤسسة «بزفيد» الإعلامية، إلى أنه جرى عقد تحقيقات على امتداد سنوات مع عدد من كبار لاعبي التنس حول مزاعم بتلقيهم رشى من وكالات مقامرة مقابل تعمد خسارة مباريات. ومع ذلك، فإن هذا الكشف الجديد ربما لا يثير كثير من الصدمة بعد سلسلة الفضائح المدوية التي ضربت الحقل الرياضي طيلة الفترة الماضية. ورغم أنه ظاهريًا ربما لا توجد حلقة مشتركة بين فضيحة نادي إسيندون الأسترالي المرتبطة بحقن اللاعبين بمنشطات وفضيحة التلاعب في نتائج مباريات التنس، فإن القضيتين تسلطان الضوء على أفكار وقيم مهمة على رأسها أخلاقيات الرياضة ومفهوم «الفوز».
على مدار 2500 عامًا على الأقل، تحدث الناس عن البعد الأخلاقي للرياضة. من جهته، نصح أفلاطون بالرياضة كأداة لتعلم السلوك الصالح داخل «الجمهورية الفاضلة». أما «الميثاق الأوليمبي» فيشير إلى ممارسة الرياضة باعتبارها حق أصيل من حقوق الإنسان. وحتى رجال الدين أعلنوا تأييدهم للقيمة الأخلاقية للرياضة.
ومع ذلك، فإن مجرد إلقاء نظرة سريعة على عناوين الأخبار الرياضية أمس يكشف النقاب عن قصة مغايرة تمامًا. بادئ الأمر، ظهرت فضيحة إسيندون، والتي بدأت فصولها عام 2013 وعاودت الظهور على السطح الأسبوع الماضي في أعقاب الحكم الصادر عن محكمة التحكيم الرياضية والمقابلة التي عقدها جيمس هيل وكشف خلالها عن جميع ملابسات القضية. ومع انطلاق فعاليات بطولة أستراليا المفتوحة الاثنين، ظهرت على السطح مزاعم بحدوث أعمال تلاعب وفساد على نطاق واسع بمباريات التنس على مستوى المحترفين. ورغم أنه للوهلة الأولى لا تبدو هناك صلة واضحة بين القضيتين، بل في الواقع تبدوان على النقيض من بعضهما البعض، فمن ناحية نجد أن ناديا مثل إسيندون أبدى استعداده لتجاوز الحدود القانونية المقررة سعيًا وراء الفوز. وفي المقابل، نجد أن لاعبين معينين بمجال التنس أبدوا استعدادهم لتعمد خسارة مباريات مقابل مبالغ مالية، ما يكشف عن توجه فاسد ومعيب حيال فكرة المنافسة النزيهة التي تشكل جزءا لا يتجزأ من الرياضة.
ويعلم أي شخص درس الفلسفة جيدًا فكرة أرسطو عن الحد الذهبي، الذي يدور حول فكرة أن الفضيلة توجد بين رذيلتين أو نمطين مذمومين من السلوك - أحدهما يتسم بالنقص والآخر بالإفراط. ومن هذه الزاوية، تبدو القضيتان السابقتان على طرفي نقيض من بعضهما البعض على نحو يجعلهما أشبه بطرفي رذيلتين من المنظور الأرسطي. إلا أن هذه النظرة الفلسفية الأكاديمية تغفل عنصرًا مشتركًا بين القضيتين - وهو الاعتقاد المسؤول عن بعض أبغض التجاوزات الأخلاقية بالمجال الرياضي التي نقابلها كل يوم: «اكسب بأي ثمن». في الحقيقة، لا يقتصر هذا الأسلوب من التفكير على الحقل الرياضي الاحترافي فحسب. ومن الواضح تمامًا كيف أن فكرة «اكسب بأي ثمن» تقف خلف قرار إسيندون بحقن اللاعبين بمنشطات. وتتجلى المفارقة في أن الشعار الذي رفعه النادي عام 2013 كان «مهما تكلف الأمر»، والذي من الواضح أن مسؤولي النادي عمدوا إلى تنفيذه حرفيًا العام السابق. ولا ينبغي أن نشعر بالدهشة إزاء ظهور مثل هذا التفكير بالحقل الرياضي - وهو عالم تتجاوز فيه كلمتا «فائز» و«خاسر» حدود الاستعارة لتحول لواقع متجسد.
وربما يكمن أسلوب التفكير ذاته في قلب الفساد المزعوم الذي تورط به محترفون بمجال التنس. ورغم أن تلقي رشى لتعمد الخسارة قد يبدو مناقضًا تمامًا لتوجه «اكسب بأي ثمن»، لكن هذا فقط إن كانت لدينا نظرة ضيقة للغاية تجاه الفوز.
عبر قبول رشى مقابل تعمد خسارة ما وصفه لاعب تنس سابق دانييل كوليرر (المدان بالتلاعب في النتائج، مع إصراره على براءته) بأنه «مباراة واحدة تافهة»، يكشف لاعبو التنس المحتالون عن رغبتهم في تحقيق «الفوز» المالي - الأمر الذي يضمن لهم حياة رغدة عند نهاية مسيرتهم الرياضية. ويرى هؤلاء أنه لو كان ثمن هذا خسارة مباراة لا قيمة لها نسبيًا، فلا ضير في ذلك. والمؤكد أن هاتين القضيتين تحملان عددًا من الدروس، على رأسها أنها تسلط الضوء على حاجة المسؤولين الرياضيين رفيعي المستوى لإدراك التوتر القائم بين «الصورة النقية» للرياضة وطبيعتها التجارية. ومن الممكن تحديد السبل التي يمكن من خلالها اكتساب أموال من الرياضة على نحو غير نزيه، والإعلان عن أنها تشكل تهديدًا، مع إدارة الشؤون الرياضية على نحو شفاف ومسؤول ومتناغم. ومن دون ذلك، ستبقى المجالات الرياضية الاحترافية عرضة بصورة خاصة لترعرع الفساد بها، بما تضمه من أعداد ضخمة من الطامحين إلى «الفوز».
أيضًا، تكشف القضيتان السبب وراء ضرورة أن يوفر أي مجال رياضي يحمل بعدًا تجاريًا، دخلاً كريمًا لأبنائه الرياضيين. على سبيل المثال، من الممكن جني مبلغ من المال من وراء إهدار ركلة جزاء في «مباراة واحدة تافهة» يفوق ما يكسبه اللاعب على مدار عام. وفي ظل هذه الظروف، يصبح من الأسهل السقوط في براثن الفساد. على المستوى الفردي، تكشف القضيتان عن المخاطر العملية المترتبة على تحويل الرياضيين المحترفين إلى طامحين دومًا إلى الفوز، بالنظر لما تحمل عقلية «اكسب بأي ثمن» من تبعات داخل الملعب، بجانب تقويضها لثقة الجماهير في الرياضة والرياضيين بصورة عامة. في الحقيقة، نبع تغني رجال الدين والفلاسفة بالرياضة من إيمانهم بقيمتها كأداة تعين الإنسان على العيش بطريقة أخلاقية. ورأى هؤلاء أن الرياضة بإمكانها تنمية الفضيلة داخل النفس، مع توفير فرصة للتغلب على الحواجز ونقاط الضعف المادية. ونأمل في أن يظهر جيل من الرياضيين يرى في هذه المعاني قيمة تفوق بكثير أي نصر رياضي أو مادي يمكنه إنجازه.